باسم ياخور في أسواق دمشق: الاقتصاد السوري بخير!

وليد بركسية
الجمعة   2023/08/04
لا يمل الممثل السوري باسم ياخور من تقديم نفسه على أنه ابن السلطة المدلل، مهما كان الظرف الذي تمر به البلاد إنسانياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً. فالنجم الذي يطرح نفسه كنسخة أكثر شباباً من الممثل دريد لحام، مُتهم على نطاق واسع بالولاء للنظام والتعامل مع الأجهزة الأمنية لتقديم أعماله الناقدة الساعية فقط إلى امتصاص غضب الشارع في لحظة معينة وإعطاء انطباع زائف بوجود حريات وهامش للنقد في البلاد، وهو ينشر مقاربات منحازة إلى السلطة تقول أن الاقتصاد السوري مازال بخير، حتى مع انهيار سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الرئيسية.


ونشر ياخور (51 عاماً)، الخميس، مقطع فيديو من دمشق، بشكل تحدٍّ أمام جمهوره المحلي والعربي الأوسع. "ماذا تشتري الـ10 آلاف ليرة سورية اليوم؟"، مقدماً عشرات الأجوبة، من البسكويت إلى الحلويات والعصائر والألبسة والفواكه واللحوم. وبينما تجوّل في الشوارع والتقط صور السيلفي مع البائعين والسكان ولاعب الأطفال ومازح السيدات اللواتي ألقين عليه تحيات الإعجاب، راح يستهزئ بالهموم المحلية عبر عدم الحديث عنها كلياً كأنها غير موجودة إلا لدى "المغرضين والطابور الخامس" حسب تعبير العاملين في الإعلام الرسمي.


وقدم ياخور خلاصة عزا فيها كل مشاكل البلاد الاقتصادية إلى التضخم الاقتصادي الذي أصاب كل دول العالم بما فيها أوروبا والولايات المتحدة بسبب الحرب في أوكرانيا، لكن ذلك التعميم السامّ ليس دقيقاً لأن الانهيار في البلاد ليس طارئاً كما الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي فقط، بل كان حاضراً طوال العقد الماضي، إذ تراجعت ميزانية سوريا من 60 مليار دولار قبل الحرب، إلى 15 ملياراً العام 2016 على سبيل المثال، مع بروز عدد من الوجوه الجديدة التي باتت تملك الثروة في سوريا، وتقدم الدعم المالي للنظام، وتدعم بقاءه في الحكم بأساليب أسهمت في انهيار ما تبقى من اقتصاد البلاد، مع القضاء على الطبقة المتوسطة وتوسع الثغرة القائمة أصلاً بين الفقراء والأغنياء، في دولة تصنفها "منظمة الشفافية العالمية" كثاني أكثر دول العالم فساداً.

والحال أن "برنامج الأغذية العالمي" التابع للأمم المتحدة، قال في وقت سابق من العام الجاري، أن حوالي 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون انعدام الأمن الغذائي، ما يجعلها من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم. لكن هول ذلك الرقم يختفي مع ضحكات ياخور ونكاته ثقيلة الظل التي تبدو وكأنها تقرّع السوريين ممن يشكون الفقر والسياسات الاحتكارية الرسمية: كل شيء بخير، الحياة تستمر والعصافير تزقزق ولا مشاكل إلا بالحد الأدنى الذي يستوجب الضحك والاستهزاء العابر. وتصل تلك الرسالة السامة إلى جمهور أوسع، عطفاً على شهرة ياخور كفنان بقاعدة شعبية عربية.

والفيديو ليس جديداً في فكرته، بل هو الجزء الثاني من فيديو مشابه قدمه ياخور العام 2021، وتساءل فيه عما يشتريه مبلغ 1000 ليرة سورية حينها. وفيما أراد الممثل أن يقارن الأسعار في المحلات نفسها، فإنه يقدم ذلك للقول أن كل شيء مازال رخيصاً حتى لو ارتفع سعره نسبياً، وذلك لأن الأسعار في سوريا رخيصة عندما تحسب بالدولار مثلاً لشخص سائح يمتلك المال الكافي. ولا يشير ياخور إلى الفقر الذي يطاول أكثر من 90% من السوريين القاطنين في الداخل السوري بحسب تقديرات الأمم المتحدة للعام 2023.


هذا التكرار ليس مفاجئأً، لأن دعاية النظام السوري الرسمية وغير الرسمية باتت شديدة التكرار في السنوات الأخيرة، بشكل يوازي الجمود السياسي العام في البلاد. وربما يعود ذلك لكون الانتقادات الموجهة للسلطة مكتومة بفعل قوانين الجريمة الإلكترونية وأسعار باقات الإنترنت الباهظة التي تمنع الأفراد من الوصول للمعلومات وطرح نقاشات مختلفة في مواقع التواصل، ما ينفي بالتالي الحاجة لوجود جهود دعائية مبتكرة مثلما كان عليه الحال في سنوات الثورة السورية التي انقلبت إلى حرب كادت تطيح النظام العام 2015 لولا تدخل الحلفاء الروس والإيرانيين ميدانياً بشكل مباشر.

