إعلام إسرائيل عن العلاقة مع روسيا: "توتر" وليس "أزمة"!
بإيقاع مضبوط، وكأنه توتر بين روسيا وإسرائيل تسببت به قضية الهاكر الروسي أليكسي بوركوف المعتقل لدى تل أبيب والمطلوب للولايات المتحدة بشبهة ارتكاب مخالفات جنائية، في مقابل حكم ثقيل بحق فتاة إسرائيلية تعتقلها موسكو على خلفية حيازتها مخدرات.
توتر بدأ سياسياً ووراء الكواليس في الأشهر الأخيرة، ثم سرعان ما تحول إلى قلب الإعلام الإسرائيلي وإن لم يصل إلى مستوى "الإشتباك الإعلامي"، مع محافظة هذا الإعلام على صيغة تجمع بين أسلوب المناشدة و العتب على روسيا.. ولهجة النقد والغضب في أحيان أخرى.
الحال، أن التوتر السياسي والإعلامي الحاصل في إسرائيل ليس بسبب أن الأزمة مع دولة روسيا أو لوجود مُنطلق سياسي وأمني للقضيتين، فهما بالمحصلة جنائيتان بإمتياز.. بل، لأن الولايات المتحدة هي طرف بهما أيضاً، فهي تدخل في صُلب القضيتين الجنائيتين ما شكل عاملاً أفسد نضوج صفقة لتبادل السجينين بين موسكو وتل ابيب.. فالهاكر بوركوف هو مواطن روسي متخصص بتكنولوجيا المعلومات اعتقلته إسرائيل سنة 2016 بطلب من الشرطة الدولية "الإنتربول". وهو مطلوب لدى الولايات المتحدة للإشتباه بقيامه بسرقة ملايين الدولارات من مواطنين أميركيين من خلال بطاقات الائتمان.
وأما بشأن الفتاة الإسرائيلية نعما يسسخار والمعتقلة في روسيا منذ ستة أشهر بتهمة حيازة 9 غرامات من المخدرات أثناء المرور في مطار موسكو عندما كانت في طريق عودتها إلى إسرائيل قادمة من الهند، فهي تحمل الجنسية الأميركية إضافة إلى الإسرائيلية؛ الأمر الذي جعل واشنطن جزءاً مهما في هذه القضية أيضاً، ما أضاف حساسية وتعقيداً عليها.
والحق، أن الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت احرونوت" حاول أن يُلمّح- ضمناً- إلى اميركا كسبب في عدم المضي قدماً في مقترح روسي ومن ثم إسرائيلي في الأشهر الأخيرة لإطلاق سراح يسسخار في مقابل الإفراج عن أليكسي بوركوف.. لكن الصحيفة تحاشت أن تطرح واشنطن كحجرة عثرة أمام هكذا اتفاق، عبر الترويج لمسألة تسليم المعتقل الروسي للولايات المتحدة في وقت لاحق ك"إجراء قانوني إلزامي"؛ بسبب صدور قرار بذلك من المحكمة العليا في إسرائيل، وعندئذ "لا صفقات سياسية تعلو على صوت المحكمة العليا".
الواقع، أن التبريرات الإسرائيلية التي هدفت الى لجم التوتر مع روسيا بدت متناقضة، فبينما تذرع مسؤول إسرائيلي وصفه الإعلام العبري بـ"الكبير"، بأن الإتفاق بين موسكو وتل ابيب لم يتحقق؛ لأن الأخيرة كانت قد بدأت فعلاً بإجراءات التسليم الرسمية للهاكر الروسي للولايات المتحدة، بناء على قرار المحكمة العليا الإسرائيلية.. نجده وقد وضع في الإعتبار أيضاً بُعداً سياسياً لا يُمكن إغماض العين عنه، ألا وهو عدم الرغبة الإسرائيلية في إثارة غضب الولايات المتحدة.
بالرغم من محاولة هذا المسؤول الإسرائيلي ومعه وسائل إعلام عبرية تسويغ الأمر على أساس قانوني؛ إلا أنهم أظهروا مدى تأثر إسرائيل بالضغط الأميركي، وخشيتها من أن تؤدي قضية "قرصان الإنترنت" إلى تفجر العلاقة مع إدارة دونالد ترامب وحتى مع أطياف أميركية أخرى، في حال تم عقد صفقة تبادل السجناء المذكورة.
بيدّ أن حكاية التوتر لم تنتهِ على هذا النحو لمجرّد تعثر صفقة تبادل السجينين؛ فقد راحت إسرائيل لتمزجَ بين أسلوبي اللعب على وتر العاطفة في حديثها عن السجينة الإسرائيلية.. وبين توجيه نقد لاذع لما أسماه وزراء إسرائيليون بـ"الحكم الروسي الجائر" والذي صدر بحق الفتاة الإسرائيلية-الأمريكية الأسبوع الماضي، كرد من موسكو على رفض تل أبيب تسليم أحد مواطنيها الروس.
وتجلّى لجوء إسرائيل للأسلوب "البكائي" تحت عنوان "لن تتخلى عن مواطنتها"، حينما وجه الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، الأحد الماضي، رسالة مناشدة إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، يطالبه فيها بالإسترحام والعفو عن هذه الفتاة الإسرائيلية بإعتبار أنها "في مقتبل العمر ولا يوجد لها سوابق جنائية وأن سَجنها سيؤثر عليها كثيراً ومدى حياتها". وقد تصدرت هذه المناشدة عناوين الصحافة العبرية.
