السيرة المجهولة لمحمد عفيف: مهندس ميكانيك بات صوت "الحزب"
لم يكن محمد عفيف، أحد مؤسسي العمل الإعلامي في حزب الله منذ انطلاقته، كثير الظهور قبل اندلاع الحرب على لبنان في أيلول/سبتمر 2024. لكن مع بداية الحرب الموسعة، واغتيال أمين عام الحزب، أصبح اللبنانيون والصحافيون يترقبون إطلالاته التي كانت تحمل طابعاً غير سياسي، ووضعته، في مواجهة مع إعلاميين، للمرة الاولى، حين انتقد قنوات تلفزيونية ومنصات إعلامية، فنال الحصة الأبرز من الهجوم السياسي الداخلي على الحزب.
لم يكن عفيف، المعروف باسم "أبو هادي"، ليتولى هذه المهمة، ويتحول الى مركز الانتقاد، لولا الدور الذي لعبه في لحظة حرجة في تاريخ الحزب وبعدما عانى طوال 3 أسابيع من شغور على مستوى القيادة. أدلى بالموقف السياسي، كما عبّر عن الموقف الميداني.. فيما أحجم نواب الحزب عن الكشف المفصّل عن معطيات الميدان، لضرورات مواقعهم السياسية، كما أحجموا عن إطلاق التهديدات لرئيس حكومة الحرب الاسرائيلية بنيامين نتنياهو. عندها تولى عفيف ذلك شخصياً، كـ"ناطق باسم الحزب"، وفي مسعى لعدم تمديد الشغور إعلامياً بالحدّ الأدنى، مما صنع فارقاً، ربما أحرجه في أوساط الحزب!
ابن العلامة النابلسي
هو محمد عفيف النابلسي، لكنه عُرف بلقب "محمد عفيف" نسبة إلى اسم والده العلامة الراحل الشيخ عفيف النابلسي، العالم الشيعي اللبناني البارز والمرجع الديني. يتحدر من بلدة البيسارية في جبل عامل، بالقرب من مدينة صيدا. ويُعتبر والده الراحل أحد رموز مدينة صيدا الجنوبية.
وُلد محمد عفيف العام 1959 في العراق (مدينة النجف الأشرف)، حيث كان والده، العلامة الشيخ عفيف النابلسي، يتلقى علومه الدينية في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف. ما لا يعرفه الكثيرون، هو أن محمد عفيف مهندس ميكانيك، وقد أكمل دراسته في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، وتخرّج في العام 1980 وبعدها عاد إلى لبنان.
العلاقة مع نصرالله
تمتد علاقة محمد عفيف بالسيد حسن نصرالله، الأمين العام الراحل لحزب الله، سنوات طويلة تعود إلى ما قبل تأسيس الحزب. نشأت هذه العلاقة من خلال والده الراحل، حيث تعرّف على السيد نصر الله في العراق أثناء دراستهما معاً في الحوزة العلمية، فكان والد محمد عفيف والسيد نصر الله طلاباً للعلوم الدينية. منذ ذلك الحين، توطدت العلاقة بينهما وأصبحت صداقة استمرت على مر السنين.
انتسب محمد عفيف إلى صفوف حزب الله منذ نشأته العام 1982، ونتيجة لصداقته مع نصرالله، بدأ العمل معه، إذ كان "السيد" آنذاك مسؤولاً تنظيمياً عن منطقة بيروت. بعدها، عمل كمعاون إعلامي للسيد نصر الله عندما تولّي الأخير الأمانة العامة للحزب، بعد اغتيال السيد عباس الموسوي في بلدة تفاحتا في شباط 1992.
وكان الظهور الأبرز لمحمد عفيف إلى جانب السيد نصر الله، خلال تلقّي الأخير العزاء باستشهاد نجله هادي العام 1997.
"قائد إعلامي"
عُرف الحاج محمد بالشخص الخلوق، الهادئ، والمرن، إذ بنى علاقات متينة مع وسائل الإعلام المحلية والدولية، وكان يُمدَح من الخصوم قبل الحلفاء. تولّى هذه المسؤولية لسنوات طويلة، وخلال تلك الفترة لم تحصل أي إشكالات مرتبطة به. لاحقاً، شغل منصب مديرية الأخبار والبرامج السياسية في قناة "المنار"، التي كانت في تلك الفترة محط الأنظار محلياً وعربياً. وناضل في قضية حظر القناة عن الأقمار الاصطناعية، وكان له دور بارز في هذا السياق.
وخلال حرب 2006، نجا محمد عفيف من أولى استهدافات القناة في حارة حريك في الشارع العريض، حيث أصرّ على البقاء في مبنى القناة لمتابعة مهامه، وعمل بعدها جندياً خفياً طوال أيام الحرب الـ33، فأدار غرفة الأخبار التي كانت أشبه بغرفة عمليات. وفي العام 2014، كُلّف بمسؤولية وحدة العلاقات الإعلامية، إلى أن بدأ العدوان على لبنان.
محمد عفيف، المعروف في أوساطه بالرجل الزاهد، والخلوق، لم يترك مهامه وكان حاضراً ومتصدّياً للعمل، حتى عندما غابت قيادة الحزب عن السمع. عقب اغتيال السيد نصر الله ثم السيد هاشم صفي الدين، كان حاضراً. لذلك، أصبح وصفه في بيان "العلاقات الاعلامية" للحزب، بأنه "قائد إعلامي كبير"، متناسباً مع الدور الذي لعبه أخيراً، علماً أنه عضو في المجلس السياسي لـ"حزب الله".
هذا الاغتيال يختلف كثيراً عن سابقاته؛ فالرجل مدني ومعروف، ولا يتخذ إجراءات أمنية، ولا يُعد اغتياله إنجازاً أمنياً بحد ذاته. بل يحمل هذا الاغتيال دلالات مختلفة عن العمليات السابقة التي نفذها العدو الإسرائيلي، وقد يكون إشارة لبداية مرحلة جديدة من الضغوط، بهدف دفع الحزب إلى رفع الرايات البيضاء في الاتفاق الذي يسعى العدو للتوصل إليه.