توقيفات جديدة بتزوير الشهادات الجامعية: سماسرة يتدخلون بعلامات الطلاب

وليد حسين
الجمعة   2023/10/27
زوّر سماسرة أختام وتواقيع وزارة التربية موهمين الطلاب بأن شهاداتهم مصادق عليه رسمياً (المدن)
تتواصل التوقيفات في ملف الرشاوى وتزوير الشهادات للطلاب العراقيين. وفي جديد الملف إقدام فرع المعلومات على توقيف موظفة في لجنة المصادقات في وزارة التربية س.ج. وكذلك أوقف سمسار ذائع الصيت في الجامعة الإسلامية م.ن، إضافة إلى عدد من السماسرة. علماً أن عدد الموقوفين قبل يومين بلغ نحو 8 أشخاص، من ضمنهم ثلاثة موظفين في وزارة التربية وثلاثة مندوبي جامعات. وعاد وارتفع بعد التوقيفات الجديدة التي طالت سماسرة وموظفين.

سمسار في "الإسلامية"
أتت التوقيفات بناء على إشارة المدعي العام المالي علي إبراهيم، الذي من المفترض أن يستجوبهم، بعد انتهاء التحقيق في فرع المعلومات، ويصدر قراره إما بالترك أو بتثبيت التهم وتحويلهم إلي قاضي التحقيق الأول في النيابة العامة. وفي المعلومات التي حصلت عليها "المدن"، تبين أن السمسار م.ن كان ممنوعاً من الدخول إلى حرم الجامعة الإسلامية في وقت سابق بسبب سلوكه. وقد صدر قرار رسمي بهذا الشأن من إدارة الجامعة. لكن واسطته الكبيرة حالت دون منعه من الدخول إلى حرم الجامعة. إذ واظب على الدخول إلى الطابق الأرضي حيث مكتب شؤون الطلاب، بعدما كان يجول سابقاً في كل طوابق الجامعة متدخلاً حتى في أدق التفاصيل. ويده الطولى جعلته يتدخل حتى في وضع العلامات للطلاب وتغيير مواضيع أبحاثهم، بعد تلقي رشاوى مالية طائلة من الطلاب، تحت مسمى تخليص معاملات.
مكاتب السمسرة، التي تعمل في هذا السوق تحت مسمى تخليص المعاملات، كثيرة، وأوقف العديد من السماسرة رهن التحقيق. وتبين أن الأمر لم يقتصر على تلقي بدلات أتعاب طائلة بالدولار من الطلاب العراقيين لتخليص معاملاتهم في وزارة التربية. بل الإقدام على تزوير أختام وتواقيع وزارة التربية وايهام الطلاب بأن شهاداتهم مصادق عليه رسمياً. أما الملف الأخطر في الموضوع فهو دفع الرشاوى لموظفين في الجامعات وفي وزارة التربية للحصول على المصادقات والمعادلات.

تكليف موظفين مكان الموقوفين
وحول توقيف موظفة في لجنة المصادقات، بعد توقيف موظفين سابقاً في لجنة المعادلات في وزارة التربية، كما سبق وكشفت "المدن"، لفتت المصادر إلى أن الموظفة ج. ربما لا تكون متورطة بشكل مباشر. لكن الأكيد أن موظفين في دائرتها وتحت إمرتها متورطون بتلقي الرشاوى من طلاب عراقيين. فمشكلة هذه الموظفة أنها على "نيّاتها" وكانت تمرر الملفات التي تطلب منها من دون تدقيق.
وتضيف المصادر أنه جرى يوم أمس الخميس التداول بتكليف ح.ش، مكان الموظفة س. ج. في لجنة المصادقات. فالموظف ح. ش. معروف بأنه قانوني ولا ملفات فساد عليه في الوزارة. لكن حصلت خلافات كبيرة وأوقف التكليف، بما يشي بأن هناك ضغوطاً سياسية في هذا الملف.
في المقابل، وبعد توقيف الموظف الموقوف ع. ش. في لجنة المعادلات منذ نحو أسبوع، تم تكليف الموظفة ح. ب. مكانه. لكنه تكليفها مؤقت لتخليص المعاملات الحالية وذلك إلى حين اختيار موظف سنّي جيد السمعة لوضعه مكان ع.ش. فهذا الموقع وفق "أعراف وزارة التربية" مخصص للطائفة السنّية، فيما الموظفة التي كلفت يوم أمس من الطائفة الدرزية. ما قد يفتح الباب على خلافات طائفية وزارة التربية بالغنى عنها. فالوزارة لا تحتمل تكليف درزي آخر في منصب حساس، أي في لجنة المعادلات الجامعية، في وقت باتت مديرية التعليم العالي خالية من أي موظف مسيحي، فضلاً عن السنّة.

