رغم العدوان الذي تتعرض له ضاحية بيروت الجنوبية، ونزوح غالبية سكانها، ما زالت الحياة شبه طبيعية في العديد من الأحياء من منطقة برج البراجنة وصولاً إلى حي السلم. فبالنسبة للعديد من السكان بات من الصعب الاستمرار بالاعتماد على المساعدات التي تصل إلى مراكز الإيواء، وبات الأفضل العيش وسط المخاطر على "ذل النزوح". وما يساعدهم في العودة للعمل أو حتى للنوم في بيوتهم، أن نزوحهم لا يبعد عن منازلهم إلا بضعة كيلومترات.
ازدياد الطلب على النجارة
في جولة ميدانية قامت بها "المدن" على العديد من أحياء الضاحية، يبدو سكان بعض المناطق تآلفوا مع القصف الإسرائيلي الذي تتعرض له منطقتهم. صاحب الدكان أو بائع الخضارعاد لممارسة نشاطه التجاري. يفتح محاله التجاري لساعات خلال النهار ثم يعود إلى مراكز الإيواء للنوم مساءً.فئة أخرى فضلت العودة إلى منازلها نهائياً إلا في حال تجدد التهديدات بضربها. وتحسباً لهذا الفئة على وجه التحديد، يعمد عناصر من أحزاب المنطقة إلى إطلاق النار في الهواء، لإيقاظهم وإنذارهم لإخلاء المباني.
كان من المستحيل على أصحاب المصالح البقاء بلا عمل، وهم الذيم ما اعتادوا مغاردة أرزاقهم بسهولة. يعود هؤلاء إلى الضاحية خلال ساعات الصباح الأولى، ويغادرون عند الساعة 2 بعد الظهر، وكأن هناك مواعيد محددة للأمان. محمد عبد الله أحد من الذين نزحوا من المريجة إلى محيط الضاحية من جهة الشويفات. يعمل في النجارة زهي المهنة التي ازداد الطلب عليها نتيجة القصف العنيف الذي يؤدي إلى تخلع الأبواب والشبابيك، في مختلف الأحياء.
ويُشير عبد الله في حديث لـ"المدن": "بعد الضربات العنيفة التي تعرضت لها الضاحية خُلعت الابواب والنوافذ، وكان هناك حاجة من السكان إلى إقفالها خوفاً من السرقات، القوارض والحشرات، ومياه الشتاء".
بدأت قصة عبد الله عندما استعان به أحد معارفه لإغلاق باب منزله في منطقة الجاموس، ومن شخص إلى آخر أصبح رقمه معروفاً بين أبناء الحي. يقول الرجل لـ"المدن": "عندما يتواصل معي السكان أتفق معهم على وقت محدد لنلتقي ونتجه نحو المنزل، فأسجل المقاسات والطلب كاملاً وأعود باليوم التالي للتركيب بعد تجهيز كل التفاصيل خارج الضاحية لكي لا أبقى في المكان نفسه طويلاً.
يكشف عبد الله أن مهمته دقيقة، خصوصاً في ظل السرقات اليومية التي تحصل، ومؤخراً شُكلت لجان الأحياء، مهمتها حماية الحي من السرقات، وعلى صاحب المنزل إبلاغ اللجنة بأن عمالاً سيدخلون منزله للعمل".
ومثل محمد النجار، قرر يونس شهاب، الذي يعمل مع شركة لنقل وتوضيب الأثاث المنزلي، المخاطرة للعمل في الضاحية. ويقول في حديث لـ"المدن" إنه "أمام خيارين، إما ان يعمل في الضاحية رغم المخاطر أو يصبح عاطلاً عن العمل، فقرر الخيار الأول".
ويضيف: "نتوجه إلى الضاحية صباحاً وندخل المنزل المُراد نقل أثاثه، فنعمل على الفكّ والتوضيب والتغليف حتى الساعة الواحدة ظهراً، ونعدّ الأثاث للنقل، ونعود في اليوم التالي لنقله".
صامدون رغم المخاطر
تشير الجولة على الضاحية، إلى وجود حياة شبه طبيعية في بعض احيائها، ليس مؤشراً على انتهاء الحرب ولا استعادة الشعور بالأمان من غدر العدو، إنما لحاجة السكان للعمل من أجل تأمين استمرارية حياة الأسر. فإلى جانب العمل والمصالح ثمة أسباب أخرى دفعت بعض السكان للعودة إلى الضاحية بسبب بؤس العيش في مراكز الإيواء. فقد طال أمد الحرب والنزوح ولم يعد المواطن حسن محسن قادراً على البقاء بعيداً عن بيته.
يسكن محسن في محيط الجامعة اللبنانية، وترك منزله في 27 أيلول بعد اغتيال السيد حسن نصرالله، ولجأ إلى مركز إيواء برفقة عائلته في بيروت. ويقول: "لم أتأقلم، ولم أتحمّل أن يقدّم لي الطعام والفرشة على سبيل المساعدة، فقررت العودة إلى المنزل رغم كل المخاطر". حيث "لا كهرباء ولا ماء في الكثير من الأحياء خلال فترة المساء". ورغم خوفه من التهديدات الإسرائيلية بقصف الضاحية والتي تصدر بشكل شبه يومي، يفضل البقاء في بيته. إلا في حال" كانت الضربات قريبة من سكنه، كما حصل مساء الجمعة الماضية عند تم استهداف حي الجامعة".
ويشير محسن إلى أن الرجال من جيرانه أخرجوا عائلاتهم وأسكنوهم في مراكز الإيواء، فيما عادوا للبقاء في منازلهم لحراستها والحفاظ على ممتلكاتهم من السرقة.
بحسب جولة "المدن" تبين أن عدداً من الأحياء ما تزال مأهولة وتحصل على الكهرباء من أصحاب المولدات لساعات محددة. وقد أرسل أصحاب الإشتراكات جداول التقنين، وحذروا السكان في الوقت عينه من عدم الاعتماد على الكهرباء بشكل رئيسي، خصوصاً بما يتعلق بالمصاعد، فقد تُقطع الكهرباء بشكل مفاجىء دون القدرة على إعادتها.
إلى ذلك تقوم بعض لجان البنايات في الضاحية بتقسيم المهام والعمل بين بعضهم لرفع النفايات، وإبعادها خارج الضاحية، ولا سيما بسبب انتشار القوارض بشكل كثيف، ما يعرض ممتلكاتهم للتلف.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها