الغارات الإسرائيلية على المصنع: متصيدو فرص وتجارة جديدة

لوسي بارسخيان
الخميس   2024/10/24
أبرز أنواع التجارة القائمة هي المحروقات والغاز التي يتم نقلها من لبنان إلى سوريا (لوسي برسخيان)
تبدو الغارات الإسرائيلية المتكررة على معبر المصنع الحدودي في منطقة البقاع، وكأنها اختبار لمدى العناد في إبقاء هذا المعبر الشرعي مفتوحاً. فأياً كان حجم الحفر، أو عددها، التي خلفها العدوان على الطريق الدولي الفاصل بين مركز الامن العام اللبناني ومركز الحدود السوري عند محلة جديدة يابوس، يظهر هذا المعبر وكأنه عصي على الإقفال. وهو لم يقفل لا أمام حركة عبور المواطنين، اللبنانيين والسوريين، أو أمام تجارات فردية غير نظامية، زاد تقطع أوصال الطريق الدولي الفاصل بين البلدين من مشقاتها، وكان ذلك ذريعة لزيادة أرباح من يتعاطون بها.

حفر الغارات والسماسرة
على بعد نحو كيلومترين من الحفرة التي خلفتها الغارة الإسرائيلية الأولى في محلة المصنع الحدودية، وقبل أن تبادر أي جهة لردمها (الذريعة وجود ضغوط تمارس على الدولة اللبنانية لإبقاء هذه الطريق مقفلة)، نفذ الطيران الإسرائيلي غارته الثانية منذ يومين، وقد أتت عند نهاية الفاصل الممتد على الطريق الدولية باتجاه الحدود السورية. فعلقت، في المنطقة الفاصلة بين الغارتين، سيارات ووسائل إنتقال عديدة، كانت قد نشطت منذ 4 تشرين الجاري على "خط الجورة" كما سميت، وكانت تنقل الركاب الى جديدة يابوس، حيث تستقبلهم فرق تابعة لهيئة الإسعاف السورية لارشادهم الى أماكن الإيواء المحددة على المستوى الرسمي. 

نشط أصحاب وسائل النقل هذه، من أبناء القرى المجاورة لمحلة المصنع، على خط التجارة الحدودية الجديدة بين ضفتي الحفرة. وعززت الحفرة الثانية التي خلفها العدوان من أرباح هؤلاء الأشخاص الذين يتصيدون الفرص. وأبرز هذه التجارات ما يتعلق بشراء المحروقات والغاز من لبنان لبيعها في سوريا، حيث هناك ندرة في هذه المواد، تسمح لتجارها بمراكمة أرباحهم.

لم توقف الغارة الثانية على طريق المصنع هذا النشاط، وإنما تقلصت مساحة الطريق فقط وزادت مشقاتها، بمقابل إرتفاع بدل "التوصيلة". فعدد السيارات القادرة على التنقل بين ضفتي الخندقين اللذين خلفتهما الغارات بات محدوداً جداً، ولم يعد متاحاً لهذه السيارات أن تصل مباشرة الى ضفة الحفرة الأولى من الجانب السوري للحدود. وهذا ما زاد العبء المالي على المواطنين اللبنانيين والنازحين السوريين، بحيث إختار بعضهم أن يجتاز المسافة الفاصلة بين الحفرتين سيراً على الأقدام، رافضين كما قالوا الخضوع لإبتزاز السائقين الذين فرضوا تسعيرة خمسة دولارات لمسافة لا تتجاوز الكيلومترين. فوصل هؤلاء الى الحفرة الثانية على آخر نفس، وكان بينهم مسنات ومسنون.

مشقّة الطريق في الانتقال
ولكن على رغم المشقة الإضافية التي فرضتها الحفرة الثانية على الأشخاص، فإن حركة إجتيازها لم تتوقف. وترافقت حركة عبور الأشخاص مع عملية إنسياب غير منقطعة للبضائع، ذكر أنها تتمدد حتى لساعات الليل.
إلا أنه بعد أن كانت هذه البضائع تجتاز الطريق الدولية مباشرة الى أقرب نقطة من معبر جديدة يابوس بعد إجتيازها حفرة العدوان الأولى، أصبحت آلية الإنتقال تتطلب توصيلها أولاً الى ضفة الحفرة الأولى، لتحمّل من بعدها الى الضفة الثانية، ويجري نقلها إما بواسطة السيارات، أو شاحنة نقل شوهدت في المكان أو حتى "تك توك" ودراجات نارية. فيتم حينها الإنتقال بها الى الحفرة الثانية، حيث تسلم الى أصحابها ليتولوا بأنفسهم الإنتقال بها الى سوريا.
وكان لافتاً تفوق الدراجات النارية على وسائل النقل الأخرى بقدرتها على تخطي العوائق التي فرضتها الحفرتان على سائر المركبات الأخرى، فارتفع عددها وسط السيارات العالقة بين الحفرتين، وإستخدمت بشكل أساسي في نقل البضائع.
على ضفاف الحفرة الثانية إختلطت اللكنة اللبنانية مع السورية، وبين المتجمعين على الضفتين عدد من سائقي السيارات العمومية السورية، ممن بدا أنهم ناشطون أيضاً في نقل البضائع. وقد سُمع بعضهم يساوم تجار لبنانيين على كلفة نقل بضائع متفق عليها سابقاً بعدما قرر المتحدث على الطرف الآخر إستغلال الوضع لرفع الأجرة عليه.
هذه المشهدية التي رافقت الغارة الثانية على الطريق الدولية الفاصلة عند محلة المصنع أشاحت النظر في المقابل عن الرسالة التي أرادت إسرائيل إيصالها من خلال قصفه لمرة ثانية. إذ أن الإدعاءات بأن الطريق تستخدم لإمدادات عسكرية لا يبدو مقنعاً. بينما التداعيات الكبرى لإقفاله هي على حركة عبور الأشخاص والبضائع التي تسد حاجة سوريا أولاً، وربما هذا ما يفسر حضور عناصر عسكريين سوريين الى مكان الغارة الثانية لدى وقوعها، لتفقد أضرارها، مع ان الحفرة التي خلفتها واقعة  جغرافياً على الجانب اللبناني من الحدود.