الإثنين 2024/09/30

آخر تحديث: 13:48 (بيروت)

الرواية الكاملة لاختراق "حزب الله"...و"نافورة" البيانات السورية

الإثنين 2024/09/30
الرواية الكاملة لاختراق "حزب الله"...و"نافورة" البيانات السورية
البيت الابيض رفض اغتيال نصر الله في المرة الاولى قبل أشهر بعد انكشافه (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
مهّدت اسرائيل لاغتيال أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله وقيادة الحزب العسكرية، بمسار جمع المعلومات الاستخبارية عنه في سوريا، مما أعطى تل أبيب إسرائيل الفرصة لاتخاذ قرارها، حسبما ذكرت "فايننشال تايمز" البريطانية في تقرير موسع، لافتة الى أن النتيجة كانت "صورة استخباراتية" كثيفة، تشمل "من كان مسؤولاً عن عمليات حزب الله، ومن كان يحصل على ترقية، ومن كان فاسدًا، ومن عاد للتو من رحلة غير مفسرة". 

وقالت رندا سليم، مديرة البرامج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: "كانت سوريا بداية توسع حزب الله. وقد أدى ذلك إلى إضعاف آليات الرقابة الداخلية لديهم وفتح الباب أمام التسلل على مستوى كبير".

نافورة البيانات السورية
وخلقت الحرب في سوريا نافورة من البيانات، معظمها متاح للعامة لجواسيس إسرائيل وخوارزمياتهم لكي يتم تحليلها. وكانت نعوات القتلى، في هيئة "ملصقات الشهداء" التي يستخدمها حزب الله بانتظام، واحدة من روافد هذه النافورة، التي كانت تتخللها قطع صغيرة من المعلومات، بما في ذلك البلدة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قُتل فيه، ودائرة أصدقائه الذين ينشرون الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت الجنازات أكثر كشفا، حيث كانت تجتذب أحيانا كبار القادة من الظل، ولو لفترة وجيزة.

وقال سياسي لبناني رفيع المستوى سابق في بيروت إن اختراق حزب الله من قبل المخابرات الإسرائيلية أو الأميركية كان "ثمن دعمهم للأسد".  وأضاف: "كان عليهم أن يكشفوا عن أنفسهم في سوريا"، حيث اضطرت المجموعة السرية فجأة إلى البقاء على اتصال وتبادل المعلومات مع جهاز الاستخبارات السوري الفاسد سيئ السمعة، أو مع أجهزة الاستخبارات الروسية، التي كانت تخضع لمراقبة منتظمة من قبل الأميركيين.

كان التركيز الإسرائيلي الموسع على حزب الله في المنطقة مصحوباً بميزة تقنية متنامية، وفي نهاية المطاف لا يمكن التغلب عليها، وتشمل أقمار التجسس، والطائرات بدون طيار المتطورة، وقدرات القرصنة الإلكترونية التي تحول الهواتف المحمولة إلى أجهزة استماع.

الوحدة 9900
تمكنت اسرائيل من جمع الكثير من البيانات لدرجة أنها امتلكت مجموعة مخصصة، الوحدة 9900، والتي تكتب خوارزميات تفحص تيرابايتات من الصور المرئية للعثور على أدنى التغييرات، على أمل تحديد جهاز متفجر مرتجل على جانب الطريق، أو فتحة تهوية فوق نفق أو الإضافة المفاجئة لتعزيزات خرسانية، مما يشير إلى وجود مخبأ.

بمجرد تحديد هوية أحد عناصر حزب الله، يتم إدخال أنماط تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات، والتي يتم سحبها من أجهزة يمكن أن تشمل الهاتف المحمول لزوجته، أو عداد المسافات في سيارته الذكية، أو موقعه. 

يمكن التعرف على هذه من مصادر متباينة مثل طائرة بدون طيار تحلق في الأعلى، أو من كاميرا مراقبة مخترقة يمر بها، وحتى من صوته الملتقط على ميكروفون جهاز التحكم عن بعد في التلفزيون الحديث، وفقًا للعديد من المسؤولين الإسرائيليين.

جداول القادة
وذكرت "فايننشال تايمز" إن أي انقطاع عن هذا الروتين يصبح بمثابة تنبيه لضابط الاستخبارات لكي يفحصه، وهي التقنية التي سمحت لإسرائيل بتحديد القادة المتوسطي المستوى لفرق مكافحة الدبابات المكونة من مقاتلين أو ثلاثة مقاتلين والتي ضايقت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي من عبر الحدود. 

