ممثل المفوضية لـ"المدن": عودة اللاجئين السوريين صعبة وطويلة الأمد

جنى الدهيبي
الثلاثاء   2024/05/14
فرايسن: نرحب بأي شكل من أشكال الاتصال بين السلطات اللبنانية والسلطات السورية (علي علوش)

داخل مقره الرئيسي في الجناح في بيروت، يجلس ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إيفو فرايسن، منهمكًا بمسؤوليته عن أكثر الملفات حساسية، حيث تتهمه أطراف سياسية محلية، بأنه جزء من "مؤامرة دولية" لإبقاء اللاجئين السوريين في لبنان، وهو ما يرفضه وينفيه قطعًا.

جاء هذا الرجل الهولندي إلى لبنان في كانون الثاني 2023، في ولاية تمتد لنحو خمس سنوات، حاملًا معه خبرة تناهز الثلاثين عامًا في عدد من الدول، بمجال العمل الإنساني في مؤسسات دولية مختلفة، وسبق أن شغل منصب ممثل المفوضية في إيران.

يجيب فرايسن على أسئلتنا، بعناية دبلوماسية، من دون أن يخفي في قسمات وجهه وما بين السطور، فهمه للحياة السياسية اللبنانية وأفخاخها ولعبتها بإدارة ملف اللاجئين، ولطبيعة أزمة اللجوء في لبنان ومخاطرها وأبعادها السياسية والطائفية والأمنية. فهو تولى منصبه، مع ذروة تحول اللجوء السوري إلى مادة استقطاب واستثمار من لبنان ضد المجتمع الدولي.

يقرّ المسؤول الأممي بصعوبة عودة اللاجئين السوريين، واصفًا إياها بأزمة طويلة الأمد. يغمز من قناة تلقي لبنان مليارات الدولارات من الجهات المانحة لاستضافته اللاجئين، وأن جزءًا كبيرًا منها ذهب إلى لبنان ومؤسساته وشعبه.

يشجع فرايسن خيار إعادة توطين اللاجئين السوريين في بلد ثالث (غربي)، كتعبير عن التضامن الدولي مع لبنان. ويضع علامة استفهام على مدى حقيقة وجود مناطق آمنة في سوريا. يتحدث عن العوامل السلبية لعدم الاستقرار في سوريا، ويصف وضعها بالهش للغاية.

يُعبّر عن قلقه الشديد من الحساسية المتنامية بين المجتمعين اللبناني والسوري، ويُحمِّل التأجيج الشعبوي والخطاب الإعلامي أسباب هذا الواقع. ويتساءل على الهامش، عن مسؤولية الدولة اللبنانية حول ما تشهده الحدود البرية بين لبنان وسوريا؛ ويقول بأن وقف تسجيل السوريين في 2015، لا ينفي صفة اللجوء عنهم.
هنا، النص الكامل لمقابلة "المدن" مع ممثل المفوضية في لبنان إيفو فرايسن، التي ننشرها قبل يوم من جلسة البرلمان المخصصة لمناقشة قضية اللاجئين السوريين، وموضوع المساعدات الأوروبية، لاحتواء هؤلاء اللاجئين:

بعد نحو 12 عامًا من تولي UNHCR لإدارة ملف اللاجئين السوريين في لبنان.. ما أبرز سمات هذه المرحلة برأيكم؟

- نحن أساسًا، لا نريد أن نرى الناس بحالة لجوء قسري لفترة طويلة، والمجتمع الدولي الذي نحن جزء منه، قدم الدعم للبنان طوال هذه الفترة.

ندرك جميعًا، أنه بالنسبة لأي بلد في العالم، سيكون من الصعب جدًا استضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين. فكيف إذا كان دولة صغيرة وعدد سكانها قليل نسبياً مثل لبنان؟

طوال هذه السنوات، قام اللبنانيون والمؤسسات اللبنانية والمجتمع الدولي بشكل جماعي بتوفير اللجوء لعدد كبير من السوريين الذين فروا من بلادهم بسبب الحرب، ثم صارت أزمة طويلة الأمد، ومعقدة للغاية.

