ضجيج الحرب وصخب الاحتفالات: صيف لبنان المتناقض المتوهّج

نغم ربيع
الأحد   2024/06/09
هكذا بدا شاطئ صور القريب جداً من الحدود (Getty)

هذه الأيام هي الفترة التي تُعلِن فيها المهرجانات اللبنانية عن برامجها بأجواء احتفالية، إيذاناً باقتراب موسم الصيف والإجازات، ووصول المغتربين والسياح إلى البلاد. لكن في ظل الوضع المتأزم هذا العام والحرب في الجنوب، يبدو حال لبنان قائماً على "تناقض" حاد. فهناك تعايش بين حرارة الحرب وأحزانها من جهة، وصيف الأفراح والسهر والسياحة من جهة ثانية.

مع ذلك، يبدو صيف 2024 في لبنان متوهجاً، بالرغم من كل ما يحوط به من سواد أمني، معيشي واقتصادي. ورغم التحديات الكبيرة التي يواجهها البلد، بدأت الإعلانات عن حفلات غنائية كبرى في بيروت والمناطق، ونشاطات فنية وسياحية ورياضية ربما تنافس أي بلد ينعم بالاستقرار والهدوء.

الجنوب
مع تصاعد حدة التوتر في جنوب لبنان وتزايد المخاوف من اندلاع حرب شاملة، قررت جمعية أصدقاء زيرة وشاطئ صيدا، بالتعاون مع بلدية صيدا، تحدي الخوف بالموسيقى، من خلال إقامة مهرجان يستمر طوال أيام عطلة نهاية الأسبوع من شهر تموز، في مرفأ صيدا القديم، يتضمن معرضاً واستعرضات مائية، وحفلات لفنانين غنائيين.

وقال رئيس الجمعية، ربيع العوجي، لـ"المدن": "سيكون هذا المهرجان بمثابة مهرجان للسلام في صيدا. رغم الحرب القريبة منا، نريد أن نعيش. حالنا كحال جميع المناطق اللبنانية الأخرى التي تقيم حفلات ومهرجانات".

في المقلب الآخر، وفي حديث مع رئيسة اللجنة الوطنية لمهرجان صيدا الدولية، نادين كعين، أكدت لـ"المدن" أنه لم يُتخذ قرار بعد بشأن إقامة المهرجانات هذا العام. مشيرة إلى أن القرار يعتمد على الوضع الأمني. وأضافت: "تعتبر صيدا بوابة الجنوب، ولا يمكننا إقامة مهرجانات فنية في ظل هكذا أوضاع، خصوصاً أن هناك فئة من الناس تهجرت".

وتابعت قائلة: "هدف المهرجان هو استقطاب الناس إلى صيدا. وفي ظل وضع أمني متأزم، لا يوجد محفز لمجيء الناس إليها". واختتمت حديثها بأنهم يدعمون أي عمل أو نشاط يقام في المدينة.

تسعى مدينة جزين الجنوبية، بعد عقد اجتماع للمؤسسات السياحية والهيئات الاقتصادية في المنطقة، إلى مواصلة ما بدأته في الصيف الماضي من إقامة حفلات مجانية في المنطقة. وفقاً لرئيس اتحاد بلديات جزين، خليل حرفوش، تهدف هذه الحفلات إلى إنعاش الوضع الاقتصادي وتغيير الصورة المرعبة عن المنطقة، بالإضافة إلى تشجيع أبناء المنطقة على المجيء للسهر والاستمتاع كما فعلوا في السنة الماضية. وأكد حرفوش أن السياحة هي العمود الفقري للمنطقة، والوضع حتى الآن مزرٍ.

وأشار إلى أنه "قريباً، سيتم إعادة افتتاح الحانات في السوق، وسنبدأ بحفلات بسيطة. أما في شهر آب، فنحضر لإقامة أربع حفلات مجانية بمناسبة عيد السيدة".
شاطئ صور ليس بعيداً عن الحدود حيث المواجهات، وغالباً ما تعربد في سمائها الطائرات الحربية الإسرائيلية، وأصداء القصف والغارات تصل بوضوح إلى مسامع المدينة. مع ذلك، فمحبو بحرها ورمالها الذهبية وأجوائها الرحبة لم يترددوا في الذهاب إليها، حيث افتتحت شاطئها ونصبت خيمها، واستعدت لاستقبال السياح في مقاصفها ومطاعمها وحاناتها وفنادقها.. فالحياة الصيفية المميزة مستمرة في هذه المدينة الجنوبية. 

