ست سنوات بلدية في صيدا.."انجاز" المكب ليس كل شيء
ومع انتهاء ولاية المجلس البلدي الحالي في حزيران المقبل، كما كل المجالس البلدية الأخرى في لبنان، سيكون باستطاعة الصيدوايين إذا ما نظمت انتخابات بلدية في وقتها المحدد، استكمال دورهم في العمليّة الديموقراطية من خلال محاسبة المجلس الحالي، إما بإعادة انتخاب أعضاء المجلس أنفسهم أو انتخاب أعضاء جدد. فكيف يقيّم الصيداويون ولاية المجلس الحالي لتحديد موقفهم منه؟
ليس "مشروع المكب" وحده الذي ترك في أذهان الصيداويين فكرة "ذهبية" عن المجلس الحالي. في الواقع، ما عزّز إيمانهم بـ"قوّة" المجلس الحالي، هو ما رأوه في شوارع وأحياء صيدا من أعمالٍ لم يعتادوا رؤيتها. فالمجلس الحالي عبّد سوق صيدا بحجارة مرتّبة، ويعمل على إنشاء حديقة باسم حديقة الإمارات مقابل الجامع الكبير وينشئ مرفأ تجارياً كبيراً أيضاً. وعلى الرّغم من مآخذ كثير من أهل المدينة على تفاصيل هذه المشاريع كإغلاق السوق مثلاً أمام السيارات من دون تأمين بديل، وما سبّبته حديقة الإمارات من قطع الطريق أمام السكان للوصول إلى بيوتهم لتعود البلدية وتشق لهم طريقاً خاصاً، وانتقاد الكثير من المتخصصين البيئيين لسرعة تنفيذ مشروع المكب وانخفاض جودته ولموقع الحديقة في أكثر المناطق تلوثاً في صيدا، بالإضافة إلى التساؤلات الكثيرة حول حاجة صيدا إلى مرفأ تجاري يحرم أهالي المدينة من حقّهم بالأملاك البحرية العامة، يبقى الصيداويون "ممتنون" لهذا المجلس لما رأوه في مدينتهم من نشاط لم يعهدوه.
وعلى الرّغم من تشديد المجلس وأعضائه على استقلاليتهم عن القوى السياسية، فإن الأحاديث الشائعة بين أهالي المدينة تورِدُ أن هذه المشاريع ما كنت "لتُصرّف" إن لم تكن النائب بهيّة الحريري "راضية" عن المجلس ورئيسه. لكن ذلك لا ينفي في المقابل "انفتاح السعودي على جميع الأطراف"، كما قال أحد أعضاء المجلس لـ"المدن" وهذا ما ينعكس في أحاديث السعودي وزياراته للمعنيين من القرى المجاورة. وعلى الرّغم من ذلك، شهدت صيدا في مراحل عديدة أصواتاً منتقدة ومعارضة للمشاريع وخصوصاً أثناء الحراك المدني في بيروت، حين قامت مجموعات من صيدا بمظاهرات، منها ما كان مقابل معمل التسميد، وانتقاد مشروع إزالة المكب واتّهام البلدية باستقبال نفايات بيروت لقاء مقابل مادي من دون أي دليل، وهي انتقادات اتّسمت بصبغة سياسية واضحة على الرّغم من ادّعائها "الإستقلالية" حينها. من هنا، تؤدي مثل هذه المناوشات السياسية بين موالين ومعارضين للقوى السياسية المهيمنة في صيدا إلى وسم كل انتقاد يدلى به في المدينة ولو كان انتقاداً مهنياً متخصصاً ومستقلاً فعلاً بالصّبغة السياسية، ما يعوق على المهتمين بالشأن العام العمل من أجل تطوير المدينة بسبب عرقلة "المتخوّفين"، ومنهم البلدية.
ولكن لا يمكننا أن نرى صيدا في حدودها البلدية فقط خصوصاً أن صيداويين كثراً انتقلوا للسكن في القرى المجاورة للمدينة. أما البلديات الموجودة في هذه القرى والتي تشكّل جزءاً من صيدا الكبرى فتقتصر مشاريعها على البنى التحتية وتعبيد الطرقات، نظراً لقلّة قدراتها المادية كما يقول رؤساؤها، في حين أن معظم هذه المشاريع، ومن ضمنها تلك المنفذة في بلدية صيدا، تتم بتمويل خارجي في معظم الأحيان أو بتمويل من الصندوق البلدي المستقل.
لا يمكن لأحدٍ أن ينكر نشاط المجلس الحالي ومشاريعه في صيدا، لكن لهذه المشاريع ثغرات كثيرة لا يمكن إغفالها في عمليتي المساءلة والمحاسبة. أما ثغرات معظم هذه المشاريع فتعود أولاً إلى عدم إشراك المجتمع المحلي من مواطنين وجمعيات في اتخاذ القرار بشأن هذه المشاريع، في حين أنها مشاريع عامة تمس حياة الصيداويين الاجتماعية واليومية بشكل مباشر. بالإضافة إلى اعتماد طرق قديمة مقابل وجود بدائل أكثر حداثة في حل مشاكل البنى التحتية وتنفيذ المشاريع الإنمائية، ما ترتّب عليه بطبيعة الحال من إغفال للجانب البيئي والأثري والتراثي والطبيعي والاجتماعي للمدينة، في حين تمتلك صيدا كنزاً كبيراً من هذه العناصر المختبئة تحت شوارعها. زد على ذلك غياب الشفافية الحقيقية في الإدلاء بالأرقام والمعلومات والخرائط وخصوصاً لذوي الشأن في تنفيذ المشاريع. على الرّغم من ذلك، أبدى المجلس أكثر من مرّة رغبته في تجاوز هذه الثغرات.
"أنا لا أتكلّم بالسياسة" و"لوقتا منشوف مين مننتخب"، هي إجابات معظم الصيداويين على سؤالهم عن انتخابهم أعضاء المجلس البلدي مرّة أخرى. وفي حديثٍ معهم عن حقوقهم وإغفال المشاريع للمصلحة العامة يبدو اهل المدينة يائسين من استجابة السّلطة المحليّة لمطالبهم وهم يعرفون أنّ كل المشاريع تتم في المدينة وفقاً للمحاصصات السياسية وأن تحصيل الحق لا يتم سوى باللجوء إلى هذه السّلطة نفسها. فهل فعلاً سيسائل الصيدواي ويحاسب في الإنتخابات البلدية المقبلة في حال حصلت؟