والتحديات راهنًا أصبحت أكثر صعوبة وتعقيدًا، لأننا كمفوضية نحصل على تمويل أقل لتقديم الدعم للبنان واللبنانيين باستضافة اللاجئين.

لكن، قدمت المفوضية الكثير أيضًا للمؤسسات اللبنانية والشعب اللبناني، لمساندتهم بالأزمة الاقتصادية.

السمة الأهم بعملنا، طوال هذه السنوات، هي التركيز على جميع الفئات السكانية المحتاجة في لبنان.

اللاجئون والوضع القانوني

نلحظ أن ثمة أزمة فعلية بتصنيف الوضع القانوني للسوريين.. حيث تسميهم الدولة اللبنانية بـ"النازحين" (نظراً لعدم توقيعها على معاهدة اللجوء الدولية) ونسمع في العامين الأخيرين مسمى "النازحين الاقتصاديين"، مقابل التزامكم مع المجتمع الدولي بوصفهم بـ"اللاجئين".

من وجهة نظركم، كيف انعكس هذا الاختلاف على إدارة ملف اللجوء السوري؟

- الأزمة ليست بالمصطلح.

وما يهم بالنسبة لنا كمفوضية، كأمناء متخصصين بحماية اللاجئين، أن أي شخص غير قادر على البقاء ببلده بسبب الصراع أو التمييز أو انعدام الأمن، ويضطر إلى الفرار عبر الحدود الدولية هو لاجئ. أنت لاجئ بسبب ما يؤثر عليك وما يجبرك على الفرار، وإذا لم تتمكن من العودة لهذه الأسباب أو لأسباب أخرى مرتبطة بهذه العوامل، تبقى لاجئًا.

سنة 2015، أبلغكم الأمن العام اللبناني بوقف عمليات تسجيل السوريين. وكانت الحجة أن "اللاجئين الجدد منهم لم يغادروا بلدهم بسبب الأوضاع الأمنية، بل جراء الأوضاع الاقتصادية والفرار من خدمة الاحتياط، وللاستفادة من المساعدات التي تقدمونها لهم". كيف تنظرون إلى هذا القرار بعد نحو 9 سنوات؟ وما النتائج التي ترتبت عليه وعلى عملكم؟

- اسمحوا لي أولًا القول: إن السوريين سيستمرون بالتحرك للجوء، إذا شعروا أن عليهم التحرك من بلدهم، وهذا شيء لاحظناه.

منذ عام 2011، أعداد من اللاجئين استمروا باللجوء إلى لبنان. وقد يلجأ بعض الأشخاص غدًا لأسباب مختلفة، إذا كان لديهم مثلًا مخاوف تتعلق بالحماية أو بالنزاع، مما جعل من غير الممكن بالنسبة لهم البقاء بسوريا.

فتاريخ الوصول لا يغير الظروف التي دفعتهم للفرار. وهذا ما نقوله دائماً.

نحن نتفق على أن الوضع بحاجة إلى الإدارة وإلى سن سياسات. لكن استخدام تواريخ الوصول كنقطة نهائية، أمر نجده إشكاليًا.

لكن كما تعلمون، يستضيف لبنان أعلى نسبة من اللاجئين السوريين قياساً لمساحته وعدد سكانه، ونسمع تقديرات مختلفة حول أعداد السوريين في لبنان، من الدولة ومنكم ومن الأمن العام. ما هو العدد أكثر واقعية للسوريين في لبنان برأيكم؟

- أتمنى لو كان لدي الجواب. نحن لدينا مع الحكومة اتفاق واضح وهو أن هناك 1.5 مليون نازح سوري. هكذا تسميهم الحكومة. نحن نحترم ذلك. نحن نسميهم لاجئين.

لكننا نرى تداولًا لكثير من الأرقام الأخرى، غالبًا 2 أو 2.5 مليون، وليس لدينا معلومات وبيانات أو تحليلات حولها.

اللاجئون، مجموعة واضحة، معروفة، مسجلة، وهناك سوريون آخرون، وعدد اللاجئين المسجلين لدينا، حوالى 800 ألف لاجئ.

يستند لبنان إلى قرار صدر عن وزارة الدفاع في 2019، لترحيل السوريين الذين لا يملكون أوراق إقامة شرعية. بالمقابل، نلحظ أنكم ترصدون عمليات الترحيل والتصدي للسوريين، بوصفها اختراقًا للقوانين الدولية وتهديدًا لسلامة اللاجئين.

