"أصعب لحظات" حياته عايشها أحمد يوم خسر "جنى العمر"

فرح منصور
الأحد   2024/11/03
تجاوزت خسائر أصحاب المحلات آلاف الدولارات، واضطروا إلى نقل بضائعهم لمحلات أكثر أمنًا. (علي علوش)
أصعب لحظاتٍ في حياتي". بهذه العبارة يصف أحمد أيوب لـ"المدن" اللحظات التي دخل فيها إلى محلاته في الضاحية الجنوبيّة، ليفرغ البضاعة منها وينقلها لأماكن أكثر أمنًا. يقول: "رتبت بضائعي داخل الصناديق والأكياس، كانت لحظات قاسية جدًا، شعرت بقهر وحزن شديدين، هذه المحلات هي مجهودي الشخصي منذ سنوات طويلة، ومن الصعب أن أغلقها اليوم أو أفكر بخسارتها فجأة".

سوق الصين الشعبي
يملك أحمد محلات لبيع الألبسة الرياضية بالجملة في منطقة صفير في الضاحية الجنوبية. يمتهن التجارة منذ العام 2009. في آذار الماضي انتقل إلى مشروع الراية الجديد في صفير، حيث اشترى متجراً لاستقبال التجار والزبائن. ومع توسع رقعة الحرب خلال الأسابيع الماضية، والغارات الإسرائيلية العنيفة التي هزّت الضاحية الجنوبيّة ليلًا، وتحديدًا منطقة صفير، نقل أحمد البضاعة إلى مستودعات أكثر أمنًا في البوشرية، في قضاء المتن الشمالي. يقول: "انتقلت لمحل آخر، لا يمكننا إغلاق المحلات التجارية لفترة طويلة، ولا يمكنني ترك بضائعي تحت النار، زبائني كانوا يقصدون المحل من مختلف الأراضي اللبنانية، أبلغتهم عن العنوان الجديد، وبدأت بمتابعة عملي هناك".

‎تضم منطقة صفير مئات المحال التجارية، ويُطلق على الحي المُلاصق لملعب الراية، اسم "السوق الصيني"، وهو عبارة عن عشرات المحلات والمؤسسات التجارية لبيع الجملة فقط. يمتد هذا السوق من محيط ملعب الراية، نزولًا باتجاه "أوتوستراد السيد هادي نصرلله". ويعتبر من أنشط المناطق التجارية في الضاحية الجنوبيّة، التي يقصدها آلاف الزبائن والتجار من مختلف الأراضي اللبنانيّة، وهي منطقة تكتظ بالمواطنين والتجار.

شريان تجاريّ
ولملعب الراية رمزيته السياسية، يعد الباحة الكبيرة التي جمعت لسنوات طويلة حزب الله بجمهوره. هناك نُظمت خطابات الأمين العام الراحل لحزب الله، السيد حسن نصرلله، حين كان يطل من خلال الشاشة. ومن المكان ذاته، أطل مباشرة على جمهوره بعد حرب تموز العام 2006، وفيه ينظم حزب الله ذكرى عاشوراء. وفي العام 2016، حُول ملعب الراية إلى مشروع تجاري ضخم، وتوقف حزب الله عن استخدامه، وتم بناء مجموعة من المباني السكنية وتحتها عشرات المحلات التجارية. كان أصحاب تلك المحال يحضرون لافتتاحها، لولا أن بدأت الحرب واضطروا في الآونة الأخيرة إلى إفراغها من البضائع، نتيجة الغارات العنيفة بالقرب من محيط الراية، ما ألحق بها الضر الكبير وجعلها عرضة للسرقة.

خسائر كبيرة
كما تعرّض محيط جامع القائم في الضاحية الجنوبيّة لغارة عنيفة منذ حوالى الأسبوعين، حين نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيليّ خريطة حدد فيها المبنى السكني المُقابل للجامع. في هذا المبنى دُمر محل "avatar" بالكامل. ويقول صاحبه أحمد مراد لـ"المدن" والذي امتهن تجارة الألبسة منذ أكثر من 13 عامًا "افتتحت محلا كبيرا لبيع الثياب الرسمية للرجال، وآخر لبيع الأحذية، وفي شهر آب الماضي دفعت مبلغاً من المال مقابل تغيير الديكور، لكن المحل دُمر بالكامل، فخسرته كما خسرت البضائع الجديدة التي اشتريتها". ويتابع: "زوجتي تلقت خبر تدمير المبنى حيث يقع المحل بالدموع، لكنني استقبلت الخبر بضحكة كي أخفف وقع المصيبة عليها".

واثق أحمد "بأن الخسائر المادية تُعوّض حتى وإن كانت كبيرة جدًا، ولكن الأصعب "أن أتلقى خبر استشهاد العديد من زبائني خلال تعرض المباني السكنية في الضاحية الجنوبية للقصف والتدمير". ويتابع: "مع اشتداد هذا القصف، بدأ أصحاب المتاجر في المنطقة تفريغ البضائع، فأخرجت كل الثياب الرسمية من المحل، لكن لم أتمكن من إخراج الأحذية من المحل الثاني المُلاصق له، ووضعتها في محل آمن حتى أتمكن من نقلها لمحل جديد في منطقة أخرى ريثما تنتهي الحرب".

‎ولا يختلف الأمر في كل مناطق الضاحية الجنوبية، ففي منطقة بئر العبد أيضًا، أفرغت صاحبة محل "زهرة" لبيع الأحذية والثياب بضاعتها، وهي تبحث اليوم عن محل للايجار في منطقة الحمراء، لكن "الأسعار جنونيّة، والشروط تعجيزية"، وتقول: "تضرر محلي بشكل كبير بسبب الغارات الإسرائيلية، أفرغت البضائع ونقلتها نحو منطقة الجناح، وبدأت مرحلة التفتيش على محل آخر، لكن الأسعار مرتفعة جدًا وخيالية ولا تستحق، حيث أن المبالغ التي طُلبت منا تراوحت بين 20.000 و80.000 دولار سنوياً، أي ما يُعادل 1600، و6000 دولار شهريًا، وهو مبلغ لا يمكن تأمينه أبدًا".

أضرار كارثية
وفي جولة "المدن" في الضاحية الجنوبيّة، يتبين آثار الدمار الكبير الذي تعرضت له المباني السكنية والأحياء والمتاجر أيضًا، حيث أن مئات المحال التجارية المتوزعة في منطقة الحدث-السان تريز، صفير (السوق الصيني، وبالقرب من جامع القائم)، منطقة بئر العبد الذي يغص بالمحلات التجارية، وسوق معوض التجاري، تعرضت لأضرار كبيرة جدًا. وحسب معلومات "المدن" فإن "أصحاب المتاجر تكبدوا خسائر كبيرة خلال هذه الحرب، خصوصًا أن غالبية المحال تضررت بشكل كبير،وتعرضت للسرقة، ما أجبر أصحابها على نقل البضائع إلى ماكن خارج الضاحية الجنوبيّة، بانتظار إنتهاء الحرب".