فراغ في غياب "السيد"...أي خطاب ينتظر جمهوره؟
"على الرغم من الصعوبات والتحديات الجسام، لن نتخلى عن غزة أو أهلها، ولن نتخلى عن فلسطين"...
بهذه العبارات الحازمة، لخّص الأمين العام الشهيد لحزب الله، السيد حسن نصرالله، موقفه الثابت خلال خطابه الأخير في 19 أيلول الجاري، وعقب الهجمات التي استهدفت أعضاء الحزب بأجهزة "البيجر" المتفجرة. أصبح اسم هذا القائد مرادفاً لـ"الوعد الصادق" على مدى ثلاثين عاماً، سواء في عيون الأعداء أو الخصوم، وكذلك في نظر الحلفاء والجماهير المؤيدة للحزب.
بهذه العبارات الحازمة، لخّص الأمين العام الشهيد لحزب الله، السيد حسن نصرالله، موقفه الثابت خلال خطابه الأخير في 19 أيلول الجاري، وعقب الهجمات التي استهدفت أعضاء الحزب بأجهزة "البيجر" المتفجرة. أصبح اسم هذا القائد مرادفاً لـ"الوعد الصادق" على مدى ثلاثين عاماً، سواء في عيون الأعداء أو الخصوم، وكذلك في نظر الحلفاء والجماهير المؤيدة للحزب.
يتكرر هذا الوصف اليوم في مواقع التواصل، ويعيد الناشطون المؤيدون للحزب نشر مقاطع منها. لا دلالات على تواريخ تلك الخطابات، لكنها باتت محفورة في الأذهان، وبسهولة يستطيع جمهوره تذكرها. في عصر الفيديو، بات كل شيء موثّقاً، وساهمت المواقع الالكترونية التابعة للحزب بتوثيقها.
الأمين العام الجديد
عندما تولى السيد حسن نصر الله، منصب الأمانة العامة لحزب الله، العام 1992، كان ذلك بمثابة نقطة تحول في مسيرة الحزب. سرعان ما واجه نصر الله تحدياً كبيراً مع اندلاع عدوان الأيام السبعة في العام 1993، المعروف باسم "عملية تصفية الحساب". كانت خطابات نصر الله في ذلك الوقت نادرة. لكن في تلك اللحظة، برز كقائد قوي وذي رؤية وصاحب "كاريزما"، فألقى خطاباً أكد فيه أن رد الحزب على الاعتداءات الإسرائيلية سيكون حاسماً وقوياً. وأوضح أن الهدف الأساسي للمقاومة هو حماية الشعب اللبناني وإجبار إسرائيل على التراجع عن اعتداءاتها. أثبتت هذه التجربة قدرة نصر الله القيادية، وجعلت خطاباته منذ ذلك الوقت محط أنظار الجميع.
"فصل الخطاب"
بعد انتهاء عدوان الأيام السبعة، أصبح خطاب "السيد" محور اهتمام اللبنانيين في كل مناسبة، سواء كانت مرتبطة بالمواجهة مع العدو الإسرائيلي أو بالقضايا الداخلية، خصوصاً بعد دخول الحزب في حقبة العمل السياسي، إثر مشاركته في الانتخابات النيابية في العام 1992 للمرة الأولى. باتت خطاباته تشكل مرجعية مهمة، رسم من خلالها السياسات ووجّه الرأي العام في السِّلم والحرب على حد سواء، ووثق إعلام الحزب خطاباته ضمن مقاطع تلفزيونية تحت شعار "فصل الخطاب".
في العام 1996، خلال "عملية عناقيد الغضب"، كانت خطاباته حاضرة بقوة، حيث شكّلت دافعاً للصمود بين أنصار الحزب. وفي عام التحرير 2000، ألقى السيد نصر الله خطابه الشهير في بنت جبيل بعد تحرير جنوب لبنان، وهو الخطاب الذي أثار غضب إسرائيل حين وصفها بـ"أوهن من بيت العنكبوت". دفع ذلك الخطاب إسرائيل في حرب تموز 2006 إلى محاولة رفع علمها في المكان ذاته الذي ألقى فيه خطابه، حسبما أفاد الاعلام العبري.
حرب 2006
لكن تلك التجربة، تطورت بشكل مذهل في حرب تموز 2006. بعد مؤتمره الصحافي الشهير صبيحة 12 تموز، عند خطف الجنديين، باتت خطابات نصر الله محل ترقّب. منح جمهوره دفعة نفسية كبيرة في خطاب أعلن فيه استهداف البارجة الإسرائيلية "ساعر" وقال: "أنظروا إليها تحترق"، وهو الإعلان الذي رفع معنويات جمهور المقاومة وشكل لحظة فارقة في الحرب.
على الرغم من انقطاع الكهرباء، كان الناس يتجمعون في المقاهي والأماكن العامة التي تتوافر فيها الكهرباء، لمتابعة خطاباته، في مشاهد لا تزال محفورة في الذاكرة الجماعية.
في كل مفصل، كان الناس ينتظرون خطابات نصر الله، المُقلّ في المقابلات التلفزيونية، والبعيد من المؤتمرات الصحافية، والمحتاط أمنياً بفعل التهديد الدائم له.
خطاب "طوفان الأقصى"
مع دخول حزب الله في معركة "إسناد" قطاع غزة، في 8 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، التزم نصر الله الصمت لمدة 20 يوماً. في ذلك الوقت، بقي صمته محل تساؤل، الى أن أدلى بخطاب شهير نقلته جميع المحطات التلفزيونية الناطقة باسم حلفائه أو خصومه أو الوسطية منها.
واصل نصر الله إلقاء خطاباته التي كانت بمثابة بوصلة للجمهور، سعت إلى توجيههم وتعزيز وحدتهم، رغم اختلاف الآراء حول تلك المشاركة. اليوم، ومع تصاعد القصف الذي يطاول مختلف المناطق اللبنانية، يجد لبنان نفسه في خضم حرب قد تكون الأشد ضراوة منذ العام 1982، وربما تتجاوز في حدتها ذلك الاجتياح.
ماذا بعد الغياب؟
في هذه اللحظات، يشعر جمهور حزب الله بفراغ كبير، إثراستشهاد السيد حسن نصر الله، الذي كانت كلماته الملهمة تمثل دعامة للاستقرار النفسي والروحي على مدى أكثر من ثلاثين عاماً. البلاد تعاني من ظروف قاسية وثقيلة، وكان نصر الله بخُطبه القوية، يترك دائماً بصمة لا تُمحى في قلوب وعقول محبيه.
يقول جمهوره إن ظهوره في الأوقات المصيرية، كان يبث الطمأنينة للمحبين ويحدد المسار للحلفاء والخصوم. اليوم، يجد هذا الجمهور نفسه في حالة من الحيرة والضياع، ويتطلع إلى من يملأ الفراغ الكبير الذي تركه "القائد الشهيد"، ولا يرى في الأفق، حتى الآن على الأقل، بديلاً يمكنه أن يلهمهم ويوجههم بالدرجة نفسها التي كان يحققها "السيد".