الوزيرة الحسن واللواء عثمان: مؤتمرات صحافية "دموية"
كاد التصعيد الذي سُجّل في اليومين السابقين أن يكون حدثاً مفصلياً في عمر ثورة 17 تشرين الأول، لكن وزارة الداخلية والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، أصرّتا على خطف الأضواء، حين برَّر كلٌّ من وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريّا الحسن، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، الاعتداء على المتظاهرين والصحافيين بتَعَب العسكريين وبكونهم كائناً بشرياً قد ينفَعِل وقد يُخطىء.
المواطنون تعبوا أيضاً
دارت مقاربة وزيرة الداخلية لأحداث شارعيّ الحمرا ومار الياس حول محور "تعب العسكريين" مما يعانوه من مشقة لحفظ الأمن على مدى أكثر من 90 يوماً من مسار الثورة. الحسن أقرّت خلال حديثها إلى الصحافيين المعتصمين أمام وزارة الداخلية استنكاراً للاعتداءات، بعدم وجود أي مبرر لاعتداء القوى الأمنية على الصحافيين، وذلك بعد تجنّبها الحديث عن الاعتداء على المتظاهرين. لكن الاقرار الممزوج بتأكيد عدم إعطاء وزارة الداخلية أي أمر للتعامل بعنف مع الصحافيين، كان يُقابَل فوراً بعبارة "تعبوا". وتوجّهت الحسن إلى الصحافيين بالقول: حطوا حالكم مكان العناصر. هُم تعبوا.
تعب العناصر الأمنية صحيح ومُلاحَظ، ومن غير الطبيعي أن لا يتعب أحد على مدى 3 أشهر من التظاهرات، لكن تعب العسكريين خلال 3 أشهر، يقابله تعب المواطنين من سياسات تجويعية واجراءات غير قانونية اتخذتها المصارف لتحتجز بموجبها أموال الناس. فإن كان العنف العسكري مبرر بحجة التعب، فلماذا تُنكر الحسن حق الناس باللجوء الى العنف أسوة بحق العسكريين، إن كان السبب واحد؟
هذا من وجهة نظر الحسن. لكن في الحقيقة، لا يمكن مساواة العسكر بالمدنيين، حتى بالتَعَب. فالعسكري ينتمي لمؤسسة منضبطة وتسير وفق قواعد صارمة، ويخضع لتدريبات خاصة للتعامل مع أحداث مماثلة لما حصل في الحمرا ومار الياس وكورنيش المزرعة وغيرها من المناطق. والعسكري يدرك حجم المسؤولية التي تطوّع لأجلها في السلك العسكري، فيما المدنيون غير منظّمين ولا يخضعون لأي تدريب. كما أن عناصر قوى الأمن الداخلي تمثّل الدولة والنظام، ويفترض بها تقديم نموذج أفضل لما يقدّمه الشارع غير المنضبط وغير المنظّم وغير الخاضع لأي تدريب. وإلاّ يصبح العسكري كالمدني، ويصبح مبرراً للمدني أن يفعل ما يشاء بحجة التعب.
أيضاً، يملك العسكري مرجعية تأخذ له حقّه وتسانده وتقدّم له الدعم المطلوب، في حين لا يملك المدني أي وسيلة لتحصيل حقوقه غير اللجوء للعنف. علماً أن العنف لم يكن خياراً مطروحاً على مدى 3 أشهر، حتّى عندما مورِس العنف ضد المتظاهرين من قِبَل مجموعات حزبية، على مرأى وحضور القوى الأمنية. ولم يُمارس المتظاهرون المدنيون العنف إلاّ ضد طرف من أطراف أزمتهم، أي المصارف.
عين واحدة لا اثنتين
للتبرير نفسه، عقد عثمان مؤتمراً صحافياً استهلّه بعرض فيديو يُظهر طيبة أخلاق عناصر قوى الأمن الداخلي، والتي يُقابلها شيطنة المتظاهرين، الذين كسروا فروع المصارف في شارع الحمرا.