ما رأيكم بموقف الدولة اللبنانية من عمليات الترحيل؟ وهل تقومون برصدها؟

- إنه موضوع حساس للغاية، والأشخاص الذين لا يرغبون بالعودة لا ينبغي إعادتهم قسرًا. وهذا مبدأ أساسي من المفترض أن الجانب اللبناني يلتزم به.

ونحن ندعو دائمًا لعدم الإعادة القسرية. إذ لا يجوز إعادة الأشخاص قسرًا إلى مكان فروا منه.

ونحن نسعى للتأكد من وجود ما نسميه الإجراءات القانونية الواجبة. الإجراءات القانونية الواجبة تعني أنه إذا تم القبض على شخص ما من دون التوثيق المناسب، على سبيل المثال، فإنه من خلال عملية منظمة، يتم طرح الأسئلة التالية عليه: من أنت؟ لماذا هربت؟ هل أنت على استعداد للعودة؟ هل لديك خوف من العودة؟

وإذا لم تكن لديه أي مشاكل، فيمكن أن يكون الترحيل إجراءً قانونياً، بشرط مشاركة السلطات المختصة. ومع ذلك، إذا قال شخص ما، لدي مشكلة، ولهذا السبب لا أستطيع العودة، فوفقاً للقانون الدولي، ينبغي أن يحظى بالحماية. وإذا تم وضع مثل هذا الشخص على الحدود، فإن ذلك يشكل إعادة قسرية وانتهاكًا للقانون الدولي للاجئين والحماية الدولية.

المفوضية وتساؤلات حول عملها

في السنوات الأخيرة، سمعنا الكثير من الشائعات حول طبيعة الخدمات التي تقدمها المفوضية للسوريين. كإفادة سكن أو مساعدات نقدية بالدولار وغيرها. ما سبب ذلك؟ وهل يمكن أن تذكرنا بمختلف المساعدات المادية والعينية التي تقدمونها للاجئين السوريين في لبنان؟

- يسعدنا دائمًا توضيح ذلك، لأن كل عملنا يتم تنسيقه مع الحكومة، ومع الوزارات والمحافظين والبلديات والمنظمات الوطنية.

بمعنى آخر، نحن لا نفعل أي شيء بطريقة أحادية. لذا، فإن أنواع المساعدات التي نقدمها للمؤسسات اللبنانية والمواطنين اللبنانيين الهشين اقتصادياً واجتماعياً واللاجئين معروفة جيدًا. ولسوء الحظ، نلحظ ترويجًا لمعلومات خاطئة لدى الرأي العام من دون بذل جهد للتحقق معنا، بينما نحن على استعداد تام لشرح ما نقدمه بشفافية.

ونحن كمفوضية وجميع المنظمات الإنسانية، نقوم باستمرار بإجراءات لمعرفة من هو الأكثر ضعفًا بين اللاجئين، ومن بين السكان اللبنانيين. ونقدم مساعدة نقدية، أو صحية أو من حيث السكن والمأوى وما إلى ذلك.

لكن الحقيقة هي أننا نحصل على تمويل أقل. لذلك، أصبحنا نُنتقد أكثر فأكثر ونعطي الأولوية لطريقة عملنا.

ونقول للمزيد من الناس واللاجئين أننا لم نعد قادرين على مساعدتهم، لتذهب المساعدات إلى الفئة الأكثر احتياجًا.

ودعوني أقول، لا يحصل اللاجئون على ما يكفي، واللبنانيون الأكثر هشاشة لا يحصلون على ما يكفي أيضًا، لأن التمويل يتناقص باستمرار، والاحتياجات إما على المستوى نفسه أو في تزايد.

