الإعلام الإلكتروني يضيء عتمة الإعلام في "نكبة سيناء"
لم ينتظر الجيش المصري طويلاً، قبل أن يبدأ في تنفيذ القرارت الحكومة لإنشاء منطقة عازلة على حدود رفح وإخلاء السكان من 800 منزل وتفجير البيوت بشكل مباشر من دون إعطاء مهلة كافية للأهالي. لم يكن واضحاً ما يجري في سيناء بسبب التعتيم الإعلامي وقطع شبكات الهاتف الخلوي. لكن ذلك التعتيم، انكسر فورة عودة شبكة الإنترنت للإستخدام، ما حوّل القضية من إجراء ينفذ في الخفاء، الى معاناة شعبية تستحق أن يُطلق عليها: قضية رأي عام في غزة.
وبدأ الإعلان الإلكتروني مع إعلان الناشط همام الآغا من بيته الواقع في المنطقة المزمع تحويلها الى منطقة عازلة، قائلاً إن "الجيش المصري أعطانا مهلة 12 ساعة لإخلاء بيتنا من دون التشاور معنا ومن دون إبداء أي أسباب أخرى فما كان منا إلا الخروج". تلك التغريدة، تخالف ما تورده بيانات الحكومة المصرية بأن الموضوع قد تم التوافق عليه مع قبائل سيناء وسكان مدينة رفح.
في اليوم التالي، بدأت تتوالى صور سيارات النقل وهي تنقل ما تستطيع من أثاث المنازل المزمع تفجيرها.. ومعه بدأت تتوالى ردود الأفعال في مواقع التواصل الإجتماعي تحت مسمى "نكبة سيناء" ووسم #التهجير_مش_حل. أحاط بالتغريدات مضمون الإستغراب والإستهجان لما يحدث ضد نهج القوة التي تستمر الدولة في التعامل معه دون أية ضوابط. وعلى الجانب الآخر من الحدود في داخل قطاع غزة، توجّه الصحافيون لتغطية ما يجري من إخلاء للسكان حالة الإستنفار الأمني الكبير، حيث كانت القنوات الإخبارية تقوم بنقل بث مباشر لعمليات تفجير البيوت التي تردد صداها كثيرا في شبكات التواصل الإجتماعي، مما حدا بالبعض تشبيه ما يجري بصور القصف الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، التي إنتهت قبل فترة قصيرة وما زالت آثارها موجودة.
هستيريا الدولة ضد غزة وسيناء
في الوقت نفسه، إستعاد الناشطون فيديو قديماً صرح فيه السيسي بأن المواجهة العسكرية ليست حلاً لأنها لن تولد إلا المزيد من العنف والكراهية مع إحتمال ظهور سيناريو إنفصال مماثل لجنوب السودان. فانضم هذا التصريح الى قائمة التناقضات الخاصة بالمشير. من ناحية أخرى، كانت الدولة المصرية وأجهزتها الإعلامية في القاهرة غارقة في تبرير ما يحدث من عمليات التهجير وتقوم بتلطيف الموضوع عن طريق إلحاقه بالتعويضات التي ستمنحها الحكومة لمن سيتم تفجير بيوتهم في المنطقة العازلة.. وتقوم تارة أخرى بتحويل توجيه النظر نحو غزة بإعتبارها "مصدر كل الشرور والإرهاب"، من دون أي درجة من العقلانية، في محاولة لرفع الحرج عن التقصير الذي يواجه العمليات العسكرية في سيناء منذ أكثر من عام.
وبعد عملية التفجير الأخيرة، أظهر فيديو مسرباً عمليات تعذيب من قبل عناصر الجيش المصري لمدنيين عزل بعد إطلاق الرصاص عليهم، لينتهي الأمر بعد ذلك إلى مقتلهم وظهور صورهم في الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري، الأمر الذي يثير التساؤلات حول مدى مصداقية وجدية هذه الممارسات وفي أي إتجاه تصب؟
لم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ نشرت صحيفة "الوطن" المصرية أسماء قيادات "حمساوية" عسكرية قامت إسرائيل بإغتيالها في الحرب الأخيرة على غزة، كمتورطين في تنفيذ التفجيرات ضد الجيش.
قبل شهرين وفي طريق عودتي من مطار القاهرة إلى معبر رفح على متن باص الترحيلات، مررنا بمدينة الشيخ زويد التي يفرض عليها الجيش المصري حظر تجول منذ سنة. كان المشهد صادماً للعين والذاكرة في آن واحد. فقد أضحت المدينة خرابا وتحولت من أهم مركز تجاري في شمال سيناء إلى مدينة أشباح محروقة وثكنة عسكرية تحلق فوقها الطائرات العسكرية ولا يسمع فيها سوى صدى الإنفجارات، ناهيك عن التهجير القسري للسكان منها. مشهد يحيل إلى الصورة المتخيلة عن الدولة المصرية ونتيجة أفعالها التي لا تؤدي سوى إلى الدمار والخراب مع التوغل الامني الذي يزداد كل يوم.