ست سنوات بلدية في بعلبك: سلطة غير مقررة
في الواقع ليست البلدية الأزمة الوحيدة التي يعاني منها البعلبكيون على مدار السنة، إنما تشكل حيزاً كبيراً من اهتمامهم، وبالتالي فإنها تؤثر على الكثير من القضايا الأخرى حتى ولو بصورة غير مباشرة. يتفق معظم سكان المدينة على ضعف أداء البلدية، وسوء تعاطيها مع مشكلة الإنماء، وعدم توفر إدارة جيدة لمشاريعها. ويخبر العديد منهم عن فضائح وتجاوزات عبر التلاعب بمستندات كثيرة لها علاقة بالبلدية، ومنهم من يمتلك أدلة ومستندات عن أقواله، كقصة استملاك أحد أعضاء البلدية لمشاع بالقرب من أرض اشتراها بإعتراف من أحد المسؤولين الحزبيين.
الأزمات
إذا أردنا أن نقيّم أداء المجلس البلدي خلال السنوات الست الماضية يمكن القول إنه من "سيئ إلى أسوأ"، بحسب شهادة عدد من البعلبكيين. ويعتبر الطبيب جمال عثمان أن "المشكلة تكمن في وجود وصاية على البلدية، ما يعني أن القرار البلدي غير مستقل. كما أن المشاريع التي أعدتها لا تعدو كونها مشاريع عادية، وإذا كان المشروع الأهم هو مشروع فرز النفايات، فإنهم لم يبدأوا به بعد". يتوافق رأي عثمان مع رأي الصحافي حسين زكرة، الذي لم يجد نقلة نوعية ولا أي تغير ملحوظ في المدينة خلال عهد البلدية الحالية، بل إن "الوضع يزداد سوءاً". فالطرقات على حالها وخطة السير التي وضعتها انعكست سلباً على الوضع الاقتصادي بحسب أصحاب المحال والمؤسسات التجارية، و"البلدية عاجزة عن ضبط التعدي على الأرصفة والمساحات العامة. ونحن هنا لم نتطرق بعد إلى المشاكل الأمنية والسياسية والعمران العشوائي والمشاع المعتدى عليه وغيرها"، وفق المحامي كريم رعد.
واليوم، تعيش بعلبك أزمة مائية نتيجة مشروع البئر الارتوازية، الذي أدى الى جفاف بركة البياضة ونهر رأس العين، الذي "خرب بيت المزارعين"، والسبب أنه لم يكن هناك دراسة علمية تسبق تنفيذ المشروع. ويرى بعض البعلبكيين أن السبب الأساسي لهذه المشكلات عدم اهتمام أهل بعلبك بالعلم وانصرافهم إلى البحث عن لقمة العيش، بسبب الفقر الذي يعانون منه، ما قلل من الحس المدني عندهم، وقوّى الحس العشائري الطائفي.
من جهته، يشرح المهندس رامي الدبس المشكلة التي بدأت منذ يوم الانتخابات. وهو يفضل استعمال كلمة تعيين بدلاً من انتخاب، مستنكراً "أنهم لم يكتفوا بذلك بل خالفوا القانون وقسّموا الولاية "حبيّاً" إلى عهدين يتولى رئاستهما شخصان مختلفان"، بالرغم من أن "هناك غاية لجعل ولاية البلديات ست سنوات متواصلة، فالوقت يحد كثيراً من الإنجازات، ما يأتي على حساب التنمية المحلية". والدليل على ذلك خطة السير "الفاشلة" ومشروع الارث الثقافي الذي تتخبط فيه بعلبك منذ العام 2005. بينما يرى البعض أن مشكلة البلدية أنها ليست مؤلفة من "أصحاب اختصاص، وأعضاؤها يحتكمون إلى العائلية والعشائرية والحزبية في قراراتهم"، وهذا ما يقودنا بالتالي إلى "مشكلة الحاكم بأمر الله"، وفق الدبس، في إشارة إلى الطابع الحزبي المهيمن في المدينة، والذي يحمله الدبس مسؤولية فشل العمل البلدي. فـ"حتى السياحة الدينية لم تُستغل بشكل يفيد المدينة، فكلها تابعة للحزب"، يقول زكرة.
