"بيروت مدينتي" تقول إن هناك تفاؤلاً
البلدية السيئة
في سياق عام، جاءت لائحة "بيروت مدينتي" بعد حراك شعبي دام أشهراً، بدءاً من صيف العام 2015، لم يسفر عن أي نتيجة فعلية، غير انطباعات تعزز السعي إلى ضرورة التغيير. لكن، في سياق خاص، تبدو اللائحة، في رواية العاملين فيها، كأنها منتَجُ "الخلل"، الذي تعيشه مدينة بيروت. إذ يصف رئيس اللائحة المهندس إبراهيم منيمنة، في حديث إلى "المدن"، أداء المجلس البلدي الحالي بـ"السيئ". و"سوء العمل" هذا، بالإضافة إلى "تردي أوضاع بيروت"، كانا الدافع إلى بدء العمل على هذه اللائحة. "على الأرض، لا ينفذ شيء. المسألة كلها محاصصة. الرصيف نفسه يكسروه ثم يرمموه مجدداً. ولا أحد يتطرق إلى المواضيع الحياتية الأساسية".
يتحدث منيمنة عن "المشكلات الضاغطة في بيروت". وأبرزها أزمة النفايات "التي تتحدث عن نفسها"، وفقه. بالإضافة إلى التلوث الذي بلغ ضعف النسبة المسوح بها من قِبل "منظمة الصحة العالمية". كذلك مشكلة النقل والمواصلات. لكن المشكلة الأخطر، مقابل هذه المشكلات، في رأيه، تبقى في بُعد المجلس البلدي عن الناس، فـ"هم متركون وحدهم".
رئيس لائحة "بيروت مدينتي" ابراهيم منيمنة (تصوير محمود الطويل) |
لكن هذا العبء لا يمكن حصره في المستوى النفسي فحسب. ذلك أن السلطة حين "تتخلى عن مسؤولياتها" يضطر الناس إلى المبادرة. وهم في بيروت، "باتوا يتحملون عبء تأمين المياه والكهرباء والمواصلات وحتى البنية التحتية. بينما نعرف أن هذه كلها من واجبات البلدية، التي تتحمل مسؤولية ما وصلت إليه المدينة". وهذا ما يؤكده القانون، وفق منيمنة، إذ "لا تستطيع أي جهة رسمية أو حكومية تنفيذ أي نشاط أو مشروع داخل بيروت من دون أخذ إذن البلدية".
والشائع في تبرير "الخلل"، عند المتعاقبين على تولي شؤون المدينة، يرتبط بالتباس صلاحيات البلدية، وهي سلطة تقريرية، بصلاحيات محافظ بيروت، وهو يمثل السلطة التنفيذية. لكن "خلفيات التعطيل تحصل في أماكن أخرى، بعيداً من استنسابية المحافظ"، على ما يرى منيمنة. ومنها "ارتباط المجلس البلدي بأطراف سياسية، تحوله إلى مسرح لمشادات سياسية تحصل في خارج نطاق عمله المبدئي".
سياسة جديدة
مهمة "بيروت مدينتي" لن تكون سهلة. فإذا نجحت اللائحة في معركتها الأولى، في الثامن من أيار المقبل، سيكون في انتظارها معركة أصعب. وهذا ما يدركه أعضاؤها، إذ إن "العمل لن يكون سهلاً في ظل الضغوط السياسية". لكن ثقة منيمنة بشبكة العلاقات التي كوّنتها اللائحة، بالإضافة إلى الكفاءات والخبرات التي تملكها، "ستقودنا إلى النجاح. لا ندّعي أننا نملك عصا سحرية. ولا أعتقد أن الأطراف السياسية ستفرح بنا، لكن أيضاً لدينا إرادة قوية".
مع ذلك يبدو استخدام مفردة "سياسة" عند أعضاء اللائحة أنفسهم ملتبساً. وهذا ما يبدو مبرراً عندهم بسعيهم إلى الابتعاد "عن السياسة بالمعنى التقليدي اللبناني، كتحالفات تحت الطاولة، والمحاصصة وغيرهما، مقابل خلق مفهوم وتوجه سياسي جديد يركن إلى مصالح الناس. ذلك أننا خارج هدف التحالفات السياسية السائدة في لبنان، على قاعدة أنا أعطيك وأنت تعطيني في المقابل. فنحن لسنا مستعدين لاعطاء شيء، خصوصاً على حساب اسم اللائحة وحملتها".
