اجتياح جباليا الثالث: تمزيق قطاع غزة و"ضمّ" شماله؟

أدهم مناصرة
الأحد   2024/10/13
تبرر إسرائيل حصار جباليا بمحاولة حماس إعادة ترميم بنيتها فيه (Getty)
تثير العملية العسكرية الإسرائيلية المتواصلة منذ أكثر من أسبوع في بلدة جباليا ومخيمها، علامات استفهام كثيرة بشأن سبب تركيزها على المنطقة، ودوافعها وسياقها في هذا التوقيت تحديداً.                                                                                                                                                                          واللافت أن الاستفهام حيال عملية الاحتلال في جباليا، ليس فلسطينياً بحت، بل أيضاً إسرائيلياً، إذ أقرّ المراسل العسكري للإذاعة العبرية الرسمية في إفادته الصباحية، بأن العملية "تثير مزيداً من علامات الاستفهام"، في ظل تساؤلات عن "مدى ارتباطها بالتمهيد لمخططات ضم إسرائيلي لمناطق بشمال القطاع".
واستدرك المراسل العسكري بالقول إن إسرائيل لا تعترف رسمياً بهذه النية، وتبرر العملية بأنها تأتي على ضوء معلومات استخباراتية بشأن إعادة حركة حماس ترميم قدرات عسكرية وإدارية في المنطقة. ولكن الاحتلال روج سابقاً، لإمكانية التعامل مع محاولات حماس هذه، عبر القصف الجوي، أو عمليات برية خاطفة، فما وراء اجتياحه الواسع لجباليا الآن؟
وفق المعطيات الميدانية، تتولى فرقة 162 العسكرية الإسرائيلية مهمة التوغل في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون شمال القطاع، حيث استكملت عملية تطويق جباليا من جميع الجهات، وسط قصف جوي وبري مكثف، ونسف هائل للمنازل والبنى التحتية، لدرجة تغيير معالم المكان. وهذا الاجتياح الثالث الذي ينفذه الاحتلال في المنطقة منذ بدء الحرب، إذ كانت المرة الأولى في كانون الأول/ديسمبر 2023، ثم عملية ثانية في أيار/مايو 2024، قبل اقتحامها مجدداً، ضمن عملية تبدو أنها ستستغرق وقتاً أطول، بالنظر إلى ماهية أهدافها المعلنة والخفية.

إخلاء.. وفصل الشمال عن الغرب
وأفاد مصدر محلي من جباليا، أن قوات الاحتلال وآلياتها العسكرية دخلت إلى أطراف مخيم جباليا، لمسافة تتراوح بين 2 و3 كيلومترات بعد استكمال تطويقه من جميع الجهات، وسط اشتباكات مسلحة "شديدة ومستمرة"، تذكر بطبيعة الاشتباكات بداية العملية البرية قبل نحو عام.
وقال المصدر  ل"المدن" إن العملية تجري وسط محاولات إسرائيلية لدفع أكبر عدد من السكان إلى النزوح، في ظل إصرار الأغلبية على البقاء؛ لأنهم يرفضون فكرة النزوح منذ اليوم الأول للحرب.
وبين المصدر أن السيناريو المرجح بخصوص العملية الإسرائيلية، يتمثل بتأمين إقامة محور جديد يسيطر عليه الاحتلال، مهمته فصل شمال القطاع عن غربه.

