هيئات الإسعاف في الجنوب: متطوعون يخدمون ... حتى الشهادة

نغم ربيع
الأربعاء   2024/09/11
استشهد لهيئات الأسعاف في الجنوب عشرات الشبان أثناء عملهم التطوعي (Getty)

منذ تشرين الأول، أي مع بدء عمليات طوفان الأقصى، وحرب المساندة من الجنوب اللبناني، تأهبت هيئات الاسعاف في الجنوب وتصدرت الخطوط الأمامية. يواجه المسعفون ورجال الإنقاذ خطر الموت يوميا وهم يقومون بعملهم الإنساني في نقل الشهداء والجرحى نتيجة الاستهداف الإسرائيلي للقرى والبلدات الحدودية، الذي لم يوفر الهيئات الإسعافية وفرقها، وقد استشهد عدد منهم. استطلعت "المدن" واقع هذه الهيئات بعد نحو سنة تقريباً من بدء الحرب والجهود التي تبذلها والتحديات الكبيرة التي تواجهها.

الدفاع المدني 
تنتشر مراكز الدفاع المدني على طول خطوط التماس الساخنة في المناطق الحدودية، وتتوزع فرقها على 13 مركزًا تمتد من منطقة العرقوب في شبعا إلى عيتا الشعب. منذ 7 تشرين الأول، نفذت هذه الفرق 1198 مهمة شملت خدمات الإسعاف والإطفاء وعمليات الإنقاذ، وقد خسرت إلى اليوم 5 شهداء.

وفي حديث لـ"المدن"، أكد رئيس مركز الدفاع المدني الإقليمي في النبطية حسين فقيه، أن "الوضع من حيث الإمكانيات يشبه وضع كل مؤسسات الدولة اللبنانية. آلياتنا ومعداتنا قديمة، ولكن هذا لا يمنعنا من العمل بجد لأداء المهام بشكل كامل حفاظًا على حياة المواطنين وممتلكاتهم. الإدارة تعمل على تأمين معدات، لكن حاليا، القليل خير من الحرمان ".

يشير فقيه إلى أن "الدفاع المدني جزء لا يتجزأ من منظومة الدولة الموجودة على الأراضي اللبنانية، وأن أرواح الناس وممتلكاتهم أمانة في أعناقنا جميعًا. رغم الصعاب والمخاطر، نواصل مهماتنا حتى في ظل الظروف الشديدة الخطورة، مثل التعرض للقنابل الفوسفورية". يضيف"ينظر إلينا المواطنون كشبكة أمان ودعم، لذا نسعى جاهدين لنكون عند حسن ظن أهلنا في الدفاع عن البشر والحجر والبيئة".

يعبّر فقيه لـ"المدن" عن حزنه، كما سائر عناصر الدفاع المدني، لسقوط ثلاثة شهداء في استهداف مباشر أثناء تنفيذ مهمة في خراج بلدة فرون، قائلاً: "شهداء الدفاع المدني هم شهداء كل الوطن. لقد قدموا أرواحهم فداءً على طريق الوطن، وفقدانهم صعب جداً لأنهم من خيرة الشباب الذين استشهدوا. بالرغم من أنه لم يمر على توظيفهم سوى سنة، إلا أنهم لم يقصّروا يوماً، سواء كمتطوعين أو كموظفين، حتى بذلوا أرواحهم في سبيل مهامهم النبيلة".

ويشرح قائلا: "كل المهام تتم متابعتها لحين عودة الفرق إلى المركز من قبل مدير عام الدفاع المدني، العميد ريمون خطار ويتم تنسيق العمل مع الجيش اللبناني في المهام والتحركات الميدانية، الذي يكون معنا في معظمها".

الصليب الأحمر
يؤكد رئيس الصليب الأحمر في لبنان الدكتور أنطوان الزغبي لـ "المدن" استعدادات "الصليب الأحمر" لمواجهة أي أزمة أو حرب، مشيرًا إلى أن لديهم خطة استباقية تُنفذ حاليًا في الجنوب، في 6 نقاط في القرى الحدودية.
ويرى أن "ما يميز هذه الحرب ويزيد من خطورتها أن إسرائيل لا تلتزم بأي قوانين أو مواثيق دولية، حيث تستهدف بالقصف العشوائي المدنيين، الصحافيين، والمسعفين أيضًا."