بشكل عام، يُطلب من المفوضية والعاملين في المجال الإنساني بجميع أنحاء العالم القيام بالمزيد بموارد أقل. وقد أجبر ذلك المفوضية في جميع أنحاء العالم، وفي لبنان على وجه التحديد، على تحديد الأولويات وإعادة ترتيب الأولويات. في لبنان، حصلت المفوضية على تمويل بنسبة 15% فقط حتى الآن لعام 2024 اعتبارًا من 31 آذار 2024. في عام 2024، توقفت 88 ألف عائلة لاجئة في لبنان عن نيل المساعدات النقدية والغذائية من كلّ من المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي، أي بنسبة 32% أقلّ في عدد العائلات المستفيدية مقارنة بالعام 2023. وسيتم إيقاف المزيد من المساعدات اعتبارًا من أيار 2024.

الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن أن تحصل عليه عائلة لاجئة مؤهلة لنيل المساعدات من المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي مجتمعَين هو 115 دولارًا لكل عائلة (لخمسة أشخاص بالعائلة كحد أقصى).

في السنوات الأخيرة، نلحظ تصاعدًا بخطاب التحريض لقوى سياسية فاعلة ضد المفوضية وعملها في لبنان. كيف تنظرون إلى هذا الواقع؟ وكيف تتعاملون معه؟

- نحن نتفهم جدًا الوضع الصعب في لبنان، وهو يحتاج لحلول جذرية حتى يخرج من الأزمة. ولكن لا أستطيع أن أفعل ذلك بصفتي كمفوضية. وأقول بواقعية إن ما نحتاجه هو الاستقرار، وظروف أفضل بكثير في سوريا، حتى يتمكن اللاجئون من العودة إلى ديارهم.

 لا يختار المرء أن يكون لاجئًا. وعندما يتعلق الأمر بالضغط والانتقادات علينا، فنحن نأخذ الأمر على محمل الجد، لأننا نعتقد أن هذا الجو مؤشر على سياق متوتر للغاية وصعب. نحن أيضًا بحاجة إلى مخرج من الأزمة، لأنها تمس بالأمن والسياسة والاقتصاد الكلي. نحن مهمتنا دولية وإنسانية ونلتزم بالقوانين الدولية التي تشكل إطارًا لعملنا، وعلى جميع الأفرقاء اللبنانيين إدراك ذلك.

ولكن، يتهم كثيرون المفوضية بالانحياز لمصلحة المجتمع الدولي والدول الأوروبية التي ترفض حاليًا عودة السوريين إلى بلدهم. ما تعليقكم؟

- ينبغي لي أولًا أن أشكر المانحين. وهناك مجموعة من المانحين، قدمت المليارات للبنان خلال السنوات الـ13 الماضية، لأن لبنان يستضيف اللاجئين. وقد ذهب جزء كبير من مساعداتهم إلى لبنان ومؤسساته وشعبه.

لذا، ليس من العدل وصف هؤلاء المانحين، أو الاتحاد الأوروبي، كأن لديهم مخطط شنيع.

نحن مع العودة. العودة هي الحل الدائم والنهائي الذي نود جميعًا رؤيته. لكن المجتمع الدولي يدرك مدى صعوبة الوضع في سوريا. ونحن نقول للمجتمع الدولي، إننا نعلم أن الوضع السياسي في سوريا حساس، ويحتاج لعمل جماعي ودولي لتحسينه.

ونقول للجميع: نحن كمفوضية لا نتلقى رسائل لتنفيذ مؤامرة دولية ضد لبنان، كما يتم محاولة وصفنا. نحن منظمة إنسانية مستقلة.

أسوأ ما يحدث هو أننا نتعرض للتسييس أو نتأثر بحجج غير إنسانية أو نسمح لأنفسنا بذلك. لذا، علينا أن نبقى محايدين وصادقين بجميع المجالات، وسنبقى هادئين للغاية وواقعيين. أعتقد أن هذه هي أفضل استراتيجية.

سوريا والنظام والعودة

سمعنا كثيرًا عن مباحثات ثنائية بين الجانبين اللبناني والسوري لعودة السوريين إلى بلدهم وإلى مراكز لجوء في سوريا. ما رأيكم بذلك؟

- نحن نرحب بأي شكل من أشكال الحوار بين الجانبين اللبناني والسوري، لتعزيز فرص العودة، ونحن أيضًا نتحدث مع السلطات السورية.