وسعى ريفلين للتأثير على بوتين، عبر تذكيره بما قام به سابقاً بإعادة جثة الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل الذي قتل في معركة "السلطان يعقوب" جنوب لبنان عام 1982، حيث نُقلت رفاته من سوريا إلى إسرائيل بمساعدة روسية.. وأشار ريفلين في رسالته "إلى أن الشعب الإسرائيلي يقدّر ذلك كثيراً".
وكما هو معتاد، لن يفوّت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الفرصة كي يتباهى بـ"جهوده التي لم تتوقف منذ الوهلة الأولى للإفراج عن الشابة الإسرائيلية لدرجة انه عمل شخصياً من اجلها وتحدث مع بوتين خلال زيارته إلى سوتشي قبل عدة أسابيع، وطرح هذا الموضوع مرة أُخرى أثناء المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما الأسبوع الفائت "..
لم يكتفِ نتنياهو بإستعراض جهده، بل وقال إنه أعلى صوته بشأن قضية الفتاة الإسرائيلية، عندما نقل "رسالة واضحة" إلى روسيا، وفحواها أن "العقاب الذي أنزلته المحكمة الروسية بيسسخار وهو السجن 7 سنوات ونصف السنة ليس ملائماً ولا يليق بطبيعة المخالفة التي تُنسب إليها".
لم يقتصر التفاعل الإعلامي الإسرائيلي حدّ مناشدة ريفلين، ولا لمجرد توضيح نتنياهو لموقفه.. فقد ارتفع صوت الهجوم الإسرائيلي بشدة إزاء "السلوك الروسي" في هذه القضية.
وقال وزير شؤون البيئة الإسرائيلي زئيف إلكين، المحسوب على حزب الليكود، إن روسيا تقوم بالإستقواء على فتاة إسرائيلية لإعتبارات لا يمكن تفهمها أو تبريرها. فيما اعتبر وزير الخارجية يسرائيل كاتس إن روسيا فرضت عقوبة ثقيلة وغير ملائمة على "شابة إسرائيلية ليس لها سجل إجرامي".
ولأول مرة، انتهز الإعلام العبري الفرصة- انطلاقاً من واقعة الإعتقال لفتاة إسرائيلية- ليسلّط الضوء على أوضاع وظروف اعتقال السجناء في روسيا. كما وسمحت روسيا لوالدة يسسخار الإلتقاء بها من خلف الحاجز الزجاجي في السّجن.
وبموازاة ذلك، انطلقت حملات إسرائيلية رسمية وشعبية للإفراج عن الفتاة يسسخار، وقد ركزت عليها صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو.
ومع ذلك، اهتمت هيئة البث الإسرائيلية "كان 11" بنقل رسالة قادمة من "قُرصان الإنترنت" الروسي المتواجد في قبضة الأمن الإسرائيلي، ومفادها "مستعد العودة لروسيا والمحاكمة هناك".
لكن السؤال الأبرز هو: ماذا بعد هذا التوتر والإستجداء اللذين تسللا إلى الإعلام؟.. على الرغم من أن خلافات أكبر من ذلك بين الطرفين فيما يخص الشأن السوري وغيره، حرصت موسكو وتل أبيب على علاجها بعيداً عن الاعلام!.. وفي حال سلمت إسرائيل فعلاً هذا الهاكر، هل تتأثر علاقتها بروسيا؟.. أم أن اللحظات الأخيرة، ربما تحمل في طياتها مقايضات ثلاثية (أمريكية وإسرائيلية وروسية) ستفضي لحل ما!
بالعموم، ترصد "المدن" قراءات معمقة مفادها أن ما يظهر بالإعلام على أساس أنه توتر بين الجانبين، لا يرتقي لمستوى أزمة؛ ذلك أن المصالح المشتركة بين الدولة العبرية وروسيا أكبر بكثير من قضية سجين روسي وأخرى إسرائيلية على خلفية جنائية. صحيح أن روسيا تضغط على إسرائيل لعدم تسليمه إلى اميركا، إلا أنه حتى لو تم تسليمه- وهو المرجح كونه قرار إسرائيلي قانوني- فإن ذلك لن يسبب أزمة.. وقد يتدخل بوتين بعد أشهر قليلة ويطلق سراح الفتاة الإسرائيلية.
والحال، أن موقف إسرائيل من بشار الأسد وسكوتها على ما يجري في سوريا، هو أهم استراتيجيا بكثير بالنسبة لبوتين من قضية السجناء وإن أدت إلى توتر.
حتى أن هناك سرا ما بعلاقة الثلاثي نتنياهو وبوتين وترامب، ما يجعلها صداقة شخصية تتعدى الجانب السياسي، وهذا عامل آخر سيحول دون حدوث أزمة سجناء، كما يعتقد مراقبون.. غير أن صحيفة "هآرتس" حسمت هذه المسألة بالقول "إن نتنياهو لم يأخذ بالحسبان أي شيء: لا أصدقاء لبوتين".