محتوى الفيديو يعني أن المديرية تضع نفسها طرفاً في الأزمة، إلى جانب القوى السياسية والمصارف. ولعلّ ذلك ليس مقصوداً، إذ تريد المديرية من الفيديو إظهار "الشغب" الذي يقوم به المتظاهرون، مقابل انضباط العناصر الأمنية. وقوع المديرية كطرف في الأزمة بفعل الفيديو ناتج عن أنها اجتزأت الأحداث وأظهرت رد الفعل من دون التطرّق إلى الفعل، أي أنها أدانت المظلوم من دون الإشارة إلى الظالم وظلمه، أي إلى القوى السياسية والمصارف. وإذا كانت القوى الأمنية لا تتعاطى الشأن السياسي، فكان الأجدى بها عدم عرض الفيديو، والاكتفاء بالتعليق شفهياً على ما حصل، وهُنا يصبح النقاش مشروعاً.
المديرية إذن ترى بعين واحدة، كرّسها عثمان بتبريره استعمال العنف بأن العنصر الأمني إنسان وكل انسان يخطىء. كما أنه برأي عثمان "نحن بالنهاية نواجه عنفاً كبيراً". وعليه، العنف مباح للعسكري الانسان، وممنوع على الصحافي والمتظاهر المدني غير المعروف لأي فصيلة ينتمي في هذه الطبيعة.
استدرَك عثمان أن إفراطه في الدفاع عن عسكرييه بحجة الإنسانية، لم يُعطِ حق المُعتدى عليهم، وخاصة الصحافيين، فسارَعَ اللواء الى الاعتذار من الصحافيين، من دون أن يقدّم أي دليل على محاسبة العسكريين المُعتدين كي لا يُعيدوا الكرّة ويكون الثمن كلمة اعتذار.
ذهب عثمان بعيداً في عرضه للأحداث، مُظهراً رأفته تجاه المتظاهرين، إذ لم تتم مقاربة رشقهم القوى الأمنية بالحجارة من زاوية محاولة القتل. فبالنسبة لعثمان، إن "ضرب عنصر قوى أمن داخلي بحجر هو محاولة قتل". لكن إن كان هذا معياراً ثابتاً، فهل يكون رشق عسكري لمتظاهر بحجر هو محاولة قتل كذلك؟
الخصم هو الحكم
ما أرساه الحسن وعثمان هو وقوف وزارة الداخلية إلى جانب عسكرييها، وهو أمر غير مستَغرَب، لأن الوزارة تتبع لطرف سياسي هو جزء من السلطة التي خرج ضدّها المواطنون. ومن الطبيعي أن تصب تحليلاتها في صالح السلطة التي ستتدخل لتعزيز موقفها. لذلك، لن يكون مُستغرباً أيضاً استمرار العنف وتصعيده ضد المتظاهرين والصحافيين الذين يوثّقون الاعتداءات، لأن ذريعة التعب ستستمر باستمرار التظاهرات وسياسات السلطة.
التبرير لم يلحظ ميل ميزان القوى لصالح القوى الأمنية، التي أصبحت وفق التبرير هي الخصم والحكم. فالعسكري يمكنه من موقعه أن يقبض على المتظاهرين إذا اعتدوا عليه، فمن يقبض على العسكري اذا اعتدى على المتظاهرين؟ إن كان القانون هو المرجعية وليس استحصال الحق باليد، فلماذا لا يضبط العسكري نفسه ويلجأ للقانون؟
لا أحد يقف ضد اعتقال من يخالف القانون، لكن الاعتقال لديه أصول قانونية، أولها حق الموقوف باجراء اتصال هاتفي، وحقه بتوكيل محامٍ للدفاع عنه، وحقه بالاعلان عن مكان توقيفه. لكن ما يُطبَّق هو عكس ذلك تماماً. فالموقوفون يتعرضون للضرب المبرح، ولتجهيل مكان توقيفهم ولمنعهم من مقابلة المحامين. والأهم من ذلك، القانون لم يلاحق ناهبي الأموال العامة ومسبّبي الأزمة الاقتصادية التي فجّرت التظاهرات.
وفوق كل هذا.. نسيت الوزيرة، كما "القائد" عماد عثمان، الحق المقدس بالتظاهر وبكل أشكال المقاومة المدنية. وأنهما انتهكا هذا الحق. وهذا أصل الغضب عليهما وعلى من يتبع أوامرهما.