بيروت
منذ اندلاع ثورة 17 تشرين الأول 2019، انطفأت بيروت. لا حفلات كبرى ولا مهرجانات. تلى الحركة الاحتجاجية انهيار اقتصادي كبير، تزامن مع وباء كورونا الذي منع أيضاً إمكانية إقامة حفلات. العام الماضي، بدأت الحركة تنتعش في المدينة مجدداً، مع محاولة إعادة صيف بيروت إلى ما كان عليه قبل الانهيار. هذا العام، يتم التحضير لنشاطات ومهرجانات وحفلات ضخمة في بيروت، بالإضافة إلى عودة مهرجانات "أعياد بيروت" تحت عنوان "رجّعنا الأعياد لبيروت" بعد انقطاع خمس سنوات.

في هذا السياق، يقول أمين أبي ياغي، صاحب شركة "ستار سيستم" المنظمة لـ"أعياد بيروت": "أوقفنا حفلاتنا لسنوات بسبب الأوضاع، ولكن هذا العام، بسبب الغموض وعدم وجود أفق واضح لنهاية الحرب، قررنا أخذ المخاطرة وإقامة 7 حفلات، خصوصاً أن الشعب اللبناني يحب السهر والفرح". وأضاف: "الإقبال على شراء التذاكر مقبول في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية، مع مراعاة في أسعارها".

في الإطار عينه، يقول فاروق يعقوب، المسؤول الإعلامي لإحدى الشركات المنظمة، إن الحفلات والمهرجانات هي جزء من تركيبة هذا البلد، خصوصاً أن السياحة هي صناعة لبنان وتساهم بشكل كبير في إدخال المال إليه. ويضيف أن القطاع السياحي الخاص قرر أن يبقي البلد على السكة، وأن يعمل ويقاتل، مشيراً إلى أن القطاع السياحي تحمّل خسارات كبيرة أثناء الأزمة الاقتصادية، وشارك في معاناة الناس وهمومهم للحفاظ على أعماله واستعادة عافيته. يقول يعقوب: "نستعيد الآن عافيتنا وهذا ليس عيباً!"

وأضاف: "بالرغم من هذا، يتعرض القطاع لقلة الدعم نتيجة مهاترات سياسية وسخافات تؤدي إلى ترويع غير منطقي وغير مفهوم، ما يوتر القطاع السياحي من خلال تخويف الناس وخلق جو عام غير مشجع. هذه الأمور لا تفيد سوى من لديه مصلحة في عدم وجود هذا البلد سواء سياسياً، اقتصادياً، صناعياً أو زراعياً."

ويؤكد: "نحن لا نهرب من فكرة وجود حرب في البلد، لكن هذه الحرب أصبح عمرها 8 أشهر ونحن نريد أن نعيش".

وختم حديثه قائلاً: "نسعى أن نعمل رغم الظروف الموجعة والقاهرة وآلام الناس المشتركة، ولسنا غير معنيين. معظمنا من الجنوب وننتج في هذا البلد لكي نقاتل من أجل البقاء فيه ونضعه على الخريطة من أجل مساعدة أهلنا، وخصوصاً الناس في المناطق الجنوبية."

تراجع حركة المطار!
في كل المناطق والقرى البعيدة عن أهوال الحرب، يتم التحضير لنشاطات ومهرجانات وحفلات تهدف إلى جذب المغتربين اللبنانيين والسياح مثل البترون، إهدن، جبيل وغيرها. كما يعمل "المؤثرون" اللبنانيون والمقيمون في لبنان على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تسويق لنوعية الحياة في لبنان، التي لا يجدها الزائر في أي مكان آخر، سواء من حيث جمال الطبيعة أو صخب الحياة الليلية.

لكن لبنان الذي كان قُبلةَ السياح العرب والأوروبيين سيفتقدهم هذا الصيف، خصوصاً بعد تحذيرات حكوماتهم من السفر إلى لبنان، وإن كان البعض لا يلتزم. وحسب الباحث في "الدولية للمعلومات"، محمد شمس الدين، "تشير الدراسات الأولية إلى أن حركة المطار تراجعت بنسبة 6.6% في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وعند مقارنة النمو الذي كان يُفترض أن يُسجل في 2024 مع 2023 و2022، نجد أن هناك تراجعاً بنسبة 36%".

على أي حال، سيبقى هذا الصيف مشتعلاً بتناقضاته بين ضجيج الحرب وصخب الاحتفالات والأعياد.