حروب نتنياهو في الوقت المثالي

بشير البكر
الإثنين   2024/10/14
نتنياهو في اجتماع الكابينت (Getty)
قبل أن يذهب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو نحو الحرب على غزة، كان مهددا بالسجن بسبب تحقيقات الفساد. وما كان له أن يدخل في حرب مفتوحة، لولا قرار سياسي داخلي، في ظل وجود حكومة هي الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ اسرائيل، تضع على رأس أولوياتها شطب مشروع إقامة دولة فلسطينية، وتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، وتوسيع التطبيع مع العالم العربي، ومواجهة المخاطر الخارجية المحتملة على أمن إسرائيل، وخاصة من المشروع النووي الإيراني، الذي بات يقترب من تصنيع قنبلة ذرية.
يقود نتنياهو التيار الذي يتبنى هذا التوجه، وتعكس ذلك تركيبة الحكومة الإسرائيلية التي شكلها في 29 أيلول 2022. وقد كشفت عن أهدافها سريعاً في داخل فلسطين، من خلال ممارسات وزيري الأمن القومي والمالية، ايتمار بن غفير زعيم حزب "عوتسماه يهوديت"، الذي بدأ مسيرته تابعا لحركة كاخ المحظورة، التي أسسها الحاخام مائير كاهانا، المعروف بمواقفه العدائية والمتطرفة تجاه الفلسطينيين، ومعه بتسلئيل سموتريتش رئيس حزب "الصهيونية الدينية"، والذي كان من قيادة حركة التمرد على خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة العام 2005.

وعلى عكس ما تم ترويجه، فإن شرارة الحرب الأولى بدأت من تلك الحكومة، وليس فقط من هجمات السابع من اكتوبر، التي قامت بها الفصائل الفلسطينية على فرقة غزة العسكرية. والتي جاءت بعد سلسلة من اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى بقيادة بن غفير، وهذا هو سبب إطلاق اسم "طوفان الأقصى" على الرد الفلسطيني على هجمات المستوطنين، والذي تحول إلى ذريعة للحرب على غزة. ومن الملاحظ هنا أن المجتمع الاسرائيلي غير مكترث على مدى عام من الحرب على غزة، وما حركه فقط هو عودة الأسرى، بل وضع ثقله وراء الجيش.

لو تم تجريد المشاريع المسبقة من الذريعة، لما وسعت إسرائيل عملياتها العسكرية باتجاه الضفة الغربية ولبنان، إلى حد شن حرب مفتوحة. ومع أن حزب الله اعتمد استراتيجية اسناد محسوبة جداً لغزة، ولم يرد على نحو موجع على اغتيال فؤاد شكر أبرز قادته العسكريين، فإن اسرائيل قررت الحرب الشاملة على لبنان، وهي تحسب أن لديها فرصة من أجل القضاء على حزب الله، لن تتكرر.

كانت الصورة ستختلف لو أن نتنياهو وجد ردود أفعال ذات وزن ضد الحرب من داخل اسرائيل وخارجها. لو أن السلطة الفلسطينية تحركت ومعها الدول العربية على المستوى الدولي، لما كانت غزة تعرضت إلى هذا القدر من القتل والدمار. كان سيساعد الموقف العربي، على الأقل، في تحقيق وقف لإطلاق النار ودخول المساعدات الغذائية. لقد وجد نتنياهو في الموقف الفلسطيني الرسمي ونظيره العربي، ما يشبه الضوء الأخضر، وربما التأييد من قبل البعض.


لا يختلف الحال كثيراً في حال لبنان، البلد المنهك حد الاهتراء اقتصادياً وسياسياً، ولا يمتلك الحد الأدنى من مقومات المواجهة مع اسرائيل، ومنها تحمل أعباء النزوح، في ظل حكومة تصريف أعمال منذ عامين، بسبب تعطيل انتخاب رئيس الدولة. واللافت أن البلد أبدى قدراً من التماسك والوحدة الوطنية منذ اليوم الأول للحرب، رغم أن حزب الله لا يحظى بإجماع داخلي بسسب تغوله على الدولة، وتدخله في سوريا لمساندة النظام السوري.

