450 ناشطاً بمخيم العدالة المناخية: تدارك خراب لبنان والعالم

بتول يزبك
الجمعة   2023/09/01
المخيم البيئي أتى في سياق التّحضيرات لقمة المناخ (Getty)

إن حدث وسألت أي شابة أو شاب عربيّ عن التأثيرات المباشرة لتغير المناخ على حياتهم الشخصيّة، فإنك وفي أفضل الأحوال، ستحظى بجوابٍ فضفاض، أو ساخر، يُجاري تلك النقاشات العموميّة المُحايدة، في مختلف الدول العربيّة، خصوصًا التّي ترزح تحت وطأة الصراعات الدائمة والمحكومة بأقطاب جيوسياسيّة مُحدّدة. وذلك طبعًا لا يعود بالضرورة، لكون الشباب العربيّ اليوم قاصر على خوض النقاشات هذه بسبب ضعفٍ ما بثقافته البيئيّة أو المناخيّة. بل ولعلّ السّبب الأساسيّ، يُعزى لكون التقاطع بين التغيرات المناخيّة والديناميكيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة، لم تُطرح على طاولة النقاشات العامة، والجديّة، بعد.

وإن كانت العدالة المُناخيّة، شأنًا مُهملاً في أوساط الحكومات العربيّة والدول الناميّة (وفيما يُسمى الجنوب العالمي)، فلا يُمكن إنكار أهمية العمل الدؤوب والإصرار العنيد لدى النشطاء البيئيين ومناصري العدالة المناخيّة، من مواطني هذه الدول، لانتشال مفهوم العدالة المُناخيّة من قالبه التّقليديّ، ليصير مطلبًا حقوقيًّا، يرتبط طرديًا بمفهوم العدالة الاجتماعيّة، بل ومُمهدًا لإماطة اللثام عن التأثيرات المُباشرة لتغير المناخ، على المشهد العالمي.

مخيم العدالة المُناخيّة
وفي سياق التّحضيرات لقمة المناخ "COP28" التّي ستعقد قريبًا في الإمارات العربيّة المُتحدة (المزمع عقدها في تشرين الثاني المقبل)، اجتمع ما يربو عن 450 شابة وشاب من نشطاء العمل المناخيّ والقادمين من حوالى 100 دولة من الجنوب العالميّ (أكثر المناطق تأثرًا بتغير المناخ حول العالم)، في مخيم العدالة المناخيّة  "Climate Justice Camp" (من 28 آب الماضي حتّى 2 أيلول الجاري) الذي أُقيم هذا العام في لبنان، بعد نجاحه الأول في تونس.

وقد تمّ اختيار لبنان، كمركز للتحضيرات الأوليّة، لكونه من أكثر الدول تأثرًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA region) بتغيّر المناخ، حيث يشهد مؤخرًا أكثر الظواهر المناخيّة تطرفًا (بما في ذلك الحرائق السنوية وارتفاع درجات الحرارة وتمدّد فترات الجفاف). فيما شدّد المنظمون على كون اختيار هذه المنطقة لسنتين متتاليتين، هو مبادرة رمزيّة، للفت الأنظار لهذه المنطقة التّي تُقاسي التأثيرات المباشرة للخطر المناخيّ المُحدق.

ويهدف المخيم في جدول أعماله المُقرّرة، لجمع النشطاء المتحدرين من مناطق مُتنوعة جغرافيًا، كالشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وأمريكا اللاتينيّة، ومنطقة البحر الكاريبي، وجنوب شرق آسيا، والمحيط الهادئ. وحثّهم على النقاش، الرامي لوضع استراتيجيات ومطالب تدعو صانعي القرار في الدورة الـ28 من قمّة المناخ إلى تنفيذ إطار عمل مُنصِف للعمل المناخي.

النشاط الشبابي
وجدول الأعمال المُزدحم بما يناهز 100 ورشة عمل، بقيادة قادة محليين ومنظّمين ومنظمات وصناع تغيير شباب، اشتمل على نقاشات ترتبط بالوقائع المناخيّة ونسبة الأضرار التّي يُعاني منها الجنوب العالمي، وسياسات التكيّف مع هذه الظواهر، والتحول التدريجي من الوقود الأحفوري، وطُرق إيجاد التّمويل اللازم للحدّ من هذه الظواهر، فضلاً عن التقاطع بينها وبين الديناميكيات الاجتماعيّة والجندريّة، وإسهامها في توسيع فجوة الفوارق الاقتصاديّة، كل ذلك لبناء شبكات مناخيّة تجمع هؤلاء الشباب، للدفع والضغط من أجل تغيير سياسيّ وبيئي طويل الأمد.

المخيم الذي عُقد في منطقة الجبل وتحديدًا في بلدة حمانا - قضاء بعبدا، ركز على استقطاب الفئة الشابة، بوصفهم محركين للتغيير، ولإبراز السّرد التوعويّ حول العدالة المناخية وقوّة الحركة المناخية في المناطق المتأثرة، إذ أن حوالى 70 بالمئة من المشاركين والمشاركات هم تحت سنّ 30 عامًا، وقد تمّ منح الأفضلية للمتقدمين للانضمام إلى مخيم العدالة المُناخيّة، إلى أولئك من مناطق الجنوب العالمي، مع التركيز على المشاركين المحليين من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى.

