عندما شنت إسرائيل حربها الواسعة على قطاع غزة عام 2008، كان النظام السوري يُعَدُّ عراب المقاومة الأول في المنطقة. وكان خارجاً مع حليفيه حزب الله وإيران من حرب تموز عام 2006، التي حقق فيها هذا المحور انتصارات سياسية وعسكرية لا تزال حقيقتها وجدواها محل خلاف. وكان هذا المحور يبدو شريكاً استراتيجياً لفصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها كتائب القسام. الأمر الذي أكدته حركة حماس وسائر الفصائل الأخرى حينها، وشريكاً لقطر وتركيا اللتين أعلنتا مواقف مناصرة للمقاومة في لبنان وفلسطين، وقدمتا مساعدات كبيرة في إعادة الإعمار وتخفيف آثار الحربين الداميتين.
تضامن جمهور النظام السوري وقتها مع قطاع غزة على نحو مطلق ومن دون أي ارتباك، أما الإعلام الرسمي السوري فقد تحول إلى ما يشبه الإعلام الحربي للفصائل المقاتلة في غزة. كما خصص أغلب ساعات بثه لتغطية تلك الحرب وبث الأغاني الحماسية، وكذلك إذاعة بيانات كتائب القسام وسرايا القدس وغيرها. وعلى الرغم من أن حجم التفاعل والدعم لحزب الله على المستوى الشعبي كان أعلى من ذاك الذي حظيت به حماس، وذلك لأسباب شتى من بينها ارتباط الأخيرة بحركة الأخوان المسلمين المحظورة التي كان يحكم على منتسبيها بالإعدام في سوريا وفقاً للقانون 49 الشهير، فإن حجم تعاطف جمهور النظام السوري مع الفلسطينيين، وصل آن ذاك إلى مراحل غير مسبوقة منذ الانتفاضة الأولى في ثمانينيات القرن الماضي.
بعد اندلاع الثورة السورية وتحولها إلى ثورة مسلحة، واكتساب النزاع بعداً طائفياً وإقليمياً، أصبح حزب الله اللبناني شريكاً كاملاً للنظام السوري في حربه على خصومه من السوريين. وأصبحت حركة حماس التي اتخذت مواقف داعمة للثورة السورية خصماً متهماً بالخيانة ونكران الجميل، لا بل تم تحميلها مسؤولية خروج مخيم اليرموك عن سيطرة قوات النظام، واتهامها بأنها مجرد ذراع من أذرع حركة الأخوان المسلمين الإرهابية الطائفية، من وجهة نظر أنصار النظام السوري.
مع بدء المعركة التي تدور رحاها الآن في قطاع غزة بدا الارتباك واضحاً خلال الأيام الأولى، ففي الوقت الذي لا بد فيه من تقديم خطاب مقاومٍ ومعادٍ لإسرائيل، فإن التعاطف مع حركة حماس ومن ثم أهل غزة بدا صعباً ومربكاً جراء التجييش الذي مارسه النظام السوري ضد حركة حماس خلال العامين الماضيين. حتى أن كثيراً من أنصار النظام السوري أطلقوا العنان لسخريتهم من صواريخ حماس "العبثية"، هذا المصطلح الذي كان التلفظ به خيانة عام 2008، ليصبح اليوم حاضراً على نحو واسعٍ في خطاب أنصار النظام السوري.
جاء بعدها الأسد في خطاب القسم، ليضع الخطوط العريضة لموقف النظام السوري من حرب غزة، عندما قال إنه يجب التمييز "بين الشعب الفلسطيني المقاوم، الذي علينا الوقوف إلى جانبه وبين بعض ناكري الجميل منه، بين المقاومين الحقيقيين الذين علينا دعمهم والهواة الذين يلبسون قناع المقاومة وفق مصالحهم لتحسين صورتهم أو تثبيت سلطتهم".
ارتد صدى ما قاله الأسد على الخطاب المعلن لأنصاره على الفور، إذ في الوقت الذي قالت فيه بثينة شعبان المستشارة الإعلامية للأسد إن "الحرب على غزة هي حرب على سوريا"، عاد إعلام النظام السوري والصفحات الموالية له على مواقع التواصل الاجتماعي إلى محاولة توظيف أفعال المقاومة الفلسطينية لصالح النظام السوري. حتى أن إحدى هذه الصفحات كتبت "دمشق ترد على تل أبيب من غزة"، لكن هذه المحاولة الساذجة قوبلت بالسخرية من أغلب رواد الصفحة أنفسهم.
في الخطاب المعلن لوسائل إعلام النظام السوري وحلفائه، يبدو التضامن مع أبناء غزة مطلقاً، وتبدو حالة الفصام في ذروتها من خلال الاحتفاء بإنجازات مقاتلي كتائب القسام الذين وصف الأسد قيادتهم السياسية بأنها من "الهواة الذين يلبسون قناع المقاومة". أما في الشارع الموالي فإن خطابات المقاومة والممانعة لم تعد تفعل فعلها بعد الدماء التي أريقت، وخلف هذا الخطاب المعلن هناك الخطاب الشعبي اليومي الذي لا يعبأ بما يجري في غزة؛ أولاً بسبب عنف الحرب التي يعيشها أنصار النظام السوري، وثانياً لأن ثمة شقاقاً سياسياً لا يمكن رأبه مع حماس. ولأن ثمة شقاقاً طائفياً بالنسبة لمن يناصر النظام السوري لأسباب طائفية، إذ تبدو حركة حماس عدواً لدوداً لا مجال للتعاطف معه، ولا مجال لأخذ ما يُقال عن إنجازاته على محمل الجد.