إدلب: معسكر وادي الضيف.. يودع ضيوفه الثقلاء

علي الإبراهيم
الخميس   2014/05/15
حاجز تل السوادي من أهم الحواجز المنتشرة في معسكر وادي الضيف (أ ف ب)
في الساعة الرابعة من مساء الأربعاء، هزّ زلزال ثان في أقل من أسبوعين، مدينة معرة النعمان بريف إدلب. لكن هذه الزلازل مفتعلة، فالثوار حفروا هذه المرة، نفقاً جديداً وفخخوه بستين طناً من المواد المتفجرة، لينسف مباني للنظام ضمن معسكر وادي الضيف، وتفجير حاجز تل السوادي، القريب من مركز قيادة العمليات داخل المعسكر.
 
صوت الانفجار سُمع في كل المناطق المحيطة، ثمّ تلاه صمت مطبق. انطلقت بعدها حناجر الثوار بالتكبير فرحاً بالعملية الناجحة. لكنّ الصوت القادم عبر ترددات اللاسلكي التابعة لقوات النظام، قال: "يا شباب نحنا أخوة، ولك عدونا إسرائيل والأميركان، نحنا هدفنا حمايتكم". فجأة انقلب الذئب حملاً وديعاً، وهو يطلب من مقاتلي المعارضة المسلحة التوقف عن القتال. على نفس الترددات اللاسلكية توعد صوت آخر الثوار منذ أيام، بالسيطرة على معرة النعمان وجبل الزاوية، بعد نشوة النصر التي أعقبت سيطرة النظام على حمص، حينها كانوا يبثون أغاني التمجيد للجيش وقائده وانتصاراتهم المزعومة.
 
أحد القادة الميدانيين أدلى لـ"المدن" بتفاصيل العملية؛ حيث وصل طول النفق المحفور من قبل الثوار إلى 860 متراً، وتم تفخيخه بعشرات اﻷطنان من المتفجرات أدت إلى تدمير المباني بشكل كامل وتسويتها باﻷرض. مما أسفر عن مقتل جميع جنود النظام داخل الحاجز، واﻹستيلاء على عدد من المدرعات والأسلحة الخفيفة. وأخذت العملية تحضيرات استمرت أكثر من ثلاثة أشهر.
 
ويعتبر حاجز تل السوادي من أهم الحواجز المنتشرة في معسكر وادي الضيف، لأنه قريب من مركز قيادة العمليات، وبوابة المعسكر من الناحية الشرقية. وكان مقاتلو المعارضة المسلحة قد سيطروا على  المدخل الغربي للمعسكر، منذ أكثر من أسبوع، بعد تفجير حاجز الصحابة. المعسكر بات اليوم تحت نيران قوات المعارضة، بشكل شبه كامل بعد نسف الحواجز المحيطة به. حيث تبقى فقط حاجز الزعلانة، من أصل خمسة حواجز كانت منتشرة على محيط المعسكر. وهو اليوم ضمن قائمة الاستهداف من قبل المعارضة المسلحة للسيطرة على المعسكر بشكل كامل.
 
وبحسب أحد الضباط المنشقين، من معسكر وادي الضيف، فإن الاستيلاء على المعسكر يعني إنهاء وجود قوات النظام بشكل كامل، في معرة النعمان وريفها. وبالتالي فصل ريف إدلب الجنوبي عن ريفه الشمالي بشكل نهائي، وقطع طرق الإمداد لقوات النظام لهذه المناطق. ويتعلق اﻷمر من جهة أخرى، بعودة أكثر من مئة وخمسين ألف نازح إلى ديارهم في المعرة، والتي تستهدفها قوات النظام بشكل يومي بالقذائف والأسلحة الثقيلة من المعسكر. الضابط المنشق أكد بأن السيطرة على المعسكر تحقق انتصاراً ميدانياً مهماً لقوات المعارضة المسلحة بعد حصار طويل له لأكثر من سنتين.
 
وبحسب اﻷهالي فقد لوحظ بعد عمليات نسف الحواجز مؤخراً حركة عودة لعدد من العائلات لمدينة معرة النعمان. أحد العائدين، ويدعى قصي حلوم، قال: "نحن نريد من الله ومن الثورة إنهاء هذا المعسكر، الذي أذاق اﻷهالي الويلات. جميع إهالي ريف إدلب يعرفون جيداً هذا المعسكر وما قام به من تدمير وخراب. مجرد السيطرة عليه تعني عودة الحياة للمدينة". فهذه العمليات تعيد للثوار الحاضنة الشعبية التي افتقدوها في عدد من المناطق المجاورة، يكمل الشاب العائد: "وبعد هذه العمليات ارتفعت معنويات الناس هنا، وعادت قلوبهم تدعو للثوار، حتى يتمكنوا من اسقاط هذا النظام". كلمات هذا النازح تختصر معاناة أهالي المعرة. 
 
في المقابل، تعتبر السيطرة على المعسكر انقلاباً لموازين القوة رأساً على عقب، في المعارك الدائرة في ريف إدلب الجنوبي، وتحديداً عند جبهة مورك وخان شيخون. هناك يعتبر المعسكر وسيلة ضغط على قوات المعارضة، يتم من خلالها القصف على المدنيين، في جبل الزاوية وريفي إدلب الغربي والشرقي. كلما اشتدت وتيرة المعارك هناك ﻹجبار المقاتلين على التراجع ومنعهم من التقدم.
 
وقال القائد الميداني في الجبهة اﻹسلامية، عبدو الفيصل، لـ"المدن": "إن السيطرة على المعسكر، تعني نقل العمليات العسكرية والمقاتلين جنوباً لفتح الطريق والتقدم نحو حمص التي سيطر عليها النظام مؤخراً. وانهاء هذا المعسكر، تعني فعلياً فتح جبهات جديدة، وصولاً إلى دمشق". 
 
يبدو بأن الثورة السورية اتخذت مساراً جديدا مع تقدم الحرب، حيث تُظهر استمرارية المعارك الدائرة في الشمال السوري، إمكانية استخدام تقنيات جديدة في القتال. بالتزامن مع ذلك، فإن هذه العمليات وقربها من إحكام السيطرة على معسكر وادي الضيف، تُحقق لمقاتلي المعارضة المسلحة تقدماً مهماً، يقابله فشلٌ لقوات النظام وخسارتها لأهم معاقلها في الشمال.