الخوف الذي أعقب سيطرة مقاتلي "الدولة الإسلامية" على الفرقة 17 في الرقة، بعد معارك كتائب المعارضة وجبهة النصرة في ريف حماة وصولاً إلى أطراف سهل الغاب، يبدو غير مسبوق على الإطلاق، وذلك على الرغم من اندلاع معارك ومواجهات مختلفة في الساحل السوري وعلى تخومه طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، من ريف اللاذقية الشمالي، إلى البيضة قرب بانياس، إلى الزارة وقلعة الحصن على تخوم طرطوس الشرقية. ويعتقد كثرٌ من أنصار النظام السوري في الساحل، أنهم قد يكونون على موعد مع مرحلة جديدة من الصراع، يمكن أن تصل نيرانها إلى قلب جبال الساحل السوري الحصينة.
ليس ثمة ما يمكن أن يثير الرعب بالنسبة لأبناء الأقليات الدينية في سوريا والعراق، مثل سمعة تنظيم "الدولة الإسلامية". إلا أن هذا التنظيم لم يسبب رعباً إضافياً لأنصار النظام السوري في الساحل، قد يعود ذلك إلى ما قيل عن تحالف خفي بين النظام السوري وداعش. هذه المقولة التي وجدت جمهوراً لها حتى بين أنصار النظام السوري، لكنها ذهبت أدراج الرياح مع اندلاع المعارك الطاحنة بين قوات النظام وعناصر داعش في ريف الرقة وريف حمص الشرقي.
لاحقاً، وبعد معارك "حقل الشاعر" شرق حمص، تحدثت أنباء متضاربة عن تقدم مجموعات لداعش إلى محيط قرية "الفرقلس" العلوية في ريف حمص الشرقي، وعن احتمال مبايعة كتائب معارضة في ريف حمص الشمالي للتنظيم. الأمر الذي دفع النظام السوري إلى تعزيز تواجده العسكري على الطرقات التي تصل ريف طرطوس الشرقي ومصياف ووادي النصارى بمنطقة الحولة، كمنطقة تمثل رأس الحربة المتقدم باتجاه جبال الساحل بالنسبة لمقاتلي الكتائب في ريف حمص. وعلى تلك الطرقات تمركزت مدرعاتٌ يبدو الهدف منها طمأنة الأهالي.
كذلك أثار تقدم كتائب الثوار في ريف حماة بعد صمودهم الطويل في جبهة "مورك" الخوف في جبال الساحل أيضاً، حيث سيطرت الكتائب على "خطّاب" غرب حماة، وتقدمت نحو مدينة حماة ومطارها العسكري. مما أدى لنزوح الآلاف من سكان قريتي "أرزة" و"قمحانة" العلويتين، ووصلت المعارضة المسلحة برفقة جبهة النصرة إلى تخوم مدينة محردة في الشمال الغربي، وكثفت من حضورها وعملياتها على أطراف سهل الغاب، حيث تعرضت مدينة سلحب ومواقع النظام المحيطة بها لقصف بصواريخ الغراد مرات عديدة.
عشرات الطرقات تصل ريفي حمص وحماة بجبال الساحل السوري عبر سهل الغاب، حيث الديموغرافية شديدة التعقيد، وتتمثل بعشرات القرى المتداخلة التي يقطنها خليط من الطوائف. وعبر هذه الطرقات، تتسرب شائعات عن تسلل مجموعات وخلايا تابعة لجبهة النصرة وداعش إلى مناطق شديدة القرب من قرى "دير شميل" و"دير الصليب" و"ربيعة" بريف مصياف. هذه القرى تعد معاقل قوات الدفاع الوطني الرئيسية في ريف حماة الغربي، وهي القوات المتهمة بارتكاب مذابح عديدة أبرزها مذبحة "التريسمة" عام 2012.
يقول شاب من ريف مصياف "تهتز ثقة كثير من السكان هنا بقدرة النظام على حمايتهم، وخاصة بعد فشله في إنقاذ مقاتليه قي ريف الرقة وحقل غاز الشاعر". فالناس هناك يعتقدون بأنه من المحتمل أن تبايع تنظيمات مسلحة سنية في المنطقة تنظيم الدولة الإسلامية في أي لحظة. يكمل الشاب "لذلك ازداد انضمام الشبان العلويين إلى قوات الدفاع الوطني مؤخراً، كما يلجأ العديد من العائلات إلى بيع قسم من أرزاقها والتسلح الذاتي في قرى ما بات يعرف بمناطق التماس".
لاحتواء هذه المخاوف، يبدو أن النظام السوري يستعد لمعركة كبيرة في مورك، حيث يشاع أن سيطرة قوات النظام السوري عليها ستؤدي إلى قصم ظهر الكتائب المناوئة للنظام السوري في سائر ريف حماة. وبالفعل فقد غادر العشرات من عناصر الدفاع الوطني بيوتهم في طرطوس واللاذقية وريفيهما لمؤازرة الجيش السوري في مورك، التي يبدو أنها على موعد مع معركة طويلة ودامية.
لا تثير انتصارات النظام في ريف دمشق الطمأنينة بين أنصاره في الساحل السوري، وكذلك لا تفعل غاراته العنيفة على معاقل داعش في الرقة وريفها فعلها بهذا الخصوص. إذ يجدون أنفسهم وجهاً لوجه مع تنظيمات متشددة، تختلف في درجة تنظيمها وعنفها وأصوليتها عن كتائب الجيش السوري الحر والكتائب الإسلامية المحلية. كما يجدون أنفسهم أمام احتمال مواجهة تنظيم داعش، الذي كانوا يطمئنون إلى أن خصمه الرئيسي هو كتائب المعارضة السورية، قبل أن يبدأ تمدده على حساب قوات النظام السوري أيضاً.