جورج شكور وظاهرة "المسيحي الشيعي"

محمد حجيري
السبت   2024/09/07
جورج شكور
رحل قبل أيام، جورج شكّور(1935 - 2024) شاعر الملاحم الأربع: "ملحمة المسيح، الرّسول، الإمام علي والحسين"، وصاحب كتاب "زهرة الجماليا" الذي كتب مقدمته الشاعر سعيد عقل قائلاً "جورج شكّور لَقِيَّةُ عَصْرٍ"، علماً بأن صداقة نشأت بين الشاعرين واسمرت خمسين عاماً.

وقال سعيد عقل لشكّور "بولس سلامة نظم التاريخ في ملحمة الغدير، أما أنت فقد شعرنتَ التاريخ". واللافت أن شكّور، الشاعر المسيحي الأرثوذوكسي المنبري، وحافظ قصائد سعيد عقل، ابن بلدة شيخان الجبيلية، كان يقول "أنا شيعي مسيحي"، والقصد القول إنه شيعي شعرياً وليس دينياً أو مذهبياً. والراجح أن هوى شكور الشعري كان نتاجاً سوسيولوجياً من النتاجات اللبنانية الكثيرة التي تمر علينا مثل "مسيحي وطني"، "فلسطيني الهوى"، "شيخ أحمر"، "مطران أحمر"، "الماروني الأحمر"، "البيك الأحمر"، "شيعة المورانة"، "ماروني عروبي"، "سنّة المقاومة"، "الطائفة الوطنية"... هناك قاموس زاخر في هذا المجال، تنتجه الحراكات والعوالم والأبعاد الاجتماعية والسياسة والثقافية والإيديولوجية والزماكنية وربّما الانتهازية وغواية القوّة.

هوى شكّور الشعري، القصائدي، لا تفسره إلا سيرته وعيشه وعلاقته وجمهوره وأمسياته الشعرية والصعود السياسي الشيعي في العقود الأخيرة. فالشاعر الذي استهوته الرموز الدينية المسيحية والاسلامية والوطنية، وجد صداه الأكبر في الكتابة عن "أهل البيت"، وربّما أفاضت كتابات عنه في الثناء على عشقه للرموز الشيعية، وهو نفسه غالى في عشقه الشعري، وكتب قصائد عن نبي الإسلام وكربلاء والحسين والإمام علي الذي قال إنه مَثَله الأعلى واعتبره الإنسان المتفوق (فوق المخلوقات وتحت الخالق) الذي بحث عنه أفلاطون ونيتشة. وقال: "إن لم يكن الإمام علي نبياً فكلامه كلام نبيّ"، مستعيداً مقولة الشاعر بولس سلامة "فإذا لم يكن عليّ نبيّاً... فلقد كان خُلقُه نبوياً".

كتابات شكور عن الرموز الإسلامية، والشيعية تحديداً، جعلت السياسيين يوظفونها في السياسية بعد وفاته. فقال وزير الثقافة محمد بسام مرتضى، إن شكور هو "اللبناني المسيحي الذي عرف كيف يكتمل بالآخر الشريك في الحضارة وفي الوطن". وقال المستشار الثقافي الإيراني في لبنان كميل باقر: "كان صوتاً محمدياً وعلوياً وحسينياً مدافعاً عن القيم الإسلامية الإنسانية". وقبلهما تحدث الباحث الايراني عباس خامة يار، عن نزعة شكور الدينيّة أو الروحية الجامعة.

في الكلام عن الرموز الدينية، يغيب الشعر وجوهره، وتحضر السياسة والتوظيف السياسي والإيديولوجي والبياني. وشكّور ليس وحده الشاعر المسيحي الذي استهوته الكتابة عن نبي الإسلام والشيعة، فهناك كثرٌ من الأدباء والشعراء ممن تطرّقوا إلى إلامام علي من منطلق انساني أدبي بلاغي، مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة. فكتب جبران عن الإمام علي، كما كتب عن زعيم البهائيين والشخصيات التي التقاها، لكن ثمّة شعراء كان اختصاصهم وملاذهم نَظم الشعر عن الرموز الشيعية، مثل بولس سلامة (1902- 1979) الذي كتب "ملحمة الغدير". وجورج جرداق (1931-2014) مؤلف كتاب "الإمام علي صوت العدالة الإنسانية"، الأمر الذي جعل الإيرانيين بعد انتصار الثورة الخمينية، يلجأون الى تسمية شارع باسمه في طهران.

كان بعض الشعراء الكلاسكيين التقليديين يكتبون عن الرموز والشخصيات وحتى الزعماء والطغاة، كما يكتب الشعراء الحداثيين عن العزلة والوحدة والظل والشجرة والأثر. والفارق هو تبدل العوالم والتوجهات والمعاني والتفسيرات. الكتابة عن الرموز الدينية والسياسة كانت جزءاً من مهنة عامة وسائدة. الشاعر يلبّي المناسبة كونه يجيد النظم، ويبرع في المدح. وغالباً، يكون لقصيدة كتبها "شاعر مسيحي" عن الاسلام، وقع مختلف أو توظيف مختلف فيه مبالغات... حتى الآن، ما زالت المقالات المدائحية تُدبج حول قصيدة "مكة" للمسيحي سعيد عقل، والتي غنتها فيروز، رغم مرور أكثر من نصف قرن على إصدارها. وقدّم الكاتب فارس يواكيم في كتابه "الإسلام في شعر المسيحيين" نماذج لأكثر من 30 أديباً عربياً من سوريا ولبنان ومصر والسودان وفلسطين ودول عربية أخرى، كان الإسلام حاضراً في كتاباتهم، وخصّوه، كما نبيّه، بقصائد ومدائح. كذلك الكلام التراثي عن المسيح، له وقع خاصّ. فقدّم الأب اللاهوتي ميشال حايك كتابه "المسيح في الاسلام"، وكذلك كتب الباحث طريف الخالدي "الإنجيل برواية المسلمين"، والأب سميح رعد "إنجيل يسوع المسيح بحسب الاحياء للغزّاليّ"، ويمكن تقديم "المسيح في شعر المسلمين"، أو "الصليب في شعر المسلمين" من بدر شاكر السياب إلى محمود درويش...

هناك استعمال عابر للرموز التوراتية والإنجيلية والأسطورية في الشعر، لكن استعمال بعض الرموز الدينية في بعض الشعر المبنري يصبح له وقع إيديولوجي هوياتي مختلف.