أيها الأطفال والبلديات: حديقة متجوّلة اختراع لبناني
أطلقت منظمة اليد الخضراء اللبنانية منذ أشهر حديقتها المصغّرة المتنقّلة. وهي الحديقة الأولى من نوعها عالمياً. أنشئت الحديقة على متن حافلة "دودج" طراز العام 1967، لتتنقل بين المناطق، معرّفة سكانها على النباتات البرية المحلية، ولتساعدهم على بناء علاقة معها من خلال التعرف إلى أسمائها، استعمالاتها وأشكالها. ويمكن القول إن هذه الحافلة هي نتاج 20 عاماً من العمل الدؤوب، والهدف الأكبر للمنظمة منذ تأسيسها. فهي تأتي من رغبة المتخصصين في المنظمة بتوثيق جميع أنواع النباتات اللبنانية.
المشروع نتيجة تعاون بين المنظمة وبلدية عاليه، الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية (IUCN) ومؤسسة MAVA. وفي حين جاء قرار تصميم حديقة مصغّرة متنقّلة تجاوباً مع القدرات المالية المحدودة للجمعية، "إذ إن إعداد حديقة نباتات كبيرة مكلف للغاية"، تفاجأت الجمعية بأنها الأولى عالمياً. فحصلت على براءة اختراع من لبنان وهي في طريقها إلى نيل براءة عالمية.
يصف رئيس المنظمة زاهر رضوان الحافلة بـ"القطعة الفنية". فهي تحتوي على أكثر من 100 نوع من النباتات، وتستمد الطاقة للإضاءة من طاحونة هواء والألواح الشمسية الموجودة فيها. "حاولنا أن تكون الحافلة صديقة للبيئة بأقصى قدر استطعنا تأمينه". فالحافلة تسير على البنزين، لكن موتورها الجديد يقلل من نسبة انبعاثاتها. كما أن العربة صديقة بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي تحتوي على ممر للكرسي المتحرك. تسقى النباتات يدوياً، "لأن لكل منها طريقة وكمية معينة لشرب المياه". وقد فازت بجائزة التصميم المبتكر في معرض بيروت للتصميم أخيراً.
تتوجّه الحافلة بشكل أساسي إلى الأطفال. فـ"هدفنا التغيير. والتغيير يأتي مع الجيل الجديد"، تشرح أمينة سر المنظمة ليلى قصاب. لذلك، تزور العربة المدارس، حيث يطبق التلاميذ، وفق فئاتهم العمرية، أنشطة مختلفة تعرفهم إلى النباتات التي تنتمي إلى مختلف النظم الإيكولوجية في لبنان. أي تلك التي تنمو على ارتفاعات مختلفة وظروف طبيعية مختلفة. "هدفنا أن نصل إلى 20 ألف تلميذ في العام"، يؤكد رضوان.
تحتوي الحافلة على أنواع عديدة من النباتات، منها منتور بيروت صاحب اللون الفضي والزهرة البنفسجية، التي تعرفت إليها بلدية بيروت على متن الحافلة، وقررت زراعة أحد الشوارع بها. بالإضافة إلى الملول، السنديان، الصنوبر، اللزاب، القصعين، الزعتر على اختلاف أنواعه، الزوبع، الغار، الزعرور، الحنبلاس، الريحان، الروزا كانينا... إلخ. "يهتم نحو 12 متخصصاً ودكتوراً في المجال الزراعي بهذه النباتات وظروف عيش كل منها، لتبقى حية على متن الحافلة"، يشرح رضوان.
يخاطب المشروع البلديات بشكل خاص أيضاً، ليرفع وعيها حول النباتات التي تنمو في نظمها الإيكولوجية وتشجيعها على إعادة إحياء هذه النباتات وزراعتها وتذكير الناس بها، "من خلال تسمية بعض الطرقات بأسمائها مثلاً"، وفق رضوان. لكن مطلب المنظمة الأكبر هو "كف البلديات عن استقدام النباتات الغازية للتزيين، مثل الكينا وشجر الجنة، لأنها عنيفة وسامة وتقتل النباتات البرية المحلية"، وفق قصاب.
تتطلّع المنظمة إلى توسيع مشروعها، وهي تبذل من أجل ذلك ما في وسعها من موارد مالية، تقنية وخبرات للوصول إلى أهدافها. لكنها تبقى بحاجة إلى مزيد من الدعم المالي والإداري لإعادة إحياء النظم الطبيعية في لبنان. "نطمح إلى تصميم مثل هذه الحافلة في البلدان العربية المجاورة لنعرفهم إلى نباتاتنا ونعرف شعوبهم إلى نباتاتهم أيضاً"، يقول رضوان، آملاً أن يزداد الوعي البيئي والطبيعي في لبنان وجواره.