وفي ما يخص الاقتصاد السوري، كانت الانتقادات شديدة قبل سنوات ووصلت إلى حد التظاهر مثلاً في محافظة السويداء، جنوبي البلاد، تحت شعار "بدنا نعيش"، وكانت صور الطوابير تملأ مواقع التواصل بموازاة الشتائم التي تلاحق الوزراء المختلفين، مع استجداء الرئيس بشار الأسد شخصياً للتدخل من أجل محاربة الفساد و"دواعش الداخل". لكن الأسد رد على ذلك العام 2020 بمرسوم جرّم نشر "الأخبار الوهمية" عن سعر صرف الليرة، في تجسيد فعلي لاعتبار النظام المشكلة الاقتصادية في البلاد "وهماً" حسب تعبير المستشارة الرئاسية بثينة شعبان.

وتدريجياً عادت البلاد إلى ما كانت عليه قبل العام 2011 إعلامياً ودعائياً، إذ يتحدث الإعلام الرسمي عن الكوكب كله باستثناء سوريا التي تنشغل قيادتها بأمور أهم من "تفاهات" الحياة اليومية، مثل المساهمة في بناء نظام عالمي جديد ومقارعة إسرائيل وتمثيل المقاومة الحقيقية والوقوف في وجه الإمبريالية والهيمنة الأميركية، وكلها عبارات عادت إلى واجهة الصحف الرسمية والتلفزيون السوري مؤخراً وبكثافة.

من جانب آخر، يقدم الممثلون والشخصيات المقربة من السلطة، الدعاية المحلية الناعمة لأغراض عديدة، أبرزها تنفيس استياء الشعب من الوضع الاقتصادي وانعدام الخدمات، وخلق وهم بوجود حريات ومتابعة ومساءلة في بلد يصف نفسه بأنه يمثل "الديموقراطية الحقيقية". ويتم تدوير ذلك كله حكومياً عبر ما يُسمّى مساءلة الحكومة من قبل مجلس الشعب، كما جرى في تموز/يوليو الماضي، مع حشد كبير لجلسة البرلمان بوصفها حيوية وتمثل مبدأ فصل السلطات، من دون أن يكون لذلك أثر يُذكر على أرض الواقع.

والدراما السورية أيضاً تؤدي دوراً كبيراً منذ عقود في الدعاية الرسمية، حيث تتحكم المخابرات والأجهزة الأمنية بشركات الإنتاج والممثلين وتوزيع الأدوار والرقابة على النصوص وغيرها، ويلعب الممثلون دوراً آخر يتمثل في تقديم الدعاية خلال اللقاءات الإعلامية والتصريحات الصحافية وعبر مواقع التواصل، مقابل السماح لهم بالعمل وأخذ مساحة أكبر، في علاقة تبادل للمصالح. وهذه ليس مجرد تقديرات، بل هو واقع تم توثيقه بشهادات عشرات الممثلين والعاملين في الوسط الفني. وزادت تلك الشهادات بالطبع بعد الثورة في البلاد، ومَيل فنانين ومثقفين سوريين إلى جانب المعارضة وخروجهم عن سلطة النظام.

وياخور، بمثل هذه الفيديوهات عبر قناته في "يوتيوب"، يمثل نموذجاً على ذلك، بموازاة مسلسلاته "الناقدة" التي قدمها في الأعوام الأخيرة وأبرزها مسلسل "ببساطة" الكوميدي العام 2019. واللافت أنه يقدم الفيديو الجديد بالتوازي مع انتقادات شديدة للهجة للسلطة من قبل البيئة الحاضنة للنظام، بما في ذلك ناشطون من الساحل السوري. لكن تلك الأصوات، ومن ضمنها ياخور، لا تعبّر عن الشارع، بل تحاول التحكم فيه. ويبرز الاستياء في مجموعات السوريين المغلقة في مواقع التواصل، وفي منشورات باتت نادرة، من بينها منشورات لجرحى قوات النظام والذين كانوا يُعاملون كقديسين في الدعاية الرسمية قبل نبذهم.

ويجب التذكير بأن ياخور أحجم قبل عقد كامل، عن المشاركة في التظاهرات المنددة بنظام الأسد، والتزم الصمت واتخذ موقف الحياد، ليُعتبر موقفه بشكل عام خيانة لثورة شعب طالب بالحرية. وتدريجياً مع مرور السنوات، خرج ياخور عن صمته بتكراره خطاب السلطة ودفاعه عن نظام الأسد. وبدأ يروج لنفسه كفنان ناقد للسلطة في القضايا المحقة، العام 2019، عندما نشر صورة لنفسه يحتضن جرّتين من الغاز أثناء الاحتجاجات العامة على مشاهد الطوابير التي شهدتها البلاد نتيجة فقدان مادة الغاز المنزلي، والتي بلغت حد إرسال رسائل في مواقع التواصل من فنانين وشخصيات عامة، للأسد والقيادة الحكيمة من أجل التدخل لحل مأسأة الشعب السوري الاقتصادية، بلا جدوى.