إسرائيل وملاحقة حزب الله: دمج الأنثروبولوجيا بالتقنيات المتطورة

وسام صافي
الأحد   2024/11/10
مشاركة قادة حزب الله في الساحات القتالية مثل سوريا والعراق واليمن جعلتهم عرضة للمراقبة الميدانية
تشتهر المخابرات الإسرائيلية باستخدام أساليب استخباراتية متطورة لتعقب قادة حزب الله، وتحديد مواقعهم، وتحليل أنماطهم السلوكية. في السنوات الأخيرة، تزايد التوجه نحو دمج أسس ومبادئ الأنثروبولوجيا الحديثة بهدف فهم أعمق للبيئة الاجتماعية والثقافية للأهداف. يعزز هذا التوجه قدرة الأجهزة الاستخباراتية على تحديد نقاط الضعف واستهداف القادة بفعالية، مما يسهم في تحسين استراتيجياتها وتطويرها. وقد برز هذا المنهج بشكل خاص في عمليات اغتيال قادة بارزين مثل عماد مغنية وحسان اللقيس، حيث أظهرت العمليات قدرة عالية على استغلال الفهم العميق لسلوكيات القادة وبيئتهم الاجتماعية بشكل فعال.

وللفهم الأنثروبولوجي القدرة على دراسة وتحليل المجتمعات والثقافات من منظور شامل، يتناول مختلف جوانب الحياة الإنسانية، مثل العادات والتقاليد والقيم والمعتقدات واللغة والعلاقات الاجتماعية. ويهدُف هذا الفهم إلى تعميق المعرفة بتأثير البيئة الاجتماعية والثقافية في سلوك الأفراد وتفاعلاتهم، ويساعد في كشف الروابط بين التغيرات الثقافية والعوامل الاقتصادية والسياسية.
ويستخدم الفهم الأنثروبولوجي أدوات منهجية مثل الملاحظة المباشرة والمشاركة مع المجتمع المدروس، إضافةً إلى المقابلات وتحليل الرموز والعادات. ومن خلال هذا التحليل، يمكن فهم كيفية تكوين الهويات الجماعية، وكيفية ظهور أنماط اجتماعية معينة، وما يميز ثقافة معينة عن غيرها.

يسهم الفهم الأنثروبولوجي في تعزيز التفاهم بين الثقافات المختلفة، ويساعد على التعامل مع قضايا معقدة مثل الصراعات الاجتماعية والتباينات الثقافية، مما يساهم في خلق سياسات وبرامج تتماشى مع التنوع الثقافي في المجتمعات.

ولاية الفقيه 
تعتبر العلاقة الوثيقة بين حزب الله وإيران عبر ولاية الفقيه إحدى الأسس الأيديولوجية للحزب. فولاية الفقيه تعزز مفهوم الولاء المزدوج لدى حزب الله وللفقيه باعتباره السلطة العليا الدينية والسياسية. من منظور أنثروبولوجي، تُظهر هذه العقيدة الولاء كعامل مؤثر وموجه في القرارات التي يتخذها قادة الحزب، مما يجعلها عنصرًا حيويًا في تحليل توجهات الحزب، ويتيح للمخابرات الإسرائيلية أدوات إضافية لرصد هذه التوجهات وتحليلها.

المصادر المفتوحة
وتعتمد المخابرات الإسرائيلية بشكل كبير على المعلومات المستمدة من المصادر المفتوحة  Open Source Intelligence (OSINT) مثل وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية والمدونات. ومع ذلك، يكمن التميز في قدرتها على تطبيق التحليل الأنثروبولوجي (Anthropological Analysis) على هذه المعلومات لفهم الديناميات الثقافية والاجتماعية المحيطة بالقادة المستهدفين. يُسهم هذا التحليل في معرفة كيفية تفاعل الأهداف مع مجتمعهم، وفهم الرسائل الضمنية التي قد تحملها منشوراتهم عبر الإنترنت.

على سبيل المثال، قد تشير صور أو مقاطع فيديو معينة ينشرها القادة أو المحيطون بهم إلى دلالات ثقافية أو طقوس محددة تتعلق بالولاءات القبلية أو الدينية. يمكن للمحللين استخدام هذه الدلالات لفهم الأنماط التي تؤثر في سلوك القادة وتحديد أوقات ومواقع تواجدهم.

التجسس
ان جمع المعلومات من الاتصالات Signal  Intelligence (SIGINT) يتضمن القدرة على اعتراض المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والبريد الإلكتروني. تستخدم إسرائيل تقنيات متقدمة لتحليل هذه الاتصالات، ولكن الاستفادة الأكبر تأتي من فهم السياق الثقافي الذي تُستخدم فيه اللغة والمصطلحات.

