دعوى "المركز الثقافي الإسلامي" لحلّ جمعية "حلم": فوبيا المختلف

بتول يزبك
الجمعة   2023/06/23
واجهت "حلم" الكثير من الحملات السياسية والدينية (Getty)

ليس تحاملاً أو مبالغةً هو القول إن بعض السّلطات والجهات الدينيّة في لبنان، تسعى جاهدةً لاستغلال العطب السّياسيّ والفشل المؤسساتي والانهيار الرسميّ، لضمان سطوتها على رعاياها والاستئثار بالسّلطة عليهم، وبالتّالي، مراكمة الثروات والنفوذ على حسابهم، عبر اعتناق خطاب التّطرف والتّخويف والتجييش العقائدي والعاطفي لفرض ثقافة أُحاديّة في بلدٍ محكوم بلعنة العاطفة الجياشة والطائفيّة المقيتة من جهة، ومواظبتها العنيدة في الحؤول دون فرضيّة تحول لبنان لدولة مدنيّة/ علمانيّة أو حتّى دولة القانون.

فيما يبدو أن كل ما ذُكر آنفًا عند البعض محض هراء شيوعيّ، مدنيّ، علمانيّ، مؤامراتي.. أو عند البعض الآخر حقيقة مُسلمٌ بها. وبمعزلٍ عن هذا الرأي وذاك، يُمكن القول وكحقيقةٍ مُجرّدة أن السّلطات الدينيّة كما السّلطات القضائية والسّياسيّة والإداريّة متواطئة فعليًّا في المشروع نفسه، مشروع مُضاعفة نكبة اللبنانيين كيفما اتفق. أكانوا نساءً، أم أطفالاً، أم رجالاً وحتّى من المحتارين، والعابرين، والمثليين، واللاجنسيين..
اليوم، وبعد فوبيا المايوه في صيدا، وفوبيا اسم مدرسة مقاصدية ببيروت، أتت فوبيا "المختلف" جنسياً، ليكتمل الانطباع السائد عن الإحباط الذي يسود طائفة، تلهيها قيادتها الدينية بإثارة الخواف و"الغيرة على الدين والأخلاق".

"المركز الثقافي الإسلامي"
لليوم الرابع على التّوالي يتفاعل خبر تقدم "المركز الثقافي الإسلامي" بإخبار إلى النيابة العامة التّمييزيّة بوجه جمعية "حلم"، مطالبًا بحلّ هذه الجمعية وسحب العلم والخبر منها "بسبب تعرضها للقيم الدينية الإسلامية والمسيحية، وإثارة نعرات اجتماعية وأخلاقية وتهديد السلم الأهلي"! وقد تقدم المركز بالإخبار نهار الجمعة الفائت 16 حزيران. وقد تناقلت وسائل إعلام عدّة هذا الخبر، مُسندةً على نحو خاطئ الدعوى القضائية المُقدمة لجمعية المبرات الخيريّة التابعة لمؤسسات العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله.

وقد جاء في نصّ الإخبار المُقدم من قبل المركز (منشور في الوكالة الوطنيّة للإعلام) ما يلي: "لقد وصل لعلم "المركز الثقافي الإسلامي" وعلم جميع اللبنانيين من صور مستفزة ناتجة عن تعليق بعض السفارات علم المثليين عليها بشكل علنيّ، وتعمل على تنظيم احتفالات عدّة لمجموعات مثليّة خلال هذا الشهر في منطقتي الجميزة وفي منطقة سباق الخيل -حرج بيروت، ولذلك طلب "المركز الثقافي الإسلامي" من الجهات المعنية وقف هذه التجمعات ومنعها فورًا حفاظا على الاستقرار الوطني ومنعا لانجرار البلد نحو أي فتنة".

ويُضيف: "وفي هذا السّياق تقدم المركز بهيئتيه الإدارية والتنسيقية، ممثلًا برئيسه الدكتور السفير هشام دمشقية، والشيخ الدكتور أسامة حداد، المحامية سنا الرافعي، الدكتورة نجوى الجمال، العميد المتقاعد فؤاد آغا، عبد الهادي محيسن، المحامي عمر زين، الشيخ بلال الملا، المحامي رامي عيتاني، وسليم سربيه، بإخبار إلى النيابة العامة التمييزية بوجه جمعية حلم المعنية بأمور المثليين في لبنان، طالباً بإيعاز من وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي بحلها وسحب العلم والخبر منها بسبب الخطوات الاستفزازية التي تحضر لها في المناطق عامة وبيروت خاصة، من أجل نشر الشذوذ والرذيلة، مخالفة بذلك قرارات وزارة الداخلية السابقة بمنع هذه المظاهر الخارقة للنظام العام اللبناني وللآداب العامة والأعراف والقيم الدينية الإسلامية والمسيحية على حدّ سواء، ما سيؤدي إلى حصول نعرات اجتماعية وأخلاقية وتهديد للسلم الأهلي، وقد قبلت النيابة العامة التمييزية الإخبار المقدم، وأحالته إلى المراجع المختصة لإجراء المقتضى القانوني".

