المتعاقدون في "اللبنانية": فئة منبوذة من المسؤولين وأهل الجامعة
الحرب على لبنان ذريعة
منذ بداية الأسبوع الحالي بدأت الجامعة اللبنانية العام الدراسي وفق نظام التعليم من بعد (مباشر وغير مباشر) في العديد من الكليات، وذلك في انتظار التحاق كل الكليات في نهاية الشهر الحالي. بدأ العام الجامعي وعاد الأساتذة المتعاقدون وفتحوا ملف مظلوميتهم منذ أكثر من عشر سنوات بالتفرغ، وتأخر تلقي أجر ساعاتهم وبدلات النقل، رغم ضحالتها.
انتهى العام الدراسي السابق من دون تفريغ أي متعاقد، وأتت الحرب الإسرائيلية على لبنان لتعطي رئيس الجامعة بسام بدران ووزير التربية عباس الحلبي ذريعة لدفن ملف التفرغ، تحت مسميات إعادة بحثه من جديد لشطب الأساتذة الذين استشهدوا مؤخراً أو تركوا لبنان بشكل نهائي وهاجروا، كما يقول أحد أساتذة اللجنة.
لكن المختلف هذا العام أن توسع الحرب على لبنان فتحت جروحاً لا تندمل. فقد استشهد زميلهم الدكتور محمود خليل وهو إلى جانب والده في بلدة معركة في صور، عقب توسع العدوان الإسرائيلي على الجنوب في 23 تشرين الأول الفائت. فبعد نحو تسع سنوات على تعاقده في كلية الآداب مات بلا تفرغ ومن دون تلقي أجر ساعاته وبدلات النقل. كان يتواصل يومياً مع لجنة الأساتذة المتعاقدين يسأل عن التفرغ وعن أجر الساعة وبدل الإنتاجية، التي لم تصل إلى الأساتذة. وكان جواب زملائه: نحاول ونعمل لكن لا جواب يصلنا يشفي غليلنا. هكذا يصف العديد من الأساتذة المتعاقدين، في اللجنة الرسمية، وخارجها، وضعهم حيال ملف تفرغهم المفقود وأجر ساعاتهم الموعد.
رفض مقابلة ممثلي الأساتذة
ويؤكد أكثر من أستاذ في اللجنة أنهم منذ مدة يحاولون طلب موعد من وزير التربية عباس الحلبي ومن رئيس الجامعة بسام بدران لعرض مشاكلهم. لكن هناك رفض تام من الطرفين لعقد أي لقاء. فشعر ممثلو الأساتذة في اللجنة بازدراء المسؤولين بمعاناتهم، وأن هناك موجة من المعاداة تجاههم وباتوا يعاملون كفئة منبوذة، على اعتبار أن التعليم من بعد يخفف حاجة الجامعة إليهم.
ويشرح ممثلو الأساتذة أن جلّ ما يريدونه من هذا اللقاء مع الرئيس والوزير المطالبة بتحصيل حقوقهم، أي دفع بدلات الإنتاجية المتراكمة، والمطالبة بتحسينها للعام المقبل، أسوة بما هو حاصل مع باقي زملائهم المتفرغين وأساتذة التعليم الرسمي. ويريدون معرفة مصير قرار منحهم بدل النقل الذي صدر منذ سنتين. فهم إلى حد الساعة لم يحصلوا عليها. وعندما يراجعون إدارة الجامعة يكون الجواب أن الكليات لم ترسل جداول الحضور ولا يمكن احتساب بدلات النقل. وعندما يراجعون الكليات يقولون لهم أن رئاسة الجامعة لم تطلب منهم أي جداول.