على سبيل المثال، قد يستخدم قادة حزب الله رموزًا أو مصطلحات محلية قد لا تكون واضحة بشكل كامل لمن لا يفهم البيئة الثقافية المحيطة. هنا يأتي دور المحللين الأنثروبولوجيين الذين لديهم معرفة عميقة بالثقافة المحلية، مما يمكنهم من فك شفرة هذه المصطلحات وتحليلها بشكل دقيق. هذه المهارة تُسهم في كشف المعاني المخفية التي قد تشير إلى تحركات محتملة أو خطط محددة.

السلوك الاجتماعي للأهداف
أحد الجوانب الأساسية في العمل الاستخباراتي هو تحليل السلوك الاجتماعي للأهداف، وهو مجال يرتبط بشكل وثيق بالأنثروبولوجيا. تعتمد المخابرات الإسرائيلية على مراقبة التفاعلات الاجتماعية لقادة حزب الله لفهم طبيعة علاقاتهم ومراكز القوة في محيطهم. يتطلب ذلك معرفة متعمقة بالهيكل الاجتماعي للجماعات التي يتحركون فيها، وفهم العلاقات التي تحكم تواصلهم سواء كان ضمن شبكات القرابة أو الولاءات السياسية والدينية.

على سبيل المثال، قد تكون علاقات القادة مع زعماء القبائل أو الشخصيات الدينية البارزة مؤشرًا على تحالفات أو خطط معينة. دراسة هذه العلاقات من منظور أنثروبولوجي يساعد في تحديد أنماط الحركة ومواقع الاجتماعات المحتملة، مما يمكن المخابرات من توجيه مواردها بكفاءة نحو المواقع المناسبة.

الذكاء الاصطناعي
من بين الأدوات الحديثة التي تستخدمها المخابرات الإسرائيلية، الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (AI) هو الأداة الأكثر تقدمًا في تحليل البيانات الضخمة التي يتم جمعها. مع ذلك، يُظهر التكامل مع الأنثروبولوجيا قيمة إضافية كبيرة. تعتمد برامج الذكاء الاصطناعي على خوارزميات متقدمة لتحليل الأنماط السلوكية والتنبؤ بتحركات القادة، ويمكن تعزيز هذه الخوارزميات بالتحليل الأنثروبولوجي الذي يتيح فهمًا أعمق للعوامل المؤثرة في تلك الأنماط. ومثل هذه البرامج تستخدم المخابرات الإسرائيلية برنامج تطلق عليه تسمية برنامج  AI Lavender .

بدلاً من الاكتفاء بتحليل البيانات الرقمية بشكل آلي، يُدمج فهم القيم الاجتماعية والمعتقدات الثقافية في تحليل السلوكيات، مما يساعد في التنبؤ بشكل أكثر دقة بتصرفات القادة. هذا التكامل يسمح بإنتاج تقارير استخباراتية تستند إلى معطيات معقدة تتضمن السياق الثقافي والاجتماعي.

استغلال الانكشاف 
مشاركة قادة حزب الله في الساحات القتالية مثل سوريا والعراق واليمن جعلتهم عرضة للمراقبة الميدانية. استفادت المخابرات الإسرائيلية من هذه الفرص لرصد تحركاتهم باستخدام طائرات مسيرة (Drones) أو من خلال التعاون مع أجهزة استخبارات إقليمية او عملاء محليين. لكن العامل الأنثروبولوجي يضيف بُعدًا إضافيًا: تحليل كيفية تفاعل القادة مع مقاتليهم والمجتمع المحلي في تلك المناطق.

تساعد مراقبة هذه التفاعلات في التعرف على الأنماط اليومية التي تتبعها الشخصيات القيادية، سواء من حيث مواقع التجمع أو طقوس الاجتماعات. يمكن أن يكون فهم هذه الأنماط  مفتاحًا لتحديد مواعيد ومواقع الاجتماعات الحساسة. ومن خلال تحليل هذه الأنشطة من منظور أنثروبولوجي، يمكن استخلاص معلومات عن شبكة التحالفات الداخلية وأولويات القادة في الفترة الحالية.

خلاصة
يُظهر دمج الفهم الأنثروبولوجي في التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي ونظم الرصد الحديثة تطورًا كبيرًا في استراتيجيات المخابرات الإسرائيلية في ملاحقة قادة حزب الله. عبر التركيز على العقائد الدينية والاجتماعية، وعلى رأسها ولاية الفقيه، يمكن تكوين صورة شاملة ومعقدة للأهداف، مما يعزز فعالية العمليات الاستخباراتية ويجعلها أكثر دقة وملاءمة للتحديات الحالية.