حملة "بيروت مدينتي".. "من الناس للناس"
تقدّر ميزانية بلدية بيروت بمليار دولار على الأقلّ، ما يجعلها من أغنى البلديات. في المقابل، كان العمل الانمائي لبلدية العاصمة في السنوات السابقة ضئيلاً جداً لا بل شبه معدوم، ما تسبّب بفقدان أهل المدينة ثقتهم ببلديتها، فلم تتعدَّ نسبة تصويتهم في الانتخابات الماضية الـ21%. فكان لا بد من ايجاد واقع بديل. من هنا انبثقت حملة "بيروت مدينتي" التي تتحضّر لخوض الانتخابات البلدية المفترض اجراؤها في أيار المقبل، بهدف إيصال مجلس بلدي مستقلّ يضمّ أفراداً مؤهلين ومستقلين عن الإصطفافات السياسية.
الثلاثاء، كانت أوّل إطلالة رسمية للحملة في مؤتمر صحافي عقد في مطعم "عروس البحر"، عرض خلاله عدد من منظمي الحملة أهدافها الرئيسية وبرنامجها الانتخابي. وأعربوا في المؤتمر عن إيمانهم بالتغيير من خلال مشاركتهم في المجلس البلدي، فاعتبر جاد شعبان أن الحملة هي "مبادرة داخلية لتحقيق أبسط الحقوق، فالعمل البلدي لا يحتاج إلى تسوية خارجية أو شيء من هذا القبيل". وأضافت نايلة جعجع أن "إضاءة شارع لا تحتاج إلى إتفاقية بين دولتين". وقالت مي الداعوق أن الحملة هي "فرصتنا لنفخر بمدينة بيروت". وإعتبرت مي فواز أن "زمن التبرير قد انتهى وحان وقت العمل الجدّي".
البرنامج الانتخابي
يتلخّص برنامج "بيروت مدينتي" الانتخابي بعشر نقاطٍ أساسية. أولى هذه النقاط هي وضع خطّة للسكن تسعى إلى ملاءمة كلفة السكن مع قدرات أهل المدينة، مع العلم أن كلفة الشقة في بيروت تعادل اليوم 1270 ضعف الحدّ الأدنى للأجور، ما يعني أن نصف أطفال بيروت سيعجزون عن تأمين سكن لهم في المدينة، بحسب الحملة، التي تعد أيضاً بالعمل على تحقيق الإنماء الإقتصادي والاجتماعي من خلال تأمين بيئة مناسبة لريادة الأعمال المحلية، وحمل المتعاقدين في مجال الأشغال والتلزيمات العامة على تقييم الآثار الاجتماعية لإستراتيجياتهم التنفيذية وأخذها في الاعتبار.
كما يتضمن برنامج الحملة وعوداً بالحفاظ على الصحة والسلامة العامة التي تتمثّل بتوفير مياه نظيفة، وتقديم نظام إضاءة متكامل يضمن سلامة الشوارع (..)، والمحافظة على الحيّز العام والمساحات الخضراء، وتأمين خدمات ومرافق مجتمعية مشتركة (كالمكتبات والحدائق العامة)، وتكريس مبادئ البيئة المستدامة. ومن أهمّ القضايا التي يعالجها البرنامج هي إدارة النفايات الصلبة، الأمر الذي فشلت فيه بلدية بيروت الحالية والحكومة ككلّ. كما ستعمل الحملة في حال وصلت إلى المجلس البلدي على تطوير خطة للحركة والنقل المشترك تهدف إلى تقليص حركة التنقل المعتمدة على السيارات الخاصة إلى 45%. النقطة العاشرة التي تطرّق إليها المتحدثون هي الحوكمة الصالحة، والتي تتمثّل بتحسين الهيكل التنظيمي للجهاز البلدي نفسه لزيادة فعاليته وإمكانياته.
