مزارعون لبنانيون يحصدون الزيتون تحت أزيز الطائرات الإسرائيلية

المدن - ميديا
الثلاثاء   2024/11/19
قطاف الزيتون في بلدة الكفير الجنوبية (Getty)
في ظل شجرة الزيتون وأزيز الطائرات الحربية، يجمع أسعد التقي حبوب الزيتون مع مجموعة من العمال في إحدى قرى جنوب لبنان، متحدين الخطر المحدق بهم بسبب التصعيد المتواصل بين حزب الله واسرائيل.

وتظهر في الأفق سحابة دخان ناجمة عن قصف إحدى القرى الحدودية مع اسرائيل، لكن التقي وزملاءه يواصلون القطاف بابتسامة في حقل الزيتون العائد لأحد سكان قرية الكفير الواقعة في منطقة حاصبيا في جنوب لبنان وتبعد حوالى تسعة كيلومترات عن الجولان السوري المحتل، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".

وقال التقي (51 عاماً) واقفاً في ظل شجرة يجمع حبوبها: "نحن نعمل هنا في منطقة الكفير القريبة من القصف"، لكنني "لست خائفاً من القذيفة.. إن وجودنا هنا تحد للقصف". وأكد الرجل الذي لوحت الشمس وجهه: "سنبقى مستمرين" فهو يرى أن "الزيتون أفضل ثمرة وشجرة سلام".

وبعصا خشبية، هز التقي إلى جانب العمال والعاملات الشجرة لتتساقط منها الحبوب على كيس من الخيش، مختلطة بأوراقها. وتظلل العمال بغصون الأشجار عند استراحة الغداء جالسين على الصخور الوعرة التي تتكون منها أرض هذه القرية المرتفعة نحو 900 متر عن سطح البحر وتقع على سفح جبل الشيخ عند مثلث الحدود اللبنانية والسورية والجولان المحتل.

وقالت حسنا حماد (48 عاماً) العاملة مع التقي في قطاف الزيتون: "لا نشعر بالخوف، اعتدنا على الأمر، وصامدون. بل نخاف على أخوتنا المتضررين من الحرب"، مضيفة أن هذا العمل: "يشكل مصدر رزق لنا" رغم التحديات، علماً أنهم جزء من قلة محظوظين في الجنوب تمكنوا من قطف موسم الزيتون هذا العام، فالقرية ذات الغالبية المسيحية والدرزية بمنأى حتى الآن عن نيران الحرب بشكل مباشر، رغم تكثيف اسرائيل لقصف مناطق واسعة في جنوب لبنان وشرقه منذ 23 أيلول/سبتمبر الماضي، وبدئها عملية برية في 30 منه.

ومنعت المعارك والقصف كثيراً من السكان من العودة إلى قرى أخرى في جنوب لبنان تعرضت لدمار كبير. وكثير من البلدات هجرها أهلها ولم يعد لأراضيها من يحصدها، فيما قدر البنك الدولي دمار "نسبة 12% من بساتين الزيتون" في المناطق المعرضة للقصف في جنوب البلاد وشرقه، وتوقع في تقرير نشره الأسبوع الماضي أن "يؤدي تعطيل حصاد الزيتون بسبب القصف والنزوح إلى خسائر تبلغ 58 مليون دولار أميركي".

وفي الكفير، تتوزع أشجار الزيتون في كل مكان حتى الأفق حيث يظهر جبل الشيخ الذي لم يغط الثلج قممه بعد. وقرب كل حقل، سيارة أو سيارتان تؤشر بوجود العمال أو أصحاب أرض يعملون على قطف الزيتون في هذا الموسم. وفي نهاية يوم العمل الذي غالباً ما يتخلله خرق الطائرات الحربية الاسرائيلية لجدار صوت، يرفع العمال أكياس الزيتون على ظهورهم، ويحملونها على شاحنات استعداداً لنقلها من أجل تخزينها أو عصرها وتحويلها إلى زيت.

وبينما يحصد كثر محاصيلهم بأيديهم، يخاف آخرون أن يأتوا إلى القرية ما أثر بشكل غير مباشر على عمل سليم كساب (50 عاماً)، صاحب معصرة زيتون تقليدية في الكفير.

وقال الرجل فيما وقف داخل المعصرة التي ورثها عن والده أن "العديد من الناس لم يأتوا بأنفسهم لحصد الزيتون" هذا العام "بل أحضروا عمالاً ليقطفوا عنهم" من خارج القرية، "هؤلاء يعصرون الزيتون خارج القرية أيضاً"، وفق كساب، ما أثر سلباً على عمله. وأضاف كساب الذي جاء إلى القرية وحيداً هذا الموسم من دون زوجته وأولاده خشية من مخاطر الحرب: "هناك خوف من الحرب طبعاً، ليس لدى الجميع الجرأة للقدوم إلى هنا".

وداخل البناء الحجري القديم في أحد الشوارع الضيقة في القرية، دأب العمال على نقل الزيتون من آلة إلى أخرى لهرسه وعصره وتحويله إلى زيت. وأتى صاحب محصول مع مطرات زرقاء كبيرة لجمع الزيت والاطمئنان على سير العمل.

قبل الحرب، كان كساب يصلح آلالات العصر في منطقة النبطية أو صيدا في جنوب لبنان، لكن الوصول إلى تلك المناطق بات مستحيلاً حالياً بسبب القصف، وينبغي البحث عن حلول في مناطق أخرى. وأضاف: "يحتاج إصلاح أي عطل ثلاثة إلى أربعة أيام بدل يوم واحد".

وفي جنوب لبنان وشرقه، تسببت الحرب بـ"حرق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية" أو "بالتخلي عنها"، إلى جانب "فقدان المحاصيل بسبب نزوح المزارعين من الجنوب" نتيجة القصف الاسرائيلي، بحسب تقرير البنك الدولي، كما تسببت الحرب في لبنان بنزوح نحو 900 ألف شخص، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

وبشكل عام، وخلال التصعيد المستمر منذ أكثر من عام، بلغت قيمة "الأضرار التي لحقت بقطاع الزراعة حتى تاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2024 حوالى 124 مليون دولار"، لكن في الكفير تشكل حقول الزيتون مصدر رزق لغالبية سكانها الذين يصفونها بالأشجار "المباركة".

وفي أحد أزقة القرية، باب صغير تفوح منه رائحة الزيتون الطازج. هنا غسلت إنعام أبو رزق (77 عاماً) وزوجها الثمار استعداداً لحفظها في قوارير تدوم طوال الشتاء حتى الموسم المقبل، أو تحويلها إلى زيت. وتقطف إنعام الزيتون في قريتها كل عام منذ عقود، وتنظف المحاصيل وتوضبها، ولم تشأ أن يكون هذا العام مختلفاً.

وقالت أبو رزق: "نخاف طبعاً، هناك صوت قصف، وصوت طائرات" لكننا "نحب شهر الزيتون كثيراً، نستفيد منه. فنحن فلاحون وعملنا بالأرض".