"لماذا تضرب صواريخ التحالف مواقع جبهة النصرة في سوريا، طالما أن الحرب في الأصل معلنةٌ على تنظيم الدولة الإسلامية؟"، تكرر هذا السؤال على نحو مثير للدهشة، منذ بدأت الهجمات الدولية على مواقع داخل الأراضي السورية. تكرّرَ السؤال على ألسنة ناشطين ومعارضين على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأولى للغارات. وكان هذا السؤال مع ما رافقه من أجوبةٍ وحوارات يحمل في طياته الإدانة والرفض، الذي وصل إلى حد اتهام التحالف الدولي بالتواطوء مع نظام الأسد.
يأتي رفض توجيه ضربات لجبهة نصرة؛ أولاً من أنصار الجبهة العلنيين وشركائها الأيديولوجيين، وثانياً من بعض خصومها الأيديولوجيين الذين يجمعهم بها العداء المستحكم للغرب. على أن المشكلة لا تكمن في رفض هذه الضربات أو إدانتها، فهذا مفهوم عندما يأتي من أنصار الجبهة، أو من خصوم للغرب. وإنما تكمن المشكلة في استغراب هذه الضربات وعدم فهمها، أو ربما لعله إدعاءٌ لعدم الفهم حين تقف خلفه دوافع سياسية مختلفة.
للتذكير فقط، فإن جبهة النصرة فصيلٌ جهادي ذو نزعة عالمية، وهي فصيلٌ تابع لتنظيم القاعدة الذي يتوعد الولايات المتحدة الأميركية والغرب كله، باستمرار الحرب والقتال حتى فتح العالم. وتنظيم القاعدة أيضاً هو العدو الأيديولوجي الأول لكل ما أنتجته الحداثة الغربية. ويختلف كثيراً بالنسبة للغرب عن الفصائل المسلحة ذات المرجعية الشيعية التي لا تتوعد الغرب بأي شيء، والتي لا تنفذ هجمات ضد مدنيين غربيين، ولا تستهدف بشكل جذريٍ وجديٍ مناطق نفوذ غربية، على نحو ما فعل تنظيم داعش بمهاجمته لإقليم كردستان. كما أنها ترتبط بدولة واضحة ومعروفة وقابلة للتفاوض والمساومة اسمها الجمهورية الإسلامية في إيران.
لم يقل الغرب في سياق تشكيله للتحالف الدولي إنه آتٍ للدفاع عن حياة أبناء المنطقة وطموحهم بحياة أفضل، بل كان واضحاً في كل خطابه وأدبياته أنه يتدخل دفاعاً عن المصالح الغربية، وأنه يريد أكبر تعاون ممكن من أطراف إقليمية ومحلية لتحقيق مصالح مشتركة. كذلك أعلن أوباما وغيره أكثر من مرة، أنه ليس من مهمات التحالف القضاء على داعش نهائياً، بل تحجيمها ومنعها من إلحاق الأذى بالمصالح الغربية، وأن مهمة القضاء النهائي على التنظيم تقع على عاتق أبناء المنطقة أنفسهم.
لهذه الاعتبارات كلها، يبدو مفهوماً توجيه ضربات للنصرة، وربما غيرها من فصائل السلفية الجهادية في سوريا. فما هي الفائدة التي يمكن أن يجنيها الغرب من ضرب داعش وترك فصائل أخرى كجبهة النصرة وشقيقاتها تملأ الفراغ؟ وهي فصائل لا تخفي عدائها للغرب بل لعلها تتباهى به، وتعتبره من مصادر شرعيتها، وأسس وجودها ومرتكزات خطابها.
يستبطن الاستغراب والجدال حول هذه المسألة، سوء فهم مريع وضياع كبير، كما يستبطن توظيفاً سياسياً من قبل بعض الجهات. وذلك بهدف التعمية على السؤال الحقيقي: "لماذا لا تشكل المعارضة السورية المسلحة حليفاً للغرب في حربه على داعش، بما يمكنها من الاستفادة من هذا التحالف في حربها ضد النظام السوري؟". سؤال يتم اقتناص فرصة ضرب النصرة للإجابة عليه، بأن الغرب يكرهنا ويريد إلحاق الهزيمة بنا، بدل الخوض الجدي في أسباب الفشل السياسي والعسكري المريع للثورة والمعارضة في سوريا.
ليس ثمة كتائب أو تيارات أو فصائل سورية يمكن للغرب الاعتماد عليها في صيانة مصالحه، أو حتى في تأمين نوع من الاستقرار على أنقاض نظام الأسد وتنظيم الدولة. هذه حقيقة لا مجال لإنكارها، وعليها يبنى الفهم للسلوك الغربي حيال المسألة السورية برمتها. وإذا كان هناك من يجيب بأن صيانة مصالح الغرب ليست من مهمات الثورة السورية، فإن عليه أن يستكمل إجابته تلك بالقول إنه ليس من مهمات الغرب الدفاع عن مصالح الثوار السوريين ومشاريعهم.
كان يفترض بالتحالف الغربي أن يتجنب استهداف النصرة لحشد أكبر تأييد شعبي محلي ممكن لضرباته على معاقل تنظيم الدولة الإسلامية، هذا قد يكون صحيحاً من وجهة النظر التي تنطلق من مصالح الثوار السوريين، لكنه غير صحيح على الإطلاق من وجهة النظر التي تنطلق من مصالح التحالف الغربي. يبقى إذاً أنه يجب إجراء مراجعة شاملة لأسباب عدم تمكن الثوار والمعارضين السوريين من القيام بشيء لتأمين تقاطع جدي بين مصلحة الثورة السورية والمصالح الغربية. أما رفض إجراء مراجعات شاملةٍ في هذا السياق، فإنه يعني الاستمرار في التعامل مع الغرب بوصفه عدواً للسوريين ما لم يقدم المساعدة لهم بشروطهم. وهو ما يفترض أن يبنى عليه أشياء كثيرة في مقدمتها الكف عن استجداء المساعدة العسكرية من الغرب.