ويوضح أن الصليب الأحمر يقوم حاليًا بأدوار متعددة تشمل الإسعاف، تأمين المآوي، وتوزيع حصص غذائية وأدوية. ويقول "رأينا تأثير الحرب الجديدة وما أنتجته، وهذا يفرض علينا أن نطور أداءنا، لذلك ندرب شبابنا اليوم من خلال دورات تدريبية على الإنقاذ بطرق جديدة."
مشيراً إلى "تجنب زيادة أعداد المسعفين بطريقة عشوائية، حفاظًا على سلامتهم ولتجنب تعريضهم للخطر".

ورغم الاستعدادات المكثفة، يواجه الصليب الأحمر تحديات تمويلية لتغطية التكاليف، وهي، بحسب الزغبي، مشكلة قديمة وجزء أساسي من التحديات التي تواجههم.

كشافة الرسالة الإسلامية
تخدم كشافة الرسالة الإسلامية، التابعة لحركة أمل، والمؤسسة منذ العام 1983، على صعيد كل لبنان. وهي تقوم بدور فعال في المشهد الجنوبي المشتعل منذ أشهر، حيث تنجز مهامها الخدماتية اليومية في إخماد الحرائق وإسعاف ونقل المصابين وجثامين الشهداء. وقد خسرت 4 شهداء، إستشهدوا وهم ببدلاتهم الرسمية وقد استهدفوا بطريقة مباشرة أثناء تلبيتهم مهمة.


يروي رئيس قسم التدريب والاسعاف في مفوضية جبل عامل محمد نصرالله إبراهيم لـ "المدن" أنه "رغم كل التحديات والأخطار والشهداء الذين قدمناهم، نحن مستمرون ومصممون على العطاء والعمل لما فيه خير الإنسان والمجتمع والوطن".
يتابع قائلا "إن جمعية الرسالة تتلقى طلبات تطوع بشكل كبير، حيث يترك البعض أعمالهم وونشاطهم اليومي للتطوع معنا. نحن نعمل وفق خطة محكمة، ومجهزون بالمستلزمات اللازمة وبعدد كافٍ من المتطوعين تحسبًا لأي حرب شاملة، وذلك ضمن الإمكانيات المحدودة المتوفرة لدينا، لكنها تظل كافية. في كل بلدة، نمتلك على الأقل سيارة إسعاف واحدة أو اثنتين. فريق الإنقاذ يعمل على نطاق واسع، ولدينا جهاز إطفاء كبير يُتكل عليه".
ويؤكد ابراهيم "منذ بداية الحرب، نعمل وفق خطط مدروسة ونستفيد من أي خطأ أو تقصير حصل أو قد يحصل. ومؤخراً، وبسبب بُعد المستشفيات، قمنا بإنشاء مستوصف ميداني في بلدة شمع وفي عدة مواقع أخرى لتقديم الإسعافات الأولية اللازمة قبل نقل المصابين إلى المستشفى إذا اقتضى الأمر".

الهيئة الصحية الإسلامية
تأسست الهيئة الصحية الإسلامية منذ العام 1984، وهي تابعة لحزب الله ولديها نحو 100 مركز تتوزع على جميع أنحاء الأراضي اللبنانية، من الجنوب إلى بيروت والبقاع والشمال. يعمل في هذه المراكز أكثر من 4 آلاف رجل وامرأة، ويمتلك الدفاع المدني أسطولا من الآليات يتراوح عددها بين 500 و550 آلية إسعاف بجميع فئاتها، بالإضافة إلى آليات الإنقاذ ورفع الأنقاض والإطفاء. وقدمت الهيئة، إلى اليوم 10 شهداء وأكثر من 50 جريحاً في صفوف المسعفين في الأشهر الأخيرة.  
يروي مدير مديرية جبل عامل الأولى في الدفاع المدني عبدلله نورالدين لـ "المدن"، أن "المسعفين منذ بداية الحرب، ما زالوا بنفس القوة والعزم، واستشهاد متطوعينا، زاد المسعفين إصراراً، لأننا أصحاب قضية".
ويشدد على أن"إدارة الهيئة تؤمن كل المستلزمات والمعدات للمسعفين للقيام بالمهمات. وعند طلب الإغاثة نلبي النداء، مهما كان حجم الخطر... ماشيين والمسلم الله".