فيما أعتبر المنظمون أن لمخيم العدالة المناخية ثلاثة أهداف أساسيّة: أهمّها بناء علاقات وشبكات وتحالفات مشتركة من مختلف القطاعات وعابرة للحدود داخل الحركة المناخية في الجنوب العالمي يمكن أن تظلّ متصلة بعد المخيم؛ فضلاً عن بناء قدرات ومهارات الشباب وتشكيل استراتيجيات، وتكتيكات، وسرديات، وأشياء رمزية كركائز للعمل التضامني.

التّغيّر المناخيّ في لبنان
وعلى صعيدٍ مُتصل، تجدر الإشارة لكون أهداف المخيم الذي عُقد في لبنان، واحدٍ من أكثر الدول المنكوبة في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، لم يتناول أي موضوعات بعيدة عن الواقع اللّبنانيّ الحالي، فإن كان للأزمة الماليّة والانهيار الاقتصاديّ والشقاق السّياسيّ والقلاقل الأمنيّة، وطأة مهولة على الشارع اللبنانيّ، فإن تأثيرات التغيّر المناخيّ، لا تقلّ ضراوة عن الأزمات آنفة الذكر.

إذ اعتبر نائب المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، المنسّق المقيم ومنسّق الشؤون الإنسانية.، عمران ريزا، في مقال نُشر له منذ نحو السّنتين، أن التّغير المناخيّ، يمثل تهديدًا مُضاعفاً على لبنان الرسميّ والشعبيّ في آنٍ واحد، حيث أن الشلّل المؤسساتي العام، والعرقلة المستمرة لمسار التّنمية، قضت على قدرة لبنان على مواجهة التّحديات المناخيّة، وقدّرت وزارة البيئة أنّ تغيّر المناخ سيسبّب انخفاضًا بنسبة 14 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي للبنان بحلول العام 2040، لينخفض بعدها إلى 32 في المئة بحلول العام 2080.

أما الأرقام المُقلقة، لا تعدو سوى كونها زاوية واحدة، من الأزمة المستجدّة، فمن المتوقّع أن يؤدّي تغيّر المناخ إلى ارتفاعٍ في درجات الحرارة وإلى شحّ موارد المياه (الملوّثة أساسًا والتّي لا تصلّ إلى كافة السّكان بالتساوي)، ممّا سيؤثّر سلباً على الإنتاج الزراعي وعلى سُبل عيش العديد من المجتمعات. كما أن الارتفاع في الحرارة سيسهم في زيادة الطلب على الطاقة، ممّا سيشكّل ضغطًا على الشركات والخدمات التّي أصلاً تكافح من أجل تلبية احتياجاتها من الطاقة.

كما وتناول التّقرير الوطنيّ الرابع حول تغيّر المناخ الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP" ووزارة الزراعة منذ شهور، هذه المعضلة التّي بدأ لبنان، بمواجهة تبعاتها، من أنماط المناخ المتغيرة في البلاد، كارتفاع منسوب مياه البحر، وتزايد وتيرة وشدّة الكوارث الطبيعيّة، وموجات الجفاف الشديدة وحرائق الغابات والفيضانات وموجات الحرّ، والتّي لها ما لها من آثار اقتصاديّة واجتماعيّة وبيئيّة، مُضافةً إلى الأزمات المتناسلة.

على أي حال، لا يُمكن سوى الإشادة بجهود هؤلاء النشطاء البيئيين والعاملين في مجال العدالة المناخيّة، المُدركين حتمًا أن موارد هذا الكوكب وحمايتها، تقع في نطاق مسؤوليتهم المباشرة والشخصيّة، واضعين على عاتقهم مهمة صعبة، في عالمٍ يموج برجال الأعمال النهمين والطامعين باستنزاف كل موارد الأرض، في سبيل مراكمة الثروات، من دون الاكتراث لجموع المفقرين الذين سيناولون الحصّة الأكبر من الكوارث المرتقبة.

أما بما يرتبط بالمشهد اللّبنانيّ، فلعلّ التّعويل على الحكومة اللّبنانيّة وصانعي القرار، لوضع إجراءات حاسمة وجديّة لتدارك التّغيّر المقبل (المرتبط بالمناخ)، ضربًا من ضروب الجنون! فالسّلطات القاصرة حتّى الآن عن فرض الانتظام العام على شعبها، بل والمُشاركة في نهب مقدراته وموارد لبنان الطبيعيّة وتلويثها (الشواطئ والكسارات، والحرائق المفتعلة.. إلخ) ستكون حتمًا قاصرة عن وضع ولو إجراء واحد، يمنع تمدّد الظواهر الطبيعيّة ويحدّ من تطرفها.