الانتخابات الفرنسية:نحو شلل الدولة والمؤسسات

تمام عصام نور الدين
السبت   2024/06/29
نهار الأحد 30 حزيران/يونيو، يتوجه حوالي 49 مليون ناخب فرنسي الى صناديق اقتراع الدورة الأولى للإنتخابات التشريعية المبكرة، بعد قرار حلّ الجمعية العامة الذي اتخذه ايمانويل ماكرون  مساء الأحد 9 حزيران/يونيو، بعد دقائق على بدء ظهور نتائج الانتخابات الأوروبية.

النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المبكرة سوف تبدأ بالظهور مساء الأحد 7 تموز/يوليو، أي بعد انتهاء الدورة الثانية من هذه الانتخابات. واعتباراً من لحظة ظهور النتائج، تكون فرنسا قد خطت خطوتها الأولى نحو شلل في مؤسساتها الدستورية وضمور في تأثيرها على الساحة الدولية مهما كانت النتائج التي ستخرج من صناديق الاقتراع.


ثلاثة سيناريوهات

وتقف فرنسا اليوم أمام سيناريوهات ثلاثة، يتمثل الأول بحصول حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبين على أكثرية النصف زائد واحد وقيام ماكرون بتكليف صهر عائلة لوبين، جوردان بارديلا تشكيل حكومة. 

في السابق كانت أي حكومة في فرنسا تحدث تغييرات في تركيبة الإدارات الفرنسية وتغير وجه البلد، حتى لو كانت في عهد مساكنة سياسية. مثلاً، حين كان جاك شيراك رئيساً للجمهورية وليونيل جوسبان رئيساً للوزراء، أو حين كان فرنسوا ميتران رئيساً وشيراك رئيساً للوزراء، حيث كان أحد قطبي السلطة التنفيذية يمينياً والآخر يسارياً. لكن يجب عدم نسيان أن الطرفين كانا على اتفاق تام في السياسة الخارجية كموضوعي الناتو وأوروبا وشبه اتفاق على السياسة النقدية الواجب اتباعها داخلياً.   

أما حكومة على رأسها بارديلا، مع وجود ماكرون في رئاسة الجمهورية ستشلّ فرنسا، أولاً بسبب الإضرابات العمالية لبعض اليسار الذي لا يزال قابضاً على بعض نقابات سكك الحديد وعدد قليل من نقابات عمالية لم تتأثر إنتاجيتها بالعولمة وإزالة الحدود في أوروبا. ثانياً سيقوم طرفا السلطة التنفيذية باتهامات متبادلة بالتعطيل وشل البلد وأخذ فرنسا نحو أزمة اقتصادية لم تشهدها من قبل. 

أما السيناريو الثاني فيتمثل بحصول بارديلا على أكثرية غير كافية لدخوله قصر ماتينيون الحكومي، عندئذ تكون فرنسا أمام مشكلة من نوع آخر، ألا وهي عدم حصول أي من المعسكرات المتنافسة على أغلبية تمكنها من تشكيل حكومة تتمتع بالحد الأدنى من إمكانية  الصمود في البرلمان، وأمام غضب الشارع المتعطش للتغير وكره ماكرون، هل بإمكان الرئيس الفرنسي الاستمرار بالحكم بحال سقوط الحكومة أمام البرلمان بالضربة القاضية في أول مثول لها في قصر بوربون التشريعي، في جلسة تلاوة السياسة العامة للحكومة الجديدة؟


وهل يُقدِم ماكرون على الاستقالة؟ أم يقوم بتفعيل المادة 16 من الدستور التي تحصر كل الصلاحيات في يد رئيس الجمهورية أي عملياً تعليق الدستور.


السيناريو الثالث، وهو سيناريو ضعيف، يتمثل بظهور أكثرية هجينة من اليسار ونوابٍ محسوبين على ماكرون يشكلون أكثرية نيابية. ولكن هذا السيناريو مستبعد لأن اليسار ليس يساراً واحداً بل يسارات متناحرة وكل مكون من مكونات الجبهة الشعبية (تحالف اليسارات) يطمح لتبوءِ منصب رئاسة الحكومة. 


بعد هذا العرض للوضع الآني يمكننا القول أن اليمين المحافظ وورثة الجنرال ديغول قد ذابا داخل اليمين المتطرف وأصبح اليمين المتطرف يميناً تقليدياً مقبولاً في الشارع الفرنسي.


منذ 20 عاماً، كان ناخبو اليمين المتطرف لا يبيحون بانتمائهم لأنه كان من العيب والعار انتخاب حزب لوبين يومها، أما اليوم، فأصبح عمال المصانع والفلاحون وأهل الأرياف،  يشكلون العصب الأساسي لحزب لوبين في مواجهة يسار مشتت وضعيف يعتمد وجوده على بعض أبناء المدن الكبيرة والمتوسطة، وأبناء الطبقة الوسطى من موظفي القطاع العام والبلديات، وحزب شيوعي في طور الانقراض.


في سبعينيات القرن الماضي كان الحزب الشيوعي يحوز على أكثر من 20 في المئة من مقاعد البرلمان، وقد أظهرت انتخابات الرئاسة عام 2022 ضموراً للشيوعين والاشتراكيين بحيازة كل منهما على 2 في المئة وحصول اليمين التقليدي الديغولي على أقل من 5 في المئة من مجمل أصوات المقترعين.


هكذا أصبحت فرنسا بصدد دفن مبادئ الجنرال ديغول التي حكمت سياساتها الخارجية لأكثر من 75 عاماً، وأخذت فرنسا تتخلى شيئاً فشيئاً عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي جعل منها منارة وقبلة للعالم الحر وللديمقراطية وللعدالة، وأصبحت اليوم تبحث في سجلاتها عن  لاجئين فلسطينيين تتجاوز أعمارهم ال75 عاماً كانت قد استقبلتهم خلال حقبة شيراك وتقوم اليوم بإبعادهم عن أراضيها بحجة معاداة السامية وتمجيد الارهاب.


ماذا نقول للجنرال ديغول عن فرنسا التي كانت كبيرة كقامته وقامة شيراك وأصبحت منذ وصول ساركوزي إلى الحكم الذي حجّمها لتكون صغيرة ومشابهة لقامته، وأن ورثة ديغول السياسيين قد حلّوا حزبه وأذابوا أنفسهم، وتبنوا أفكار ورثة الماريشال بيتان .