هناك عامل آخر شجع نتنياهو على الحرب هو، حال الانقسام السياسي الداخلي في إيران، التي ترفع لواء محور المقاومة، وتقف من خلفه، وقد استفادت اسرائيل في الأعوام الأخيرة من النقمة الشعبية على ديكتاتورية رجال الدين، وسواء قاد ذلك إلى وجود متعاملين مع إسرائيل أم لا، فإن الشرخ الداخلي سمح بإضعاف جبهة النظام. وعلى هذا هناك رهان على أن زعزعة النظام من أجل اسقاطه، تشكل فرصة ثمينة الآن.

هناك فرصة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها وهي خروج سوريا والعراق من معادلة أمن الشرق الأوسط، وتشير التقديرات إلى أنه في وسع اسرائيل أن تجتاح المنطقة من دون أن تلقى مقاومة واسعة، بل هي تراهن على قوى محلية تساندها من باب العداء للحكم في البلدين، نظراً إلى قربه من إيران، التي تحتفظ بميليشيات عسكرية طائفية موالية، تمنع الدولة من أداء دورها في العراق، وتحول أجزاء من شرق ووسط وجنوب سوريا إلى قواعد عسكرية لإيران، وهذا ما سوف تستند إليه إسرائيل من أجل تكثيف عملياتها العسكرية على أراضي كل منهما. وهناك نقطة مهمة وهي إن ضعف البلدين، يفتح شهية اسرائيل وأطراف إقليمية على إحداث تغيير سياسي عميق داخل سوريا والعراق، يدفعهما نحو التطبيع، ويشجع حال الشلل الذي يعانيه النظام السوري على ملء الفراغ.

منذ بدء العملية العسكرية على لبنان، بات يتردد في بعض وسائل الإعلام أن نهاية حزب الله تعني أمرين، بداية نهاية إيران، وانطلاق مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي بشر به نتنياهو في خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة، وصار البعض يطلق على رئيس الوزراء الإسرائيلي "ملك الشرق الأوسط"، الذي جرى وضع أساسه مع بدء خطوات التطبيع، التي قامت بها بعض الدول العربية، على اساس تحالف المصالح ضد إيران. ويروّج هؤلاء بأن ذلك لم يكن ممكناً تحقيقه بوجود أذرع إيران في البلدان العربية، وما لم يتم اللجوء إلى الحرب.

يجري ذلك بينما يعيش الرأي العام العربي حالة من الإحباط، بعد استعادة الثورة المضادة المبادرة، وخسارة الرهان على التغيير، وإقامة أنظمة ديموقراطية في مصر وسوريا. وانعكس ذلك بوضوح في الفراغ السياسي والعسكري الناجم عن غياب دولتي المواجهة الأساسيتين، ونجاح حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس النظام السوري بشار الأسد، في إقصاء المجتمع وقواه السياسة عن لعب دور يشد عصب البلد، بما يمنع من اختراق اسرائيل للمنطقة.

تخوض اسرائيل حروبها في ظل إدارة اميركية منحازة تتبنى الرواية الإسرائيلية، ورغم أن نتنياهو يحظى بتغطية سياسية ودعم عسكري كامل من الولايات، فإنه يعمل لتكون اسرائيل صاحبة قرارها بخصوص مستقبل الشرق الأوسط، وسوف يختلف الأمر تبعاً للفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، الديموقراطية كامالا هارس، أو منافسها الجمهوري دونالد ترامب، وفي حال نجاح الأخير سوف يجد نتنياهو نفسه طليقا.

ومما يساعد نتنياهو على تسريع حروبه، غياب روسيا عن مسرح أحداث الشرق الأوسط، وضعف الدور الأوروبي، وكان لافتاً أن اسرائيل قصفت مرات عديدة أهدافاً في الساحل السوري في محيط قاعدة حميميم الروسية، ولم يصدر أي رد فعل عن الجيش الروسي، كما أن تحرك أوروبا اقتصر على زيارة لوزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت، تبين أنها من باب رفع العتب.

لا يبدو أن هناك ما يوقف التوحش الاسرائيلي، الذي يروج بأن محاولات تغيير الشرق الاوسط فشلت سلمياً، ولا بد من القيام بذلك بالقوة.