وسبق أن ذهب أعلى رئيس لدينا، المفوض السامي من جنيف إلى سوريا. وسيزورها على الأرجح بالمستقبل القريب مرة أخرى. كما أن زملائي في المفوضية في سوريا يلتقون بوزير الخارجية السوري فيصل المقداد، للبحث بظروف سوريا، والفرص لتصبح مواتية، وحول الأماكن التي يمكن للناس العودة إليها والاستقرار واستئناف حياتهم وسبل عيشهم.

نحن نرحب بأي شكل من أشكال الاتصال بين السلطات اللبنانية والسلطات السورية.

في عام 2022، شهدنا على قافلتين للعودة نظمها الأمن العام اللبناني، بالتعاون مع نظرائهم السوريين.

وقبل أيام، علمت أن الأمن العام اللبناني، يعمل مرة أخرى على فتح باب التسجيل للعودة الطوعية. وإذا كانت طوعية وآمنة وكريمة، وتضم جميع الجهات الفاعلة الرئيسية، فنحن جميعًا نؤيدها.

لذا، نعم، هذا ما نأمل أن نراه، وما إذا كان ممكنًا بناء الثقة، وتراجع أعداد اللاجئين الذين يعبرون الحدود.

بواقعية، هل يمكن أن تعددوا لنا الأسباب الحقيقية التي تعيق عودة السوريين إلى بلدهم، سياسيًا ولوجستيًا ودوليًا؟

- المشكلة ليست لوجستية فحسب.

لكن ما يزيد الأمر تعقيدًا، أن الأسباب التي تدفع الناس إلى الفرار وعدم قدرتهم على العودة قائمة ومتعددة. وهو ما ألمسه خلال زيارتي لعائلات اللاجئين.

ومن أكثر الإجابات رواجًا، حين يسأل عاملو المفوضية بعض اللاجئين "هل تفكرون في العودة؟"، تكون غالبًا "لا"، بسبب دمار قراهم ومدنهم. بينما يعبر آخرون عن رغبتهم بالعودة، إذا كانت مقرونة بشروط وعوامل تضمن سلامتهم، وسط خشية من انعدام فرص الحياة في بعص المدن والقرى.

بالمقابل، هناك عائلات سورية تعلم أن عليها أن تمر مع السلطات السورية بما يسمى "المصالحة"، وهي عبر إبلاغ السلطات وتقديم طلب تبرئة أسمائهم، حتى لا يتم استجوابهم لاحقًا باعتبارهم أشخاصًا فروا وعادوا الآن. وهذا بحد ذاته سبب لعدم رغبة الناس في العودة، لأنهم خائفون.

لذا، نقول بأن ما يحتاجه الناس للعودة هو المزيد من الثقة.

ما ردكم على مقولة وجود مناطق آمنة في سوريا؟ وعلى دعوتكم لتقديم المساعدات للسوريين في سوريا ليستقروا هناك أو البحث عن بلد ثالث لتوطينهم؟

- إن إعادة التوطين في بلد ثالث، أمر نؤيده بشدة. لدينا سنويًا نحو 9000 طلب سوري هنا، وهم في غاية اليأس، للعثور على فرصة إعادة توطينهم في بلد ثالث..

وكثيرًا ما يُطلب منا فعل المزيد بالإطار عينه، لكن ذلك يعتمد على مدى استعداد الحكومات في الخارج لاستقبال السوريين. ويتعين على الحكومات في كندا والنرويج وأيسلندا وهولندا وفرنسا والولايات المتحدة مثلًا، أن تخبرنا دائما أنها مستعدة لاستقبال عدد معين من السوريين من لبنان، وإذا حصلنا على الموافقات، فسوف نعيد توطين المزيد في هذه البلدان.

هذا هو الحال من حيث العدد، ولكنه حل مهم نؤيده دائمًا وندعو إليه بقوة، بالنيابة عن لبنان، فيما نسميه تقاسم الأعباء الدولية. هذه هي الطريقة التي يمكن بها للدول الأخرى إظهار التضامن. وليس من الضروري أن يكون لجميع اللاجئين السوريين، وإنما باستقبال عدد معين.

أما فيما يتعلق بالوضع في سوريا، فهناك بعض المساعدات الإنسانية تصل إلى هناك، فيما سوريا بحالة ركود كبيرة، بسبب قيود التمويل.

