عام على مقتل رلى يعقوب: متى تتحقق العدالة؟
يستحيل على ليلى يعقوب نسيان ابنتها رلى. كما يستحيل على بنات رلى نسيان ما شهدن عليه يوم مقتل والدتهنّ. وحدها العدالة، المتمثلةً بالجسم القضائي اللبناني من نيابة عامة وقاضي تحقيق وهيئة اتهامية، يبدو أنها نسيت رلى أو تناستها. فقد عجز القضاء بعد مضي أكثر من سنة على موت رلى عن "أضعف الإيمان": محاكمة زوجها المتهم بتعنيفها لسنوات، والذي كان حاضراً في المنزل يوم وفاتها، وذلك بتهمة التسبب بموتها.
فقد أصدر قاضي التحقيق في الشمال آلاء الخطيب، قراراً يوم 24 كانون الثاني الماضي بمنع محاكمة المدّعى عليه المتهم بالتسبب بقتل رلى يعقوب، وهو زوجها كرم ب.، وقد أطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة. فقامت والدة رلى، بواسطة وكيلها المحامي ريمون يعقوب، بطلب استنئناف أمام الهيئة الاتهامية في الشمال التي لم تعط الوالدة أي ردّ، سلبياً أو إيجابياً، حتى اليوم.
لكن الإلتباس لم يبدأ مع تخطي الهيئة الإتهامية لمهلة الخمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم الطلب، المحددة لإعلان الردّ، إذ أن الإلتباسات كانت قد بدأت مع قرار جازم للخطيب منذ ستة أشهر بأن "رلى لم تمت من الضرب"، والمستند إلى مطالعة النائب العام غسان باسيل التي طلب فيها وقف تعقب البازي. القرار الذي خرج به الخطيب، يومها، استند إلى تحقيقات موّسعة كلفت خلالها خمسة لجان طبية مؤلفة من 16 طبيباً بدراسة الجثة وتشريحها، وقد خلصت إلى نتائج متضاربة. على أن القرار اعتمد فحسب على تلك التي خلصت إلى خلو الجثمان من آثار الضرب. كما استند القرار إلى شهادتي ابنتي رلى، غلاديس (13 سنة) وغابرييل (12 سنة) اللتين أكدتا أن والدتهما لم تتعرض يومها للضرب بل سقطت أرضاً فجأة. وقد عزز القاضي الشهادتين بإفادتين لشاهدين صودف مرورهما أمام المنزل لحظة خروج غلاديس لطلب النجدة. وقد يبدو كل شيء طبيعياً إلى حين معرفة أنّ غلاديس وغابرييل أدلتا بشهادتيهما أمام المحققين في حضور عمتهما، ولذا لا يستبعد أن تعطي الفتاتان شهادتين متطابقتين تقريباً ومشابهتين لإفادة والدهنّ، بحيث تبرّآنه فيها وتنفيان تعرض والدتهما للضرب يوم وفاتها.
أسئلة
تبقى العديد من علامات الإستفهام. إذ لماذا اكتفى القاضي بشهادتي عابري السبيل لتعزيز شهادتي الفتاتين، بالرغم من أن الإفادات المفصلة التي أدلى بها الجيران قد أكدت تعرض رلى لعنف جسدي ونفسي قبل لحظات من وفاتها؟ وقد شملت بعض هذه الإفادات روايات أدلت بها احدى الجارات عن اعتراف غابرييل لها بأن "البابا ضرب الماما"، فيما روت إفادة أخرى أنه بعد نقل جثة رلى إلى المستشفى، عاد الوالد واختلى ببناته لدقائق ثم رحل. كما نقلت شاهدة ثالثة عن غلاديس ما قاله والدها لها ولشقيقاتها حين اختلى بهن. تفيد الشاهدة أنها سألت غلاديس عمّا حصل، فبكت وأخبرتها أن والدها ضرب والدتها بـ"الشفاطة"، ثم هددها بالقتل اذا أخبرت أحداً. ليست هذه الإفادات وحدها ما أسقطه الخطيب من حسابات قراره، إذ قرر عدم الأخذ برسم الإبنة الرابعة، غرايسي (5 اعوام) لإختيها غلاديس وغابرييل إلى جانب والدتهما الممددة على الأرض ووالدهما الممسك بعصا. هذا في ما يخص الإفادات المتعلقة ببنات رلى. أمّا إفادات الجيران وأفراد العائلة المستندة إلى ما رأوه يوم مقتل رلى وما قبله، والتي تجاهلها القاضي الخطيب، فقصة أخرى. أفاد جار مثلا، أنه سمع صراخاً داخل المنزل يوم وفاة رلى وحين أراد الدخول، منعه الزوج، لكن صراخ رلى لم يتوقف إلى حين نقلت إلى المستشفى.
وبعد، لماذا لم يأخذ القاضي الخطيب سوى برأي 4 من الأطباء الـ16 من اللجان الطبية الخمس التي شكلت لدراسة صور رأس رلى وتشريح جثتها، وهي الآراء التي صودف أنها أجمعت على طبيعية الوفاة وغياب الكسور؟ ولماذا اكتفى بالتقرير الطبي الخامس والأخير، بالرغم من وجود تقارير سابقة متضاربة النتائج؟ ولماذا انتظر 80 يوماً لإعطاء الإشارة بتشريح الجثة، رغم مطالبة العائلة به منذ اللحظة الأولى؟ ولم لم يُستجوب طبيب الطوارئ الذي عاين رلى قبل وفاتها وبعدها، وكتب أول تقريرين أفاد فيهما أنها توفيت نتيجة الضرب؟ واين اختفى التقريران؟
استنسابية؟
كان محامي والدة رلى قد أثار في طلب الاستئئاف هذه التساؤلات ضمن مجموعة من النقاط الشائكة في ملف رلى القضائي، متسائلاً كيف يستند القرار الظنّي إلى التقرير الطبي الخامس الذي لم يحدّد سبب الوفاة المباشر، ثم يأتي القرار ليجزم أنّ السبب المباشر لوفاة رلى هو نزيف مرضي وخلقي، ما يتعارض أيضاً مع تقريَري لجنتَي التحقيقات المهنيّة في نقابتَي أطبّاء لبنان في بيروت وفي طرابلس.
لذلك، كان على الهيئة الإتهامية أن تأخذ قراراً إمّا بالتصديق على القرار الظني أو نشره، أي التحقيق مجدداً في القضية، خلال إسبوعين. وإذ ندخل في العطلة القضائية يُسجل الشهر السابع على تقديم طلب الإستئناف من دون أي رد. اليوم وبعد عام على مقتل رلى وفي ظل هذه المماطلة، تسأل جمعية "كفى" و"لجنة دعم ومساندة ومتابعة ملف رلى يعقوب"، التي ولدت بعد صدور القرار الظني والتي تألفت من تسعة محامين: "أين العدالة التي ننتظرها وتنتظرها والدة رلى؟ ولماذا هذا التأخير من قبل الهيئة الإتهامية في الرد على طلب الإستئناف مع كل ما تضمنته من أسئلة مشروعة ومعطيات أغفلها التحقيق؟"، واصفةً ملف رلى بالملف "الذي عجّز القضاء".
فعلاً، ما هو هذا الملف الغامض الذي يعجز عنه القضاة؟ وما هي هذه القضية التي تخيف القضاء ويعتم عليها ليس في حيثياتها فحسب، إنما في تعامل القضاء معها أيضاً؟
والأهم، لم الإطالة في إعادة فتح الهيئة الإتهامية لهذا الملف، وبالتالي تعيين جلسات والاستماع الى الشهود؟ لم الإنتظار وعلام المراهنة؟ الوقت في هذه القضية، عدو العدالة الأول لأن ما بقي من القضية اليوم، هو مجرد شهود قد لا يكونون هنا غداً. ما بقي من القضية اليوم، والدةً تمسك وحدها حق الإستئناف والإدعاء الشخصي بعد ان برأت النيابة العامة وقاضي التحقيق المدعى عليه وبالتالي اٌسقط الحق العام، والدة متعبةً صحياً ونفسياً واقتصادياً، وقد لا تعيش حتى تدرك العدالة قضية ابنتها، وقد لا تدركها أبداً.
أيكون مفتاح أحد الأجوبة رئيس الهيئة الإتهامية القاضي رضا رعد الذي يعالج هذه القضية من موقعين حساسين يتجهان به نحو المماطلة؟ فهو عضو في مجلس القضاء الأعلى، المجلس عينه الذي أصدر بياناً أكّد فيه أن قرار قاضي التحقيق الظني في قضية رلى يعقوب "نتاج اقتناع ولم يؤثر في القضاة أي معطى آخر". وبعدها أصدر بياناً ثانياً "يهيب بوسائل الإعلام توسل المهنية والدقة في مقاربة العمل القضائي وعدم السماح بالتعرض جزافا لكرامة القضاة والقضاء"، وذلك، بعدما انتقدت وسائل الإعلام القرار المذكور؟
يجمع المتابعون والقانونيون على أن ملف رولى ليس أكثر ملفات العنف الأسري غموضاً، وليس أصعب من ملف منال عاصي أو كريستال ابو شقرا التي ماتت مسمومة واتهمت النيابة العامة زوجها بـ"المساعدة على الإنتحار". ملف رلى في رأيهم واضح، وهم لن يسمحوا للقضية بأن تموت.