المتطوعون بين الواجب والإندفاع
منذ سنوات طويلة، يقف متطوعو السلك الصحي، حاملين شعلة الإنسانية والإصرار على مواجهة المخاطر. يروي لنا ثلاثة من هؤلاء الأبطال قصصهم وتجاربهم في هذا العمل التطوعي الذي يربطهم بعمق بواجبهم الإنساني، رغم التحديات والصعاب.

محمد دياب، البالغ من العمر 40 عامًا، من مدينة صور، متطوع في الهيئة الصحية في الدفاع المدني منذ عام 2005 ويعمل في مجال الإسعافات الأولية. يقول دياب لـ"المدن": "هدفنا هو العمل الإنساني البحت، وقرار التطوع كان نابعًا من حبٍ لهذا العمل".
كان محمد يعتقد أن حرب 2006، التي تزامنت مع بداية تطوعه، حيث شارك في عام 2006 في عمليات الإنقاذ من المجازر مثل قانا ومروحين، وما رافقها من مشاهد مؤلمة، هي أصعب ما يمكن أن يمر به. لكن حرب طوفان الأقصى جاءت لتغيّر هذا الاعتقاد. يعتبر أنه"رغم أن حرب 2006 كانت حربًا مفتوحة ومرهقة، إلا أنها كانت أسهل من هذه الحرب المحدودة حيث الخطر يومي ومتواصل على الخطوط الأمامية، ولا راحة لنا."
يضيف: "أصعب موقف عشته في هذه الحرب كان عندما تعرضنا للقنابل الفوسفورية أثناء نقل مصاب في العديسة، ما أدى إلى إصابتي بالاختناق والتهاب القصبات الهوائية. أما أصعب مشهد فقد كان جمع الأشلاء، خاصةً في حادثة الناقورة عند استهداف سيارة تقل شابين، أحدهما من قوات اليونيفيل".
محمد متزوج ولديه ثلاث بنات، اثنتان منهن متطوعات أيضًا في الجمعية، ويقول بفخر: "فرخ البط عوام، ورغم خوفي كأب، لا يمكن أن يكونوا أعز من الإخوة والأخوات... يسوانا ما يسواهم".
وعن التحديات اليومية، يقول محمد: "أحيانًا أشعر بالتعب، لكن معرفتنا بمن نقاتل، ودعم الشباب وقوتهم تحفزنا على الصمود وإظهار القوة والابتسامة دائمًا. لا يمكننا أن نُظهر ما نشعر به، فنحن هنا لنكون الجانب القوي الذي يعتمد عليه الناس".

أما حسن جولاني، البالغ من العمر 41 عامًا، من بلدة طيردبا، متطوع في جمعية الرسالة منذ 17 عامًا، ويعمل بجد للحفاظ على الروح المعنوية العالية بين زملائه. رغم محاولات عائلته لإثنائه عن التطوع، كان دائمًا مدركًا لطبيعة هذا العمل ومتمسكًا بواجبه. ويؤكد قائلاً: "العائلة تحاول ردعي، لكننا نعلم أنه واجبنا أن نكون إلى جانب الناس".
وعن شعوره بالخوف، يقول حسن: "بالطبع لدي خوف، فأولادي في مكان وأنا في مكان آخر، لكن منذ البداية تعلمنا أن هذا واجب، وعلينا أن نكون إلى جانب الناس. لا أريد أن أفكر بعائلتي وأولادي، بل أركز على أنني هنا لخدمة الناس".
يختتم حسن حديثه بالتطرق إلى استشهاد صديقه غالب الحاج، الذي ترك أثرًا كبيرًا في نفسه، لكنه زاده أيضًا إصرارًا ودافعًا لمواصلة العمل التطوعي بحماس أكبر وإيمان أقوى.

من جهتها، بدأت زهراء، تطوعها في سن الـ 17 وتبلغ اليوم 21 عامًا، هي من العباسية ومتطوعة في مجال التدريب في كشافة الرسالة. تتحدث لـ"المدن" عن الجانب النفسي في عملها، "لا يوجد إنسان لا يخاف، هذه هي الطبيعة البشرية، لكننا هنا متطوعون لخدمة الآخرين، والجمعية تساعدنا على كيفية التعامل مع الأمور نفسيًا". تجد زهراء أن العمل التطوعي قوّاها وعزز قدرتها على مساعدة الآخرين، وتقول: "خلق لديّ العمل التطوعي حافزاً وجعلني أشعر بالقدرة على مساعدة الناس، خصوصاً في أزماتهم".