تمكنت قوات النظام السوري، مدعومة بمقاتلي حزب الله ومقاتلين من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة، من السيطرة، الأحد، على معظم أحياء كسب وكامل قرية السمرة في ريف اللاذقية الشمالي، وذلك في أعقاب انسحاب أغلب مقاتلي جبهة النصرة وكتائب الجيش الحر من أحياء المدينة، على نحوٍ بدا مفاجئاً مساء السبت. وأعلن التلفزيون الرسمي السوري السيطرة على مدينة كسب ومعبرها الحدودي مع تركيا، وهو ما أكدته السلطات التركية معلنةً أنها أغلقت هذا المعبر تماماً بعد سيطرة القوات الحكومية السورية عليه.
وكانت كتائب متعددة من بينها جبهة النصرة والجبهة الإسلامية، قد أعلنت عن تأسيس غرفة عمليات مشتركة، والبدء بما أسمته معركة الأنفال في الساحل السوري أواسط آذار الماضي، وحققت تقدماً لافتاً وسريعاً، انطلاقاً من مواقعها في جبلي التركمان والأكراد، وتمكنت من السيطرة على كسب ومعبرها الحدودي، وصولاً إلى قرية السمرة، وشاطئ البحر حتى تخوم رأس البسيط، وعلى مناطق النبعين ونبع المر، وخاضت معارك شرسة وسيطرت على أجزاء من النقطة 45 الإستراتيجية، وجبلي تشالما والنسر.
لاحقاً تراجع الاهتمام الإعلامي بمعركة الأنفال على إيقاع التطورات العسكرية والسياسية المتسارعة، بما فيها معارك درعا وحلب وإدلب واتفاق حمص والانتخابات الرئاسية ومعارك العراق مؤخراً، وبدا كما لو أن المعارك توقفت على جبهة الساحل، إلا أن الوقائع تبين أن المعارك لم تتوقف طيلة الفترة الماضية، واستمرت الاشتباكات والقصف المتبادل ومعارك الكر والفر بشكل يومي، على طول خط الاشتباك، الممتد من أطراف خربة سولاس وبيت حليبية، وصولاً إلى قسطل معاف وتشالما وجبل النسر شمالاً، والسمرة وحتى رأس البسيط غرباً.
يبدو أن هدف الكتائب من تلك المعركة كان استنزاف قوات النظام، وإشغالها وإجبارها على سحب بعض قواتها من مناطق أخرى، وخاصة في ريف إدلب المتداخل جغرافياً مع قواعد انطلاق مقاتلي المعارضة في جبل الأكراد، وكذلك السيطرة على قمم الجبال الإستراتيجية التي تشرف على مدينة اللاذقية، وتضعها في مرمى النيران، والسيطرة على منفذ بحري بين قرية السمرة ورأس البسيط، وهو ما بدا أنه كان على وشك التحقق خلال الشهر الأول من المعارك.
أدت معركة الساحل إلى تخفيف الضغط عن المقاتلين المعارضين في ريف إدلب، وهو ما سرع سيطرتهم على مناطق واسعة في خان شيخون ومحيط جسر الشغور، كما أنها استنزفت قوات النظام وكبدتها خسائر فادحة، وخاصة في صفوف قوات الدفاع الوطني، وأوشكت كتائب المعارضة على إحكام سيطرتها على مواقع في غاية الأهمية، إلا أن النظام السوري استعان بآلاف المقاتلين الأجانب، ولاسيما نخبة من مقاتلي حزب الله. فنجح في كبح تقدم الكتائب المسلحة المعارضة مستفيداً من الفارق الهائل في القوة النارية، ومنظومة التنسيق والتحكم والسيطرة، وهو ما حول المعارك في النهاية إلى استنزاف عبثي لكتائب المعارضة، بعدما كانت استنزافاً لقوات النظام.
حققت قوات النظام السوري وحلفاؤها تقدماً مهماً خلال الأيام العشرة الأخيرة على جبهة النبعين ومحيط جبل النسر، بعد أسابيع من القصف العنيف لتلك المناطق بالصواريخ والبراميل المتفجرة. كما تمكنت قبل بضعة أيام من السيطرة على أجزاء من قرية السمرة وحرمان الكتائب من منفذها البحري، بعد عملية إنزال نفذها المئات من مقاتلي حزب الله، وهو ما لم يكن بإمكان المقاتلين المتمركزين هناك التصدي له بأسلحتهم المحدودة كماً ونوعاً، لينتهي المطاف بأغلب مقاتلي الكتائب إلى الانسحاب على نحو هادئ ومفاجئ، ودون معارك تذكر من مدينة كسب، في حين لا يزال بضع عشرات من المقاتلين في أحراش كسب والسمرة، يخوضون اشتباكات متفرقة، بالتزامن مع تواصل المعارك الطاحنة في محيط جبل تشالما وغيرها من نقاط الاشتباك الأخرى.
منذ توقف تقدم كتائب المعارضة المسلحة في ريف اللاذقية الشمالي بعد شهر على انطلاق المعارك، عاد الحديث عن تخاذل القيادة السياسية والعسكرية للثورة والمعارضة، وعن تقصيرها في دعم جبهة الساحل، وعن تخليها عن المقاتلين هناك، خضوعاً لأجندات إقليمية ودولية، إلا أن مجمل مجريات معركة الأنفال يظهر أنها لا تختلف عن غيرها من معارك قوات المعارضة في مناطق البلاد، إذ في مقابل التفوق الناري للنظام والدعم غير المحدود له من حلفائه بالمقاتلين والسلاح، فإن معارك المعارضة يسودها الاندفاع والحماسة وسوء التخطيط، ويمنعها من تحقيق جميع أهدافها نقص العتاد وسوء أداء المعارضة السياسية وهيئة الأركان، وهو ما تؤكده استقالة تسعة من قادة المجالس العسكرية في هذه الهيئة قبل بضع ساعات من انسحاب كتائب المعارضة من مدينة كسب.