بيع الشهادات الجامعية
ملف الطلاب العراقيين الذي فتح منذ سنتين أدى إلى تداعيات كبيرة، كما كشفت التوقيفات التي حصلت وتحصل منذ أكثر من عشرة أيام. وتورطت جامعات عدة بملف الطلاب العراقيين في زمن كورونا والتعليم من بعد. فقد أقدمت جامعات مثل الجنان والإسلامية على تسجيل آلاف الطلاب في صفوف ماجستير الحقوق، لم يحضر العديد منهم إلى لبنان حتى. هذا في وقت أن كبرى الجامعات لا تسجّل أكثر من 25 طالباً في الماجستير (بعد الإصلاحات في الجامعة الإسلامية لم تقبل الجامعة إلا 25 طالباً في ماجستير الحقوق للعام الحالي). والمسؤولية لا تقع على إدارات الجامعات، التي كانت ترى الطالب العراقي كعملة خضراء، بل على "الطلاب" أنفسهم. أذ تبين أن العديد منهم موظفون عموميون في العراق، ووجدوا في "البلد المفلس" ملاذاً لشراء الشهادات الجامعية. ونشأت حينها شبكات سمسرة تحت مختلف المسميات، سواء لاستقطاب "الطلاب" من العراق يطمعون بحصولهم على الشهادات من دون مغادرة بيوتهم، أو لاحقاً مكاتب سمسرة لتخليص معاملاتهم في وزارة التربية، وصولاً إلى تزوير أختام وتواقيع الوزارة.  

وتعلق مصادر عملت في لجان وزارة التربية سابقاً، بالقول: لطالما كانت اللجان مغارة علي بابا. فلجنة المعادلات الجامعية اعتلالها مزمن منذ زمن بعيد، وسبق وأوقف موظفين فيها، وصدرت عقوبات بحق بعض المرتشين. أما لجنة المصادقات فكانت منسيّة. وكان الموظفون يتهربون من تكليفهم للعمل فيها، نظراً إلى أن دورها كان يقتصر على مصادقة شهادات الثانوية العامة للطلاب. والعمل فيها متعب وبلا "مردود". لكن عندما فتح ملف الطلاب العراقيين، النهمين لشراء شهادات جامعية من لبنان، باتت هذه اللجنة تفتح شهية الجميع. 

الجنان "تعترف" وتتوعد بمعاقبة الموظف
عقب نشر هذا التقرير، أرسلت جامعة الجنان، عبر وكيلها القانوني المحامي رشيد كركر، توضيحاً نورده كما جاء حرفياً:

"جانب رئيس تحرير جريدة المدن المحترم،
نشرت جريدتكم مقالاً يتناول فيه مسألة التوقيفات المتعلقة بملف معادلة شهادات. يهم جامعة الجنان أن توضح لكم وللرأي العام، أن أحد الموظفين المولجين بمتابعة هذا الملف استدعي للتحقيق معه على خلفية دفع بعض الأموال، التي كان يتزود بها من بعض الطلبة المستعجلين، للتسريع بالبت بالمعادلات وليس على أية خلفية أخرى مما أوحى به المقال.
وإن الوكيل القانوني للجامعة يتابع الأمر عن كثب، وحال ثبت تورط الموظف بما أسند اليه، فإن الجامعة ستتخذ التدابير المناسبة بحقه، فجامعة الجنان كانت وستبقى نبراساً للعلم ومنصة للالتزام الاخلاقي والوطني".

تعقيب المحرر
ليس دور مندوبي الجامعات تلقي أي أموال من أي طالب، في القضية التي فتحتها "المدن" منذ سنتين. بل يقتصر عملهم على نقل ملفات الطلاب إلى وزارة التربية لمعادلتها وذلك بطلب من الوزارة لتخفيف ازدحام الطلاب، في حال حضورهم الشخصي، لا سيما أن عددهم فاق 16 ألف طالب حينها. وعليه فإن تلقي الأموال (أو "التزود" بها!) تحت أي مسمى لقاء تخليص معاملات الطلبة "المستعجلين" لا يمكن تبريره. وما تعتبره الجامعة في ردها ("الأموال التي كان يتزود بها من بعض الطلبة المستعجلين") لا يعدو إلا كونه لغة تخفيفية لما يعرف علمياً بالرشوة.