الدفاع المدني يعمل بـ"اللحم الحي": أزمة بالتجهيزات وتحديات بالتمويل

لوسي بارسخيان
الثلاثاء   2024/10/01
الدفاع المدني يحتاج فعلياً الى الدعم (لوسي بارسخيان)
بين الأنقاض التي خلفتها غارة إسرائيلية على مبنى سكني في بلدة النبي آيلا البقاعية، شوهد عناصر الدفاع المدني ومتطوعوه وهم يعملون لساعات في انتشال الضحايا من دون خوذ ولا سترات واقية. وسط تردد أصوات الغارات التي لم تتوقف في مناطق لبنانية مختلفة منذ نحو عشرة أيام تقريباً. يبدو الحال شبيهاً في 2349 عملية نفذها الدفاع المدني على مختلف الأراضي اللبنانية منذ حادثة البيجر في 17 أيلول الجاري وحتى 29 منه. وكان العدد الأكبر من هذه العمليات في اليوم الأخير حيث نفذ 234 عملية بين إطفاء، إنقاذ، إسعاف، خدمات وسلامة عامة وفقاً لأرقام إستقتها "المدن" من مديرية الدفاع المدني.

الدفاع المدني يعمل بـ"اللحم الحي"
بـ"اللحم الحي" ومن دون إمكانيات يخوض عناصر الدفاع المدني غمار المخاطر الناتجة عن مهماتهم. ولا يعوض عن النقص الفادح في مختلف التجهيزات والمعدات، كما يقول مدير مكتب الإعلام في المديرية إيلي خيرالله للـ"المدن"، سوى "اندفاع المتطوعين، والنخوة الموجودة لديهم والتي تجعلهم يهرعون الى مواقع الدمار من دون تردد، رغم المخاطر التي تحيط بهم، والنقص في العتاد وتجهيزات الوقاية".

يحتاج شباب الدفاع المدني المتطوعون لكل شيء. ولذلك يعمل بعضهم حتى في إصلاح ما هرم من معداتهم، خصوصاً أن أحدث آلية استلمها الجهاز تعود للعام 2005، وقد استهلكت في مختلف المراحل الدقيقة التي مر بها لبنان حتى اليوم، فيما تجاوز عمر بعضها في الخدمة الـ45 سنة.

لا ينعزل واقع الدفاع المدني عن معاناة مختلف القطاعات الخدماتية وشح مواردها، منذ الأزمة المالية التي عصفت بلبنان. إلا أن طبيعة المهمات الإغاثية للجهاز الذي وضعته في مواجهة مباشرة مع الخطر خلال الحرب الجارية، تتفاقم سوءاً، وقد لا يكفي مبلغ الـ59 مليار ليرة الذي خصص به من ضمن خطة الطوارئ الحكومية لمواجهة العدوان، سوى لإعادة تأهيل بعض آلياته ومعداته المهملة منذ سنوات، والتي سيزيد وضعها سوءاً مع ارتفاع معدلات استهلاكها.

ولكن هذه المعدات هي أولوية المديرية اليوم، وقد توجهت الأخيرة ببرقياتها الى مختلف المراكز الإقليمية من أجل تقديم جردة بمعداتها التي ستحتاج للتأهيل ولا سيما بالنسبة لسيارات الإسعاف والإطفاء. أما الخوذ والستر الواقية للمتطوعين والتي تحميهم من تطاير القذائف أو سقوط الأجسام الثقيلة خلال عمليات الإنقاذ، وحتى مادة الـFOAM المساعدة بإطفاء الحرائق، التي لم يعد مخزونها يكفي لعمليات إنقاذ تجري بوتيرة مرتفعة وفقاً لما يؤكده خيرالله، فالبحث بتأمينها ليس أولوية، بانتظار أن تتأمن عبر الاستجابة للنداءات التي أطلقتها المديرية، سواء على مستوى قيادته أو على مستوى المراكز الإقليمية.

يقول المدير الإقليمي للدفاع المدني في البقاع فايز الشقية "أن موضوع الخوذ والسترات الواقية للمتطوعين يُبحث في بداية كل أزمة، وإنما بظل الإمكانيات المعدومة، فلا نتوقع تأمينها بالوقت الحالي."

نقص فادح بالمعدات
يعلم رؤساء الأقاليم جيداً أنه من دون تحصين المتطوعين لا قدرة على تنفيذ المهمات. إلا ان واقع التجهيزات في مختلف المراكز يبدو أكثر حرجاً. فهناك آليات لم تجدد إطاراتها منذ ما قبل الأزمة المالية الأخيرة. وهناك خراطيم مياه فقدت قوة دفعها ولا تحقق سوى نصف أهدافها، مادة الـFOAM المساعدة في عملية إخماد الحرائق فقدت كلياً ببعض المراكز.  هذا عدا عن شح عدد بذلات الإطفاء التي يتبادلها عناصر الجهاز فيما بينهم، وتراجع كميات قوارير الأوكسيجين التي لم تستحدث منذ مدة طويلة، فيتناوب عليها المتطوعون في عملياتهم. وحتى بذلة العمل التي تتلف في عملية إنقاذ لا إمكانية لاستبدالها بأخرى، ما يجعل المتطوعين يستعينون بالبذلات القديمة للحفاظ على مظهرهم المنضبط.