لماذا جباليا؟
من جانبه، قال رئيس شبكة الأقصى الإعلامية لحماس وسام عفيفة، لـ"المدن"، إن العملية تستهدف فعلياً أكثر من منطقة في شمال القطاع، لكن مخيم جباليا يُعد الأكثر اكتظاظاً بالسكان، وادعى الاحتلال قبل نحو شهر، أن كتائب "القسام" تعيد بناء قدرات عسكرية في شمال القطاع، وكان مخيم جباليا مقصوداً، باعتباره أكبر مخيم وأكثر اكتظاظاً، ويعده الاحتلال أحد معاقل حماس.
وبحسب عفيفة، فإن الاحتلال بالرغم من "تحقيقه بعض أهدافه في الاجتياحين السابقين لجباليا"، إلا أنه لم ينجح في القضاء على المقاومة فيه، فضلاً عن فشله حتى الآن في تفريغه من السكان، لأن عدداً كبيراً منهم يرفضون النزوح من المخيم.
وأضاف عفيفة أن قوات الاحتلال استقدمت تعزيزات جديدة، ما يؤشر إلى نية واضحة لمواصلة عدوانه بشكل أكبر، موضحاً أنها تستخدم تقنيات متطورة للتدمير، منها الروبوتات المتفجرة لتدمير عشرات المنازل في مخيم جباليا، بهدف خلق واقع جديد، ومضاعفة الضغط والمعاناة على السكان المحاصرين.
كما يتبع الاحتلال استراتيجية العزل والتقطيع، عبر إنشاء سواتر ترابية في الشوارع الرئيسية بين مدينة غزة وشمال القطاع، وذلك ضمن سياسة تقسيم وتشتيت، تهدف إلى فرض عزلة خانقة على المناطق المستهدفة.

أهداف مركّبة
وتبدو أهداف عملية جباليا الحالية، مُركّبة ومتقاطعة بين أهداف عسكرية وتكتيكية وأخرى استراتيجية يحاول الاحتلال تكريسها في القطاع، وقد أشار عفيفة إلى بعضها، وخاصة محاولة الاحتلال استكمال ما روج له بشأن تقويض قدرات المقاومة كلما حاولت إعادة ترميمها، إلى جانب توسيع نطاق إخلاء السكان هذه المرة، أي بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا وصولاً إلى حدود مدينة غزة من جهة منطقة "الشيخ رضوان"، وهذه منطقة واسعة جداً يسعى الاحتلال إلى جعلها فارغة من السكان، وتأمينها بضرب جباليا، اتصالاً بمخطط السيطرة على هذا الجزء إلى أجل غير مسمى.
ولتحقيق هذه الغاية، نوه عفيفة بأن معركة جباليا والمناطق المحاذية، يهدف الاحتلال من خلالها أن يفصل شمال القطاع عن مدينة غزة بشكل كامل، عبر عمليات لتقويض قدرات المقاومة، وإفراغ المنطقة من سكانها، باستخدام أسلوب الصدمة والترويع بالقنابل الكثيفة، وتجويعهم، وشن عمليات اعتقال لمواطنين، في محاولة لتحديث معلوماته الأمنية والعسكرية، وبنك أهدافه.
وأما الهدف الثالث، فهو أن إسرائيل أرادت الاثبات بأن جيشها "قادر على خوض قتال على عدة جبهات في الوقت نفسه"، أي لبنان وغزة، بموازاة تنفيذ ضربات جوية ضد الحوثيين في اليمن، وفصائل موالية لإيران في سوريا والعراق، والاستعداد لتنفيذ هجوم مرتقب على عمق إيران.

"بروفة".. لمخطط الضم
واعتبر وسام عفيفة في حديث ل"المدن"، أن الاحتلال يرى في عملية شمال القطاع الحالية، بمثابة "بروفة" بخصوص تنفيذ مخطط احتلال دائم لجزء من أراضي شمال القطاع.
لكنه توقع أن عملية سيطرة الاحتلال الكاملة على جباليا ستحتاج وقتاً طويلاً، رغم استخدامه غطاء نارياً جوياً، عبر طائراته الحربية، ومسيّرات قادرة على الدخول إلى أزقة ضيقة على مدار الساعة.. مشيراً إلى استمرار تصدي المقاومة للقوات المتوغلة، ومروراً بإعلانها إطلاق قذائف صاروخية من المنطقة تجاه عسقلان والغلاف، في رسالة تحدّ لإسرائيل.
كما رأى عفيفة أن مسألة التهجير ليست كاملة، وهو ما دفع الاحتلال إلى ضرب جباليا بعنف، لإجبار السكان على الخروج، لكنهم يقابلون ذلك بـ"العناد"؛ لأنهم يدركون أن النزوح "موت وعذاب أكبر".