قرارات للمنفعة الشخصية
يذكّر الأساتذة أن إدارة الجامعة اللبنانية قررت اعطاءهم بدل إنتاجية قدرها 15 دولاراً عن كل ساعة، خلافاً للأصول المتبعة في قطاع التعليم كله وفي القطاع العام. هذا فضلاً عن تكريس تمييز فاقع بينهم وبين زملائهم المتفرغين وفي الملاك. فالقيّمون على الجامعة لم يصرفوا الأموال التي خصصتها وزارة التربية لدفع بدل إنتاجية للأساتذة في القطاع الرسمي بعدل على الجميع. هذا فيما وزعت وزارة التربية الأموال بمساواة تامة الإنتاجية على جميع أساتذة التعليم الرسمي من دون تمييز بين ملاك ومتعاقد. وكانت النتيجة ليس لا عدل في الجامعة نفسها، بل بات أجر الأستاذ المتعاقد في صفوف الروضات (يحصل على بدل إنتاجية شهري بقيمة 300 دولار إضافة إلى أجر الساعة) أفضل حالاً من الأستاذ الجامعي المتعاقد. ورغم ذلك لم يحصل المتعاقدون على مستحقاتهم.
ويشرح الأساتذة أن رئيس الجامعة في عداد الملاك وقراراته أتت لصالحه ولصالح أقرانه. فمقابل الاجحاف الكبير بحق المتعاقدين، قررت رئاسة الجامعة منح زملائهم المتفرغين وفي الملاك بدل إنتاجية شهرية بقيمة 650 دولاراً. أما المتعاقدين، ورغم أنهم يشكلون غالبية الهيئة التعليمية، فمنحتهم فتات الأموال (15 دولاراً بدل إنتاجية). بمعنى آخر، اتخذت الجامعة ورئاستها قراراً قائماً على تضارب المصلحة. وبالتالي استخدمت رئاسة الجامعة الأموال العمومية للمنفعة الشخصية.
خلافات الأساتذة لم تعد محصورة مع المسؤولين، بل باتت تمتد لتطال زملاءهم في الملاك. ويلفت الأساتذة إلى أن زملاءهم في الملاك سيحصلون على رواتب إضافية أسوة بالقطاع العام، فيما هم لا أحد يلتفت إليهم. وكلام أحد الأساتذة معبر للغاية: "باتت الجامعة مقسومة إلى فئة أسياد وفئة عبيد، لكن الفرق مع العصور القديمة أن الأسياد كانوا يعطون العبيد الطعام. أما نحن فنعمل بالسخرة. ويشرح أن الأستاذ الذي طلب منه تعليم أكثر من 500 ساعة، سيتلقى أجراً عن 450 فقط لا غير. فقد علموا أن هناك قراراً رسمياً صادراً بهذا الشأن. لكن حتى 450 ساعة لم تدفع كلها.
موت ودمار ونزوح
الحرب الحالية على لبنان وقرار التعليم من بعد انعكست على الأساتذة ليس موتاً وتهجيراً ودماراً فحسب، بل سلبوا من أي قدرة على تعطيل العام الدراسي. ويقول الأساتذة أن الجامعة قررت مبدأ التعليم من بعد المباشر (أونلاين) والتعليم من بعد (أوف لاين) غير مباشر. والطالب يستطيع الذهاب إلى منصة الجامعة ومشاهدة فيديوهات المحاضرات التي يضعها الأساتذة. وبالتالي تستطيع الجامعة التخلي عن عشرات المتعاقدين في زمن الحرب الحالية. بمعنى آخر رئيس الجامعة والوزير يمسكان بأعناق الأساتذة لأنهم غير قادرين على التهديد بالإضراب، لأن التعليم من بعد يشل قدرتهم في هذا المجال.
لم تعد الانتقادات لرئيس الجامعة تصدر عن أستاذ من الأساتذة المستقلين عن الأحزاب، بل إن أساتذة شيعة (غير بعيدين عن رئيس الجامعة) أكثر قساوة في الانتقاد. ويقول أحد الأساتذة: "لم يلتفت الرئيس إلى مئات الأساتذة الذين دمرت بيوتهم في الجنوب والبقاع والضاحية وفقدوا أفراداً من عائلاتهم. وحقنا في التفرغ دفن تحت ردم العدوان الإسرائيلي على لبنان إلى جانب زميلنا الشهيد. ورغم ذلك يريد سوقنا إلى التعليم حتى من دون أي مقومات لوجستية أو مادية، رغم نزوحهم المزري في مراكز الإيواء. فهمه هو والوزير القول إن العام الجامعي بدأ وكأنهما يعيشان في كوكب آخر".