يعمل متطوعو الدفاع المدني من ضمن قوانين الحماية المدنية الدولية، حتى لو اضطروا في بعض الأماكن على تخطيها والمغامرة بحياتهم، لا سيما بظل إنعدام بعض التجهيزات الأساسية التي تتوضح الحاجة إليها خلال الحرب القائمة، كمثل معدات الإنقاذ والبحث عن الأحياء بين الأنقاض.
كان يفترض أن يتسلم إقليم زحلة، الذي شارك رئيسه مع عدد من المتطوعين في عمليات إجلاء مواطنين علقوا تحت ركام الهزة الأرضية في تركيا بشهر شباط من العام 2023، عدداً من التجهيزات والمعدات، وقد حصل عليها من خلال إتفاقية دعم عبر الـ UNHABITAT، إلا أن الحرب التي وقعت أوقفت كل عملية تأهيل لهذا الإقليم، والعين باقية على توفر المعدات في وقت قريب.

في ظل ضخامة الإنهيارات التي يتسبب بها العدوان الإسرائيلي على المباني السكنية، تبدو الحاجة لهذه المعدات ملحة جداً. ووفقا لرئيس وحدة الخدمة والعمليات في الجهاز وليد الحشاش، لدى المديرية معدات حساسة للإستشعار وكاميرات ومقصات وكومبرسورات وتجهيزات إنارة، وهي وإن لم تكن حديثة ولكنها تقوم بمهمتها، وإنما الحاجة إليها في نفس الوقت بأكثر من موقع يجعلها غير كافية، وهذا ما يصعب مهمات الإنقاذ، خصوصاً بظل طبيعة الحرب التي تتسبب بإنهيارات لعشرات المباني في وقت واحد.

يقول الحشاش أن الدفاع المدني يحتاج فعلياً الى الدعم، "لأنه إذا طالت الحرب، ستهرم معظم تجهيزاتنا، بينما طبيعة المهمات التي تفرض الدخول في ساحات مليئة بالركام والزجاج لا تتناسب مع واقعها الحالي." ويناشد الجهات المانحة غير الراغبة بمساعدة الدولة مباشرة، أن تنظر الى الشق المدني من طبيعة عمل جهاز الدفاع المدني، وتمده بالمعدات التي يحتاجها، وخصوصا بظل الظرف الذي يمر به.

لا مساعدات حتى الآن
حتى الآن لم يتلق الدفاع المدني أي مساعدات، بإستثناء شارة الحماية المدنية التي وضعت على مختلف آلياته وعلى مراكزه، بالإضافة الى الشرائط اللاصقة للجروح. وهو ينفذ مهماته بما يتوفر لديه من آليات وتجهيزات، مع الإستعانة بمعدات وزارة الأشغال وبعض الجمعيات والهيئات الإنسانية والإغاثية الخاصة عند الحاجة. بينما يقول الحشاش "اننا بحاجة لأن تكون هذه المعدات موجودة في كل عملية إنقاذية لتسهل عملنا وتؤمن التدخل بشكل سريع لإنقاذ الأرواح، فالوقت ليس بمصلحتنا ولا بمصلحة العالقين تحت الركام."

ويشرح الحشاش في المقابل "أن الدروع والخوذ هي لحمايتنا بينما نحن نهرع لنحمي الوطن، ولكنها ليست أولوية في ظل واقعنا". علماً أن الدفاع المدني استلم من الجيش اللبناني في بداية حرب المشاغلة نحو 100 سترة واقية، ولكنها وزعت في المناطق الأكثر سخونة في جنوب لبنان. أما اليوم فالوضع حرج في كل مكان، وهناك حاجة لمثل هذه السترات لمختلف متطوعي الوحدات العاملة على الأرض. وبحسب الحشاش فإن قيادة الجهاز تواصلت مع وزير الداخلية لتأمين هذه الإحتياجات ولو عبر منح خارجية.

وبرأي خيرالله "الوضع دقيق جداً بسبب استنزاف جهود مختلف الوحدات في كل المناطق". علماً أن جهاز الدفاع المدني، ومراكزه كما عناصره، يتعرضون وفقاً لما تؤكده المعلومات لتهديدات عديدة، بعضها نفذ من خلال غارات استهدفت مباشرة المتطوعين في عمليات الإغاثة خلال تنفيذ مهمتهم، وأوقعت من بينهم ضحايا وخسائر. أخذت قيادات الأقاليم بعض هذه التهديدات على محمل الجد، وأخلت مواقع لها في أكثر من مكان، وهو ما تسبب بتشرد تجهيزاتها مع عناصرها في أكثر من موقع، ليفاقم الوضع سوءاً، ويضاعف المشقات.