لذا يجب أن تكون الرسالة للمجتمع الدولي والدول الفاعلة فيه: دعونا نواصل تقديم المساعدات في سوريا، حتى نتمكن من تهيئة الظروف للعودة.

لكن ذلك ليس كافيًا. لأن العودة بحاجة لمزيد من الضمانات على مستوى الأمن والثقة، حتى يندفع اللاجئون للعودة.

الحل ليس بوقف تقديم المساعدات للاجئين السوريين هنا في لبنان، حتى يعودوا، كما يروج البعض. المساعدات أساسًا انخفضت وقياسًا مع التدهور الاقتصادي.

اللاجئون سيعودون متى توفرت العوامل التي يتخذون على أساسها قرار العودة كما ذكرت سابقاً، كالأمان والسلامة وتوفّر الخدمات الأساسية وغيرها.

أما الحديث عن مناطق آمنة في سوريا لاستقبال مختلف اللاجئين، فهو موضع علامات استفهام، ولم يعلن الجانب السوري شيئًا رسميًا عنها.

ورغم أن انعدام الأمن قد تغير في سوريا، إلا أن الوضع ما زال هشًا.

ويمكن قراءة ذلك بالتقارير الرسمية للأمم المتحدة ومجلس الأمن. ربما تكون هناك بعض المناطق التي تغيرت فيها ديناميكيات الصراع، كحال دمشق مثلًا. ولكن قد يكون لدى اللاجئ السوري الموجود الآن هنا من تلك المنطقة أسبابًا حقيقية تمنعه ​​من العودة، كالخوف من التجنيد الإجباري أو الانتماء إلى جماعة أو حركة معينة.

بالمقابل، قد يكون لديك أشخاص مستعدون للعودة إلى مناطق أخرى، لأنه لن يؤثر عليهم شيء.

وعليه، العودة مسألة شخصية للاجىء، ولا أعتقد أن الحديث عن مناطق آمنة يكفي لجذب اللاجئين.

اللبنانيون والسوريون

كيف تنظرون إلى الحساسية المتصاعدة بين المجتمعين اللبناني والسوري؟

- مع الأسف، لسنا متفاجئين به، لكننا حقًا قلقون للغاية. لذا ندعو جميع الأطراف اللبنانية الفاعلة، ألا تساهم بجعل الوضع أكثر توترًا وحساسية، لأن الظروف أجبرت المجتمعين اللبناني والسوري على التعايش سويًا، إلى حين توفر الشروط المناسبة لعودة اللاجئين.

وأعتقد أن على الجميع تحمل المسؤولية، من أطراف سياسية وحتى وسائل إعلام، لإبقاء الأمور تحت السيطرة وعدم تأجيج الوضع الصعب بالفعل، لأن العواقب سلبية للغاية. كما أن تغذية الحساسية بين المجتمعين اللبناني والسوري، سيجعل الوضع أكثر توترًا، وسيفاقم الضغوط الدولية، وسيصبح الناس أكثر حاجة للمساعدات، فيما نعاني من تضاؤل التمويل.

وفي نهاية المطاف، لبنان يريد الدعم والحلول. وهذان الأمران لا يتحققان بتعزيز الصراع بين مجتمعين بأكملهما، لأن ذلك يعني حصول لبنان على دعم أقل، مقابل تعرضه لمزيد من الانتقادات الدولية.

اللاجئون سيظلون هنا، طالما لا تسمح الظروف بعودتهم.

والعودة تحتاج إلى جهد جماعي ومنسق من جميع الأطراف.

يواجه السوريون حوادث اعتداء، خصوصًا بعد جريمة مقتل المسؤول في القوات اللبنانية بسكال سليمان. ما الأسباب الحقيقية خلف هذه الاعتداءات برأيكم؟

- كثيرًا ما يخبرنا بعض اللاجئين بأنهم تعرضوا للهجوم أو طُلب منهم مغادرة المنطقة أو منزلهم، ونحن نقدم لهم الدعم أو بعض النصائح لضمان سلامتهم.