بيروت "ليست سلعة"
ركّز المتحدّثون بإسم الحملة على ميزة هذه الحملة، باعتبارها "من الناس للناس"، على حدّ تعبير شعبان، "بحيث أنها قائمة على تطوّع أهالي وسكّان بيروت"، وفقه. وأضافت فواز أن "ما يميّز برنامج هذه الحملة هو أنه يضع سكّان بيروت في صلب إهتماماته، وأنه يرى بيروت على أنها عاصمة وليست سلعة للبيع تُحقّق المنافع لقلّة ضئيلة". وإعتبرت جعجع أن "الحياة في بيروت لن تتحسّن إلا بإشراك أهالي المدينة". وشدّدت على أن هؤلاء المرشحين هم مستقلّون ولا تتأثر آراؤهم بالإصطفافات الحزبية. وأشارت إلى أن الحملة لا تقتصر على شخص أو شعارات رنانة بل على مرشحين ومرشحات من أهالي بيروت "لابسين عدّة الشغل ومستعدّين يبلّشوا شغل من أول نهار ولاية للمجلس الجديد". وسيتمّ الإعلان عن هؤلاء المرشّحين فور فتح باب الترشيح.
وقالت جعجع "مرشّحونا سيترشحون للإنتخابات وهم على علمٍ بفساد المجلس البلدي، وبيروقراطيته، والضغوط التي سيتعرّضون لها، لكنّهم يتسلّحون بالقانون". وأكّدت أن الحملة ستخضع المجلس البلدي للمحاسبة والمساءلة. وتساءلت الداعوق "كيف يمكننا أن نعيش من دون أمن ومساحات خضراء وتخطيط مدني؟"، وأضافت: "ليس من المسموح أن تستخدم البلدية ذريعة أن هذه الأمور ليست من صلاحياتها". وأعطت أمثلة عن مدينتي زحلة والبترون اللتين نجحتا في توفير الطاقة بطرق بديلة، وعن بلدية صيدا التي تشغّل معملاً لفرز النفايات وتدويرها.
من جهته، أشار جان قصير إلى أن "المسألة باتت وجودية، وهي تتعلّق بإمكانيتنا في العيش والبقاء في بيروت، فقد وصلت الأزمة إلى حدّ لا يحتمل". وإعتبر أن الحملة هي فرصة أهالي بيروت لأخذ حقهم بيدهم، وهي المكان المناسب للنساء اللواتي يشكّلن 52% من الناخبين، واللواتي تبقى مشاركتهن في الترشّح ضعيفة جداً، وللتجار الذين يصارعون غلاء الإيجارات وللشباب الذين يعانون من غلاء المعيشة وعدم قدرتهم على تأمين سكنهم.
وأشار قصير إلى أن هدف الحملة اليوم هو إيصال رسالتها إلى نصف مليون بيروتي، وهنا تأتي مهمة متطوعي الحملة. وقال قصير لـ"المدن" إن "هناك حتى اللحظة ألف متطوّع لبيروت مدينتي، مهمتهم الأساسية هي إجراء لقاءات في أحيائهم ومع جيرانهم من أجل الإطلاع على مشاكل وأزمات المنطقة، وعرض برنامجنا الانتخابي الذي سنعدّله وفقاً لإحتياجاتهم ومتطلبات منطقتهم، ما يجعل هذا البرنامج تشاركيا".
تحدّث ممثلو الحملة عن برنامجهم الانتخابي وعن أهدافهم في حال حصول هذه الإنتخابات، لكن الهاجس الفعلي الذي يتملك السكان والمجتمع المدني هو عدم اجراء هذه الانتخابات أو تأجيلها. وفي هذا الإطار، قالت جعجع لـ"المدن" إن "عدم حصول الانتخابات يمثّل أزمة فعلية لأنه يعني غياب أي سلطة شرعية في البلد، لكن في حال تحوّل هذا الهاجس إلى واقع، لدينا إستراتيجية للتدخّل والعمل وكأننا وصلنا إلى المجلس، لكن لا يمكننا أن نسمح لهذا الإحتمال بأن يشكّل عقبة لعملنا الآن". وعن سؤال لـ"المدن" عما إذا كانت الحملة على تنسيق مع منظمات وحملات المجتمع المدني الأخرى، أجابت جعجع بأن "المجتمع المدني كلّه معنا ويدعمنا".