ليست قضية رهائن عدرا العمالية استثنائية، لجهة الغموض وشح المعلومات عنها وتضاربها، بل تندرج ضمن السمات الرئيسية لمجريات الصراع في سوريا. وما جرى في عدرا منذ اقتحامها من قبل مجموعات مسلحة مناوئة للنظام السوري في 11 كانون الأول/ديسمبر 2013، فتح نقاشاً واسعاً وجدياً في أوساط أنصار النظام السوري، حول مدى جديته في حمايتهم، أو مدى قدرته على توفير هذه الحماية.
تقول واحدة من النساء اللواتي نجحن في مغادرة عدرا في أواخر كانون الأول/ديسمبر الماضي: "لقد سمح لنا المسلحون بالمغادرة آن ذاك، لأنه لم يكن في عائلتي الصغيرة أي من عناصر الأمن أو قوات الدفاع الوطني. لكنهم احتفظوا بزوجة واحد من أقاربي وأطفاله الذين لا ذنب لهم، سوى أن قريبي هذا عنصر في واحد من الأجهزة الأمنية". وتضيف: "لا أفهم لماذا لا تعمل السلطات السورية بشكل جدي على إطلاق سراحهم، ما يطلبه المسلحون هو إطلاق سراح معتقلين مقابل الرهائن، وهو طلب يمكن تنفيذه. إلا أننا غير قادرين على الضغط على السلطات فالمعارك في كل مكان والضحايا بالمئات من جميع الأطراف. والإسلاميون المتطرفون يهددون حياتنا جميعاً. ليس هناك أية مساحة ممكنة للضغط".
بعد أن نزح عشرات الآلاف من المدنيين من عدرا في الأيام الأخيرة من العام المنصرم، تمكنت الكتائب من الاحتفاظ بالسيطرة على المدينة حتى اليوم. كما احتفظت بأعداد من أفراد عائلات مقاتلي النظام وعناصره الأمنية. ولا أحد يعرف عدد هؤلاء الرهائن على وجه الدقة، إذ ترفض الكتائب التي تحتجزهم إعطاء أرقام دقيقة، لكنها تؤكد أن أعدادهم بالمئات. وأن قسماً منهم فارق الحياة جراء أعمال القصف والغارات التي تقوم بها القوات النظامية على عدرا وسائر غوطة دمشق الشرقية. ومن بينها الغارات التي أدت إلى مذبحة كبيرة في "دوما" الأسبوع الماضي وقتل فيها عدد من الرهائن.
باستثناء مبادلة ضابط كان محتجزاً لدى "جيش الإسلام"، بعائلةٍ كانت معتقلة لدى النظام في نيسان/إبريل، لم تتم أي صفقة مبادلة في ملف عدرا العمالية على الرغم من الحديث الدائم عن التفاوض. وفيما يتهم النظام السوري الكتائب المسلحة باستخدام الرهائن دروعاً بشرية، تقول الكتائب إن النظام يستهدف جميع المناطق الخارجة عن سيطرته، وهو ما أدى إلى مقتل عدد من الرهائن، في ظروف مماثلة لمقتل عشرات المدنيين من أبناء الغوطة الشرقية. كما أنها تؤكد أن الظروف السيئة التي يعيشها الرهائن لناحية الغذاء وغياب الرعاية الطبية المناسبة، ناتجةٌ عن الحصار الذي يعاني منه جميع سكان الغوطة الشرقية.
صفحاتٌ عديدة على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، تتبنى قضية هؤلاء الرهائن، إلا أن أكثرها فعالية الصفحةُ التي تحمل اسم "عدرا العمالية–رسائل من الداخل". وقد أخذت الصفحة شيئاً فشيئاً تلعب دوراً مهماً في التفاوض بين الطرفين. ويتواصل مدير الصفحة مباشرةً مع قادةٍ في الكتائب التي تحتجز الرهائن، حيث بثت الكتائب مقاطع مصورة عبر الصفحة، يَظهرُ فيها الرهائن وهم يناشدون السلطات السورية القبول بالتفاوض لإطلاق سراحهم. ويبدو أن هذا التواصل هو الذي أدى إلى إطلاق سراح سيدةٍ كانت محتجزة لدى "جيش الإسلام" الخميس الماضي كبادرة حسن نية، حيث قال المسؤول عن الصفحة إنه نجح في إقناع قيادة "جيش الإسلام" بالقيام بهذه الخطوة.
على الرغم من تأييد هذه الصفحة الواضح للأسد وللجيش السوري، فإنها تقدم خطاباً عقلانياً تجاه كتائب المعارضة، وتنتقد أداء السلطات السورية إزاء قضية المحتجزين في عدرا. وقد انتقلت مؤخراً إلى أسلوب جديدٍ يهدف إلى الضغط على السلطات السورية لإجراء تفاوض جدي، حيث دعا المسؤولون عنها إلى اعتصام لأهالي الرهائن في ساحة الأمويين في الساعة الحادية عشرة من صباح السبت. إلا أن الهتافات في الإعتصام كانت للأسد بناء على توجيهات مدير الصفحة، وهو ما قد يحوله إلى مجرد حدثٍ، يمكن للإعلام السوري تجييره، كمناسبةً لإعلان عائلات الرهائن ولاءهم المطلق للنظام، على الرغم من عمق مأساتهم.
قد تبقى قضية رهائن عدرا مفتوحة على جميع الاحتمالات، في ظل غياب أية آلية ضغط جدية، تجبر النظام على إطلاق سراح المعتقلين الذين طالبت بهم الكتائب المسلحة مقابل تحرير الرهائن. هؤلاء المعتقلون بينهم مئات النساء والأطفال، كما هو حال رهائن عدرا العمالية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث