حولا ومركبا: روح الجنوب في العلم والتبغ وبذل الشهادة

حسين سعد
السبت   2024/06/08
حولا ومركبا: جارتا تل العباد وهونين المحتلة (Getty)

حولا- مركبا، بلدتان حدوديتان، في قضاء مرجعيون، تجمعهما الجغرافيا والعلاقات الاجتماعية، ومجاورة أرض فلسطين، التي هُجر أهلها الأصليون، ومن بينهم لبنانيون هم "أهالي هونين"، التي تطلق عليها إسرائيل "مرغليوت".

ترزح حولا ومركبا تحت قصف وغارات دائمين، ما دفع بأهلهما إلى النزوح من منازلهما إلى خارجهما بشكل شبه تام، ولم يبق فيهما إلا أفراد يرتبطون بأرزاقهم وحلالهم التي تعادل الروح.

في هاتين البلدتين، اللتين دفعتا خيرة من شبابهما، حوالى 25 شهيداً وشهيدة، دمرت وتضررت مئات المنازل واحترقت مساحات واسعة مغروسة بالأشجار المثمرة، كما أنهما خسرتا مواسمهما الزراعية، التي تشكل عصب معيشة أبنائهما المقيمين.

حولا بلدة الـ120 شهيداً
تتقاسم بلدة حولا تل العباد الشهير مع فلسطين المحتلة، والذي أخذ حيزاً كبيراً أثناء عملية ترسيم الحدود البرية بين الأراضي اللبنانية والأراضي الفلسطينية، بعد الانسحاب الإسرائيلي في أيار العام 2000. ومن القسم المحتل من هذا التل المرتفع، تمارس إسرائيل أعمال القصف المدفعي على بلدة حولا، الممتدة شرقاً إلى وادي السلوقي، بمحاذاة بلدتي شقرا ومجدل سلم، اللتين تضمان أعداداً كبيرة من نازحي بلدة حولا، والذين يسترقون النظر من بعيد إلى بيوتهم وحقولهم وحواكيرهم، ويستغلون مراسم دفن الشهداء أو الموتى من أبنائها للتوجه إليها وشم رائحة ترابها المعتق بشتول التبغ وسنابل القمح.

تحتل بلدة حولا، جارة مركبا من ناحية الشمال، وفلسطين المحتلة من الشرق، الرقم الأول على مستوى الجنوب بأعداد الشهداء الذين سقطوا على أرضها ومن أبنائها، خلال الـ76 عاماً المنصرمة، أي منذ إنشاء ما يسمى دولة إسرائيل، التي قتلت أكثر من 70 فرداً من أبناء حولا، في 31 تشرين الأول من العام 1948، على يد عصابات "الهاغانا" الصهيونية.

مع استشهاد الشقيقين علي ومحمد مصطفى قاسم، قبل أيام، اللذين تمسكا برعاية مواشيهما وعدم ترك حولا، التي كانا يعرفان كل حجر ونبتة في أرضها، تجاوز عدد الشهداء من أهلها، منذ حرب الإسناد والإشغال 14 شهيدة وشهيداً، ضمهم تراب البلدة، التي ملأتها الأعشاب والأشواك، فحلت مكان شتول التبغ ونبات القمح والشعير وصحارى البندورة والمقتى.

تتمايز بلدة حولا، التي يفوق عدد أبنائها على 12 ألفاً، وفيها مجلس بلدي مؤلف من 15 عضواً، بتنوعها السياسي والثقافي والاجتماعي والعلمي، حيث يقدر فيها عدد الاختصاصات، في مجالي الطب والهندسة، بحوالى 400، منهم أكثر من 100 طبيب، إلى جانب عدد كبير من العاملين في مجال التعليم والتربية وغيرها.

بلدية حولا
اتخذت بلدية حولا من أحد أقسام بلدة مجدل سلم مقراً مؤقتاً لها، لمتابعة قضايا أهالي البلدة النازحين، ومن تبقى منهم، وهم قليلون جداً، خصوصاً بعد استهداف البلدة بعشرات الغارات على البيوت والمنازل، سقط بداخلها شهداء وجرحى.

حسب رئيس بلدية حولا، شكيب قطيش، فإن إحصاء البيوت المدمرة في كافة أحياء البلدة، أصبح من غير الممكن حصرها، جراء تكرار الغارات التي ينفذها العدو الإسرائيلي، وعدم تمكن البلدية من معرفة الأضرار في الأحياء البعيدة عن وسط البلدة.

وقال لـ"المدن"، إن خسائر حولا كبيرة جداً، فقد قدمت منذ بدء العدوان في الثامن من تشرين الاول 2023، 14 شهيداً. وهؤلاء الشهداء أضيفوا إلى قافلة شهداء حولا، التي تجاوزت 120شهيداً، منذ نكبة فلسطين العام 1948 وحتى الآن، من كافة القوى والأحزاب في البلدة.

ويؤكد قطيش أن مسيرة حولا ناصعة بالشهادة والشهادات التعليمية، التي تعطيها بعداً إضافياً إلى تاريخها الاجتماعي في جبل عامل. لافتاً إلى أن شباب وشابات حولا فضلوا العلم والكد والبقاء في وطنهم، على الاغتراب والهجرة التي تعتبر ضعيفة في حولا.

المختار وهموم البلدة
يتابع المختار عماد قطيش، الذي نزح إلى خارج حولا، شؤون وشجون الأهالي النازحين في مناطق بيروت، من ضمن فريق عمل مشكل من البلدية والمختارين وقوى سياسية، يأخذ على عاتقه مواكبة مناطق النزوح في الجنوب والصامدين في حولا.

ويؤكد المختار قطيش، أن الخسائر التي أصابت حولا كبيرة جداً، سواء بأرواح الشهداء، الذين نجلهم ونقدر تضحياتهم، أو بتدمير أعداد كبيرة من المنازل، التي أصبحت في غالبيتها بحاجة إلى إعادة بناء وتأهيل وترميم، مثلها مثل سائر بلدات وقرى الجنوب الحدودية ، التي تتعرض لعدوان لا يفرق بين البشر والحجر.

مركبا جارة هونين
منذ بدء العدوان الإسرائيلي قبل حوالى ثمانية أشهر، تتعرض بلدة مركبا، التي تتداخل أراضيها مع أراضي بلدة هونين المحتلة، إحدى القرى السبع، التي سلخها الانتدابان الفرنسي والإنكليزي عن لبنان، العام 1923 وألحقها بفلسطين، تتعرض للغارات الحربية وعمليات القصف الإسرائيلي، التي نجم عنها سقوط عدد من الشهداء، وتدمير أعداد كبيرة من المنازل، وإلحاق خسائر فادحة في المواسم الزراعية في مركبا، التي يقارب عدد أهلها المسجلين في دفتر نفوسها أكثر من 14,500. وهي أكبر بلدات قضاء مرجعيون مساحة، بعد مدينة  الخيام.

ويشير مختار مركبا، رضا عطوي، إلى أن العدو الإسرائيلي دمر منازل كثيرة في الحارة الفوقا، وسائر الأحياء الأخرى، إضافة إلى إحراق مساحات واسعة من الأراضي المزروعة  بالزيتون، بواسطة قذائف الفوسفور الأبيض، في مناطق خلالي القبلي وخلالي اللوز وخلالي المطراني وسواها من الحقول، من ناحية هونين.

وقال لـ"المدن"، إن مركبا التي نزح أهلها إلى بيروت بشكل رئيسي، ومناطق صور والنبطية، يعتمد سكانها المقيمون فيها على الزراعة، لا سيما القمح والشعير والعدس و التبغ، الذي حرموا من موسمه الحالي.

ويؤكد المختار عطوي أن سبعين بالمئة من أبناء مركبا يقيمون بالأساس في بيروت، وأن قليلاً من أبنائها طرقوا باب الهجرة والاغتراب.

ويقول "إن بلدتنا المتاخمة لبلدة هونين، التي يقيم العدو على أنقاضها مستوطنة مرغليوت، لها تاريخ قديم جديد في المقاومة واحتضان القضية الفلسطينية"، مشيراً إلى استقبال أهالي مركبا لعدد كبير من أهالي هونين، الذين هجروا عن قريتهم في أيار العام 1948، و"إن مختارهم المرحوم شاكر شحرور، كان من بين القادمين إلى مركبا، وقد استضافه جدي المرحوم عبدالله عطوي".