ست سنوات بلدية في الشمال: السنوات العجاف
والحال إن مشاريع كثيرة كانت ستتحول إلى علامة فارقة في حياة مدينة طرابلس، لو نجحت بلدية طرابلس في تنفيذها. هكذا، تتمنى منسقة "لجنة متابعة مشاريع طرابلس" ناريمان الشمعة "لو أن الجردة التي يتم تقديمها كانت جردة إنجازات، ولكن للأسف معظم القرارات التي اتخذت كانت تشجيعاً للهدر وفاسدة أو غير قابلة للتطبيق ومربكة"، مستشهدةً بقرارات الإستملاك لعقارات نافذين لا تبلغ قيمتها الفعلية ربع المبالغ المرصودة، وكذلك التلاعب بأسعار الزفت لتصل الى حدود 7 مليار ليرة. وتتحدث الشمعة عن نجاحات محدودة للمجتمع المدني، كما في منعه انجاز مشروع ردم البحر والإضاءة على السمسرات والمحاصصة بين الأعضاء.
وقائمة المشاريع "المعطلة" طويلة، ويأتي في مقدّمها مشروع الإرث الثقافي الذي ذهب في مهب ريح "الاحتلالات"، ومعمل فرز النفايات المتوقف عن العمل، أو معالجة جبل النفايات التي كان من المفترض البدء بها في العام 2010، وكذلك البنى التحتية وتنظيم السير والنقل وفشل خطة محطات التسفير والباركميتر، بالإضافة الى مرآب التل. كما يمكن للمتابعين أن يرصدوا إستشراء ظاهرة الفوضى والضوضاء والبسطات والتعدي على الأملاك العامة، وحركة الهجرة غير الشرعية بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وكذلك تخريب وسرقة أحجار المباني التراثية.
ولعبت الأحداث الأمنية وجولات العنف العشرين بين جبل محسن والتبانة دوراً في خسارة المدينة فرص الإنماء والنمو، ورغم إنتهاء المعارك لم يشعر أبناء المنطقة بإهتمام البلدية برفع الأضرار، كما يشير مصطفى معرباني صاحب أحد المحال في التبانة، الذي يضيف أنه منذ شهور تقدم بطلب لإصلاح أحد المجارير قرب محله ولكن الرد كان أن هناك مناطق لها الأسبقية. هذا الموقف تؤيده ابنة جبل محسن سماح إسماعيل، التي تؤكد أن البلدية لا تستجيب أبداً لمطالب المواطنين لـ"رفع النفايات من مناور الأبنية في منطقة الجبل وكانت إستجابة المنظمات الدولية أسرع كما فعل الصليب الأحمر الذي نظم ورش نظافة عدة". وتطالب إسماعيل بالإهتمام بالأرصفة في الجبل التي "يصادرها أصحاب المحلات والبسطات على حساب المارة". فيما تتحدث المواطنة مهى شاويش عن وجود خدمات مقبولة في ظل الظروف الحاضرة، إذ "أقله يتم رفع النفايات وهناك محاولات لإصلاح البنى التحتية".
والشكوى من عمل البلديات في الشمال عامة، فإبن بلدة قبعيت – عكار فراس خضر يشير إلى واقع تقاسم السلطة البلدية، فـ"كل 3 سنوات تذهب البلدية لعائلة معينة"، ما يؤدي إلى تحول العمل البلدي الى خدمات خاصة، مشيراً إلى أن هذا التوصيف "ينطبق أيضاً على بلديات جرد القيطع التي انحصرت انجازاتها في تعليق بعض اللافتات التي تشير إلى أسماء القرى".
ازاء هذا الخلل، "لا بد من تغيير النظرة الى العمل البلدي بالكامل"، وفق أنوس، ذلك أن "البلدية ليست محصورة بالرصيف والمجارير وجمع النفايات وإنما هي سلطة محلية ضمن النظام المركزي ومسؤولة عن التنمية الصحية العامة والمدارس ضمن نطاقها"، متحدثاً عن ابتزاز يمارسه السياسيون عن طريق "إقفال حنفية التمويل من وزارات الاشغال والمالية في بعض الأحيان للتأثير في قرارات البلدية".
على أن الانتخابات في موعدها أصبحت ضرورة، بحسب الدكتور جمال بدوي، رئيس "هيئة الطوارىء لإنقاذ مدينة طرابلس"، الذي يؤكد لـ"المدن" أنه "لا يوجد حل للبلدية القائمة الا برحيلها لأن الناس تأكدت من أن استبدال رئيس البلدية لا يجدي نفعاً، لا بل تزايد هدر الأموال ولم يتغير شيء على الأرض". وللوصول الى فريق عمل بلدي متجانس يقترح بدوي تحريك وتحفيز المجتمع المدني والتحضير لتشكيل نواة لائحة لخوض الانتخابات البلدية المقبلة. وعن إحتمالات فوز هذه القائمة في مقابل اللوائح المدعومة سياسياً، يرى بدوي أن "الحظوظ متوقفة على إختيار الناس لها، لأنها ليست لائحة استفزازيين".
وفي المحصلة فإن الحكم على إنجازات البلديات يتوقف على مدى قدرتها على العمل وتنفيذ الخطط في ظل الخلافات السياسية وتبعية البلديات الكبرى للسلطة المركزية.