نشعر بالقلق لأن الوضع مأساوي للغاية. مرة أخرى، نقدم تعازينا من جديد للقوات اللبنانية وعائلة السيد باسكال سليمان، لكن أملنا ألا تتحول القضية لوضع مجتمع ضد آخر، بينما يجب أن يأخذ المسار القضائي مجراه للتحقيق بالجريمة ومعاقبة الفاعلين.

والأزمة فعلًا هي بتعرض مجموعة بأكملها لشكل من أشكال العقاب الجماعي أو الاتهامات الشاملة.

نحن ندعو إلى أكبر قدر من الهدوء وضبط النفس، لأن ربط الجريمة المروعة بضرورة مغادرة جميع السوريين، غير منطقي ومسألة إشكالية.

أكثر من 90% من المهاجرين بحرًا من لبنان، هم من الجنسية السورية. برأيكم، لماذا تتصاعد هجرة السوريين بحرًا من لبنان نحو أوروبا؟

- نحن في المفوضية لا نعتبر هذه التحركات غير قانونية. لأن أي شخص بوضع صعب يحق له أن يتحرك، لذلك نسميها "رحلات غير منتظمة".

نحن نسمع كثيرًا أن اللاجئين السوريين يفكرون بإرسال أحد أفراد العائلة إلى أوروبا باعتباره شريان الحياة. ونسمعهم أيضًا يتحدثون عن مدى خطورة الأمر. لكن الأشخاص اليائسين مستعدون لتحمل قدر هائل من المخاطر، لأنهم إذا نجحوا، سيجدون أنفسهم في البلدان الأوروبية.

والرحلات غير المنتظمة بحرًا، ليست ظاهرة جديدة، لقد فعل كثيرون ذلك دائمًا، وسيواصلون فعل ذلك، ما داموا غير قادرين على اللجوء بصورة نظامية.

أما تصاعد الظاهرة راهنًا، فلأن شريحة واسعة من السوريين يائسة، وهم غير قادرين على العودة إلى سوريا، ولا على البقاء تحت الضغوط الهائلة في لبنان.

ما آخر التطورات بشأن البيانات السورية التي سلمتموها للحكومة اللبنانية؟

- شيئان. في العام الماضي أجرينا بضعة أسابيع من المناقشات المكثفة والتفاعل مع الحكومة، والتي أوضحت عددًا من النقاط. وعلى أساس ذلك، قمنا بتسليم البيانات الأساسية عن اللاجئين المعروفين لدينا إلى السلطات اللبنانية، وكان هناك مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية عبد الله بو حبيب وأحد كبار المسؤولين في المفوضية من جنيف.

ومنذ نحو أسبوعين، قدمت لنا الحكومة طلبًا جديدًا للحصول على بيانات إضافية، وسنرد على الطلب بالفترة المقبلة.

أخيرًا، كيف تنظرون إلى مستقبل الوجود السوري في لبنان؟

- نأمل أن يكون لدى اللاجئين الذين فروا إلى لبنان، فرصة حقيقية للعودة إلى ديارهم. ونحن كمفوضية، لن تسمعونا أبدًا نقول: دعونا نأمل أن يظل لدينا الكثير من اللاجئين خلال خمس أو عشر سنوات من الآن.

ونقول مرة أخرى، سواء أحببنا ذلك أم لا: العودة ستكون على الأرجح عملية صعبة وطويلة الأمد. ليس لأننا لا نريد أن نرى التغيير، بل لأن العودة تحتاج إلى فرص وعوامل خارجة عن إرادتنا.

لذا، دعونا نشمر عن سواعدنا ونبذل ما بوسعنا مع الجهات الدولية الفاعلة، لتصبح العودة احتمالاً حقيقيًا وقائمًا، ما يجعل الوضع أكثر قابلية للإدارة في لبنان.

نحن لا ننكر أن هناك سوريين في لبنان لأغراض اقتصادية تتعلق بالعمل. لكن السوريين موجودون هنا منذ سنوات عديدة، وحتى قبل الأزمة السورية.

أقول ختامًا: لا يمكننا الاستمرار في هذا الوضع، ونحن أكثر المدافعين عن لبنان بهذا الصدد.

دائمًا ما نسمع مواقف مرتبطة بعودة اللاجئين. أما مسألة الحدود البرية بين لبنان وسوريا، فهي مسؤولية الدولة والحكومة.