غضب عمومي
الإخبار المُقدم بكل التّعابير والمصطلحات التّي تندرج طرديًا تحت مظلة الخطاب التّمييزيّ والتحريضيّ، المُعلّل بتخوف المُدعين من تطور أعمال جمعية حلم (جمعيّة حقوقيّة، وأول منظمة غير حكومية في العالم العربي تُعنى بالدفاع والعمل على حقوق مجتمع الميم عين. وتأسّست المنظمة رسمياً عام 2001 في العاصمة بيروت) وتماديها حدّ الوصول لتهديد السّلم الأهلي، أثار خضة واسعة في صفوف المجتمع المدني اللبناني، فضلاً عن المُستفيدين والمعنيين من أعمال الجمعيّة. لكنّه حمل بُعدًا آخر، حقوقياً في صميمه، وهو تجاهل المركز لحقّ أي مواطن/ة في تأسيس جمعيّة، وتجاهل صفة الجمعيّة الرسميّة، بل ومُجابهة أي خطاب باعتماد أسلوب وصفه البعض بـ"البوليسي"، وقد تماشى وتواطؤ القضاء اللبنانيّ معه، عوضًا عن الحؤول دون تمادي هذا الخطاب واستقطابه لمزيد من المُحرضين ضدّ حقوق فئات تختلف عنه في المجتمع، وجعله معركة بين المواطنين.

وللاستفسار أكثر عن هذا الموضوع، تواصلت "المدن" مع جمعيّة "حلم". وقد لفتت الأخيرة لكونها تلتزم الصمت الإعلامي مؤقتًا، لحين الحصول على المعطيات اللازمة، مُكتفية بعدم التّعليق على الأمر. وإيمانًا بحقّ الرّد، اتصلت "المدن" بُمحامي جمعيّة "المبرات" الخيريّة فاروق رزق، ليتبين فور الاتصال به أن جمعيّة المبرات ومؤسسات السيد محمد حسين فضل الله لا صلّة لها بتاتًا بالإخبار المُقدم، بل وشجب المُحامي رزق واستنكر المُحاولة التّي وصفها بالبوليسيّة لمحاورة الآخر، قائلاً: "يبدو أن اشتباهًا حصل عند بعض وسائل الإعلام، التّي وضعت اسم "المركز الثقافي الإسلامي" وكأنّه تابع لمؤسساتنا، وهنا يُرجى التّوضيح أن المبّرات بالفعل لديها مركز يُسمى "بالمركز الإسلامي الثقافي" لكنّه لم يتقدم بأي إخبار أو دعوى، بل يُصرّ أن الحوار الفكريّ هو الوحيد الذي يعنيهم والذي يعتمدونه مع الآخر". لافتًا لكونهم متمسكين بالحوار والحقّ بالاختلاف.

وعليه، حاولت "المدن" مرارًا التواصل مع المركز المذكور وهو مؤسسة تُعنى (كما تبين من صفحتها الرسميّة على مواقع التّواصل الاجتماعي) بشؤون الثقافة الإسلامية والوطنية، ويترأسها السفير هشام دمشقية، وتداول البعض أنها تابعة لدار الفتوى الإسلاميّة السّنية، إلا أن "المدن" لم تحصل على أي إجابة ولم تتمكن من التّواصل مع المعنيين. فيما حاولنا التّواصل مع المعنيين في القضاء، وتبين أنه لا معطيات واضحة للآن، فيما اشتهبت بعض المصادر القضائية أن القضية حاليًّا بيد المحامي العام التّمييزيّ القاضي غسان خوري، من دون أن يكون هناك سند واقعي لهذا الاشتباه.

مشروع النكبة
القضيّة بكل ما يُحيط بها من ملابسات، لا غرابة في أن نسمع بمثلها اليوم، فالجمعيّة المعنية بحقوق مجتمع الميم -عين قد واجهت في السّابق عددًا لا حصر له من التّحديات القضائيّة والانتهاكات ومحاولات إغلاقها، أكان من السّلطتين الدينيّة أو السّياسيّة. إلا أن الغريب والمُقلق في هذه القضيّة الإصرار العنيد لدى هاتين السّلطتين بالتّعرض لهذه الجمعيّة وغيرها من الجمعيات التّي لا تستأنسها شريحة من المُحافظين والمتطرفين دينيًا وحتّى سياسيًا في لبنان. والأغرب في كل ذلك هو استجابة القضاء لهذه القضيّة والضبابيّة التّي تُحيط بمواقفه في قضايا مُشابهة، مُتخاذلاً عن صون وحمايّة الحقوق البديهية والإنسانيّة المُكرسة قانونًا ودستورًا وفي الاتفاقيات الدوليّة.

المُلّح اليوم ألا تتفاعل السّلطات القضائية، التّي تقاعست مرارًا عن حماية حقوق المواطنين وأمنهم وحرياتهم، مع الإخبار المُقدم كما يرتضيه المُدعون، لعلّها تكون سابقة في تاريخها الحديث، وتكون فيه مُتقدمة ومُترفعة عن الخطاب المتطرف والجاف، عساها بذلك تصحح جزءًا من التّاريخ الحافل بالانتهاكات وتُعيد لضحايا النظام الديني والاجتماعي والسّياسيّ الفاسد، بعضًا من كراماتهم المُنتهكة وحقوقهم المسلوبة.