الظروف السياسية
على أن المواطنين ملامون أيضاً، خصوصاً أولئك غير الراضين عن الواقع الحالي، لكنهم ينساقون إلى عصبياتهم الطائفية خلال الانتخابات، وفق أحد سكان المدينة. في المقابل، يشير أحد الناشطين أنه مؤيد للمقاومة، وبعكس المسؤولين، فهو لا يجد أن المقاومة والإنماء خطان متوازيان لا يلتقيان، فهناك "مناطق محسوبة على المقاومة وفيها إنماء". ولكنه مقتنع أن "هناك إرادة حزبية وسياسية معينة تريد أن تبقي بعلبك كما هي، وتجعل الشباب في حاجة إلى الراتب الذي يأخذونه منهم. وهذه الظروف السياسية هي نفسها التي تفرض رئيساً لا يملك القرار النهائي وحرية التصرف في المشاريع". وما يعزز ذلك، ما يرويه بعض من قابلتهم "المدن" عن المجسم الذي أرادت "الجمعية اللبنانية للتعايش والإنماء" تشييده في بعلبك تقديراً للجيش اللبناني. فبعد موافقة رئيس البلدية الحالي الدكتور حمد حسن على تشييده، طلب منهم عندما أرادوا تنفيذه الرجوع إلى لجنة العمل البلدي في "حزب الله"، التي تدير كل المشاريع، والتي لم توافق على تنفيذه.
وفي حين أنّ هناك توافقاً، بين من قابلتهم "المدن"، على أن الرئيس الحالي ليس وحده صاحب القرار، فإنهم يجمعون أنه من الأفضل أن يملك الرئيس المقبل، "بالإضافة إلى الرؤية والخبرة، الوقت الكافي للتفرغ للبلدية وليس الانشغال بعمله الخاص بين تعليم ورئاسة مختبر وإدارة بلدية". وفي المقابل، "نلحظ مؤخراً تنسيقاً إعلامياً يتم من قبل بعض صحافيي المنطقة لإظهار صورة حسنة للبلدية مع اقتراب موعد الانتخابات، كما على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما يحصل بتوصية حزبية بعد الفشل الذريع الذي وصلت إليه البلدية"، وفق زكرة.
البلدات المجاورة
تختلف الحال قليلاً في بلديات الاتحاد المجاورة (مقنة، دورس، ايعات..)، إذ يشرح أحد البعلبكيين أن الاهتمام السياسي بالقرى يقل عن ذلك الموجود في المدينة، بالإضافة إلى وجود عدد أقل من العائلات والمذاهب ما يخفف بالتالي من حدة المنافسة. ويمكن العودة أيضاً إلى أهمية شخصية رئيس البلدية، إذ تشهد مثلاً بلدية مقنة ازدهاراً كبيراً منذ استلمها رئيسها الحالي فادي المقداد. ففي العام 1998 مع معاودة إجراء الانتخابات البلدية كانت ميزانيتها صفراً، أما اليوم فقد شيدت البلدية آبار مياه لري المزروعات، وهي تعتمد في سحب المياه من الآبار على الطاقة الشمسية، وزرعت جوانب الطرقات بالأشجار التي تُروى بالتنقيط، وشيدت مسبحاً عاماً، إلى آخره. والسبب الأول لنجاح هذا العمل أن السلطة فيها "سلطة رئيس". ويذكر أحد المقربين منه أنه وافق على إقامة مطمر ومعمل للنفايات شرط توظيف مئة موظف من الضيعة ولكن المشروع لم يُنفذ بسبب عدم تناسبه مع تربتها.
الحراك الشبابي
ومع كل هذه الملفات والقضايا، لا يمكن تجاهل "الحراك الشبابي" الذي تشهده بعلبك مؤخراً. وهو بدأ بشكل متواضع بالتزامن مع الحراك المدني، في بيروت، من خلال وقفات رمزية في ساحة السراي، وصولاً إلى اعتصامات وتحركات جديدة مع ظهور أزمة البياضة. وهذا الحراك يضم عدداً من الشبان المتعلمين والمنفتحين على الشأن الاجتماعي وبعض فعاليات المدينة، وهم مصرون على الدفاع عن حقهم، وفي حال نجحوا في هذا الملف سيوسعون دائرتهم ويعملون على قضايا جديدة.