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد شهدت، في الأيام الماضية، ضجة حول زيارة اللائحة "أقطاباً" دينيين وسياسيين. لكن منيمنة، الذي يؤكد أنهم دعيوا إلى هذه الزيارات ولم يبادروا إليها بأنفسهم، يرى أنها "جاءت من باب الانفتاح والاستماع إلى الطرف الآخر". ويؤكد ريان إسماعيل، منسق حملة "بيروت مدينتي"، أن الزيارات هدفت إلى "اطلاع الأطراف الأخرى على برنامج اللائحة، كي لا يضعوا أنفسهم في مكان معارض من دون سبب". وهو يعترف، مع ذلك، أنها قد تكون أضرت باللائحة، لكنه يشدد على "التعاطي مع الجميع بالحيثيات نفسها".
أعضاء لائحة "بيروت مدينتي" (تصوير علي علوش) |
ويشبّه منيمنة هذه الزيارات بـ"النزول إلى الشارع للحديث مع الناس، فالحديث مع الأطراف يصب في عمل المجلس البلدي". وهذا ما يبدو أنه مأزق الحملة ولائحتها. فهم على يقين أنهم لن يستطيعوا البدء بالتغيير من دون الأخذ بالاعتبار الأطراف الأخرى والقوى الفعلية الموجودة على الأرض، مع تشديد دائم على مبادئ الحملة غير القابلة للتفاوض، فـ"إذا كان هناك أحد يريد دعمنا أو دعوة مشجعيه لدعمنا لا نستطيع أن نرفض"، يضيف إسماعيل.
لكن "المعركة الانتخابية"، على ما يمكن أن يُقال، لا يمكن أن تكون بهذا اللطف. وهذا ما يعززه ما حصل في شاطئ الرملة البيضا، في "أربعة أيوب"، عندما منع شبانٌ من "تيار المستقبل" أعضاء "بيروت مدينتي" من إلقاء خطابهم. ويمكن لهذا الحدث أن يكون دليلاً استباقياً لما قد يحصل في حال فازت اللائحة. فـ"في معركة الزنود، لا معركة عقول، هني بيربحوا"، على ما يقول اسماعيل.
لائحة "NGOs"
ومن الانتقادات التي وجهت إلى الحملة تشبيهها، في آليات عملها، بالـ"NGOs". وهو توصيف يبدو سيئاً في لبنان. بالإضافة إلى اعتبارها "حملة نخبوية" بأعضائها ونشاطاتها. وقد انتقد كثر أساليبها في استعمال التكنولوجيا و"السوشال ميديا"، مشيرين إلى غياب عملهم الفعلي على الأرض والمباشر مع "الناخبين البيروتيين". يوافق إسماعيل على هذه الاعتراضات، ويفسر موافقته بالإمكانيات المحدودة وعدم وجود موارد مالية أو بشرية ضخمة كتلك الموجود عند الأحزاب. "لكننا نزلنا، ضمن مساحات النقاش، إلى أكثر من 11 منطقة في بيروت. تحدثنا مع الفران واللحام وصاحب المحل وربة المنزل، وترجمنا مطالبهم في صياغة برنامجنا".
من جهته، يشير منيمنة إلى أنهم بدأوا النزول إلى الشارع منذ فترة طويلة، قبل الإعلان عن الحملة، وهذا لا يظهر للعيان. لكنه يقر، مبدئياً، أن "السوشال ميديا يمكن أن تعطي فكرة أننا محصورون ضمن إطار NGOs أو النخبويين. لكن على الأرض ليست هذه الصورة الحقيقية. وحتى اليوم لا نعرف حجمنا وامكانياتنا الفعلية، لكننا نعمل كي نختبر هذا الأمر، رغم أن عدد المتطوعين وصل إلى نحو ألفي متطوع".
"مواطنون ومواطنات"
لا ينفي منيمنة، في الحديث عن حملة "مواطنون ومواطنات في دولة"، التي يقودها الوزير السابق شربل نحاس، أنها كانت أحد أطراف "بيروت مدينتي"، مؤكداً وجود نقاط مشتركة بين الحملتين، لكن "الاختلاف كان جوهرياً في الهدف والاستراتيجية". وفي رأي منيمنة كان هدف "مواطنون ومواطنات" تسجيل موقف وإظهار رفض المواطنين للطبقة السياسية، في حين ترى "بيروت مدينتي" الأمر من منظار مختلف. فـ"حملتنا تريد أن تعرف كيف تغيّر وتحسن حياة المواطنين اليومية، فوجدنا أن معركة البلدية هي الحل. الناس يهمها إحداث تغيير والوصول إلى نتيجة، أكثر من تسجيل موقف". على أن منيمنة يدرك أن تنافس الحملتين، في انتخابات واحدة، "سيخسر الطرفين أصواتاً كثيرة".
"الناس متفائلة"، يقول منيمنة. والواضح أن تطلعاتهم إلى اليوم الانتخابي كبيرة جداً، وأملهم بالتغيير أكبر. لكن، في كل الأحوال، ستحدد النتائج شكل الاستمرار في المرحلة المقبلة، علماً أنهم يؤكدون أنهم "مستمرون" حتى وإن خسروا.