مَن ينظر إلى الدعارة أبعد من الاستغلال؟
كيف ننظر الى الدعارة؟ هل هي مهنة؟ أم وسيلة لبعض الأشخاص الذين لا إمكانية عندهم للوصول إلى نساء؟ هل ننظر إليها من وجهة نظر دينيّة من خلال "الحرام أو العيب"؟ أو من منطلق حقوقي وكمجال عنف ضد المرأة. هذه الأسئلة وغيرها طرحت يوم أمس، في المحاضرة التي نظمتها دائرة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والدراسات الاعلامية في "الجامعة الأميركية في بيروت".
دراستان تمّ عرضهما في المحاضرة. الأولى قدمتها مسؤولة قسم مكافحة استغلال النساء والإتجار بهنّ في منظمة "كفى" غادة جبور، وقد أطلقت منذ ثلاثة أشهر تحت عنوان "الهوى ما بينشرى". أمّا الدراسة الثانية، بعنوان "بغاء في مجتمع متغير"، فتعود الى سيتينات القرن الماضي وقدمها أستاذ علم الاجتماع في الجامعة سمير خلف.
الدراستان ترتبطان بحقبتين مختلفتين. فخلف حين أجرى دراسته كانت الدعارة في لبنان منظمّة وقانونيّة. أما اليوم فكل أنواع الدعارة ليست شرعيّة وإن كان بعضها يُنظم من قبل الدولة بطريقة غير مباشرة عبر ما يسمى بالـ"Artist Visa".
ترتكز الدراستان على مجموعة من المقابلات. اذ قامت "كفى" بمقابلة 27 إمرأة عملن في دعارة الشارع و55 رجلاً من مشتري الجنس. أمّا في دراسة خلف فقد تمّت مقابلة 130 عاملة جنس، وطرحت عليهن أسئلة تتعلق بأصولهن الاجتماعية، وأسلوب حياتهن وكيفية دخولهن العمل الجنسي، وموقفهن من المهنة، وعلاقاتهن مع الآخرين، من دون الاشارة إلى الخلفية التي دفعت هؤلاء النسوة إلى العمل في الجنس. في حين ركزت "كفى" على هذه الخلفيّة بالإضافة إلى تركيزها على الأسباب التي تدفع شاري الجنس إلى ممارستها.
موقف "كفى" من العمل الجنسي غير مبني على الأخلاق أو الدين، بحسب ما تقول جبور، بل هو موقف حقوقي. لكن جبور لا تصنّف العمل الجنسي كمهنة لأن طبيعة العمل الجنسي مبنيّة على العنف، وهو يضع المرأة في موقع دوني. "مهما حاولنا تجميل هذا العمل عبر الدفاع عنه وإنشاء نقابات، لا يمكن تصنيفه كمهنة، والدليل على ذلك محاولات جرت في هولندا وألمانيا وباءت بالفشل"، تقول جبور.
لا تنفي جبور الفرق بين الدعارة الطوعية والقسرية. إلّا أن الدراسة التي قامت بها "كفى" تُظهر أن النساء يلجأن إلى العمل الجنسي كنتيجة لظروف إقتصادية واجتماعية معيّنة، وبالتالي فهنّ ضحايا لمجتمع معيّن. وتؤكد جبور أنّه وفي حال وجود نساء يعملن بمحض إرادتهن إلّا أن ذلك لا يعني أنهن يمثلّن غالبية النساء العاملات في الجنس، ومن الخطأ، في رأيها، أن تُبنى السياسات التشريعية وفقاً لهذه الأقليّة.
ولكن يبدو أنه غاب عن منظمة "كفى" أنّ الأشخاص الذين يناضلون دائماً من أجل حقوقهم لطالما كانوا أقلية. المثليون قد يعتبرهم البعض أقليّة، والمطالبون بالزواج المدني أقليّة أيضاً، وكذلك اللواتي يطالبن بحقهن في الاجهاض. هل يعني هذا أن تُحرم هذه الأقليّة من حقها في التشريعات؟ وهل يعني ذلك أن مطالبها غير شرعيّة؟ والسؤال أيضاً من يحدد الشرعيّة، هل هو عدد المطالبين؟ واذا كان كذلك فهذا يعني انتفاء الشرعيّة عن النقابات لأنها غير ممثلة لكل العمال. المطالبة بإلغاء العمل الجنسي بحجّة أنّ عاملات الجنس يتعرضن للإستغلال والعنف، يفرض علينا إلغاء عدد كبير من الوظائف، لأن غالبية عمالها، ومهما اختلفت وظائفهم، هم عرضة للإستغلال والعنف. وان كانت الظروف الإقتصادية والاجتماعية هي دافع عاملات الجنس، فهل إلغاء العمل الجنسي سيقضي على هذه الظروف؟