وفي مرحلة ما، راقبت إسرائيل جداول القادة الأفراد لمعرفة ما إذا كان قد تم استدعاؤهم فجأة تحسبا لهجوم، كما قال أحد المسؤولين. ولكن كل واحدة من هذه العمليات تتطلب الوقت والصبر للتطور. 

بنك أهداف ضخم
وقالت الصحيفة الأميركية إن المخابرات الإسرائيلية تمكنت على مدى سنوات من ملء بنك أهداف ضخم لدرجة أنه في الأيام الثلاثة الأولى من حملتها الجوية، حاولت طائراتها الحربية تدمير ما لا يقل عن ثلاثة آلاف هدف مشتبه به لحزب الله، وفقا لتصريحات عامة صادرة عن جيش الدفاع الإسرائيلي.

وقال مسؤول سابق: "كانت لدى إسرائيل الكثير من القدرات، والكثير من المعلومات الاستخباراتية المخزنة في انتظار استخدامها. كان بوسعنا أن نستخدم هذه القدرات منذ فترة أطول خلال هذه الحرب، لكننا لم نفعل". 

خداع "حزب الله"
ويبدو أن هذا الصبر قد أتى بثماره بالنسبة لجيش اسرائيل، حسب الصحيفة التي قالت: "على مدى أكثر من عشرة أشهر، تبادلت إسرائيل وحزب الله إطلاق النار عبر الحدود، وبالرغم من ان إسرائيل قتلت بضع مئات من عناصر حزب الله من المستوى المنخفض، إلا ان أغلبهم كان داخل مسرح للصراع يتوسع ببطء، ويمتد على بعد بضعة كيلومترات إلى الشمال من الحدود". 

واضافت: "يبدو أن هذا قد خدع نصر الله وجعله يعتقد أن الخصمين اللدودين متورطان في نوع جديد من سياسة حافة الهاوية، مع خطوط حمراء واضحة المعالم يمكن إدارتها حتى توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار في غزة مع حماس، مما يسمح لحزب الله بـ "مخرج" يسمح له بالموافقة على وقف إطلاق النار مع إسرائيل.

يقول يزيد صايغ من مركز الأبحاث "كارنيغي الشرق الأوسط": "لقد شعر حزب الله بأنه ملزم بالمشاركة في القتال، ولكنه في الوقت نفسه حد من نفسه بشدة ـ لم تكن هناك أي نية حقيقية له في اتخاذ أي مبادرة قد تحقق له بعض المزايا"، كما "ويبدو أنهم أطلقوا بضعة صواريخ هنا وهناك، وتلقوا بضع ضربات في المقابل، ثم خدعوا أنفسهم بفكرة مفادها أن هذا هو الحد الأقصى ـ فقد أبقوا إحدى يديهم، إن لم يكن كلتاهما، مقيدتين خلف ظهورهم ولم يفعلوا شيئاً يقترب من قدراتهم الكاملة". 

العثور على نصر الله
بلغت العملية الاسرائيلية ذروتها يوم الجمعة باغتيال نصر الله، وهو الإنجاز الذي وافق عليه سلف نتنياهو، إيهود أولمرت، العام 2006، وفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيقه.

في الأشهر الأخيرة، إن لم يكن في السنوات الأخيرة، نجحت الاستخبارات الإسرائيلية تقريبا في إتقان تقنية سمحت لها، بشكل متقطع على الأقل، بتحديد مكان نصر الله، الذي كان يشتبه في أنه كان يعيش في الغالب تحت الأرض في شبكة من الأنفاق والمخابئ.

في الأيام التي أعقبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول، انطلقت طائرات حربية إسرائيلية بتعليمات بقصف موقع كان نصر الله قد عثر فيه عليه جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "أمان"، وقد ألغيت الغارة بعد أن طالب البيت الأبيض نتنياهو بذلك، وفقاً لأحد المسؤولين الإسرائيليين.

ويبدو أن الاستخبارات الإسرائيلية حددت موقعه مرة أخرى الجمعة، متوجهاً إلى ما أسماه الجيش "مخبأ القيادة والسيطرة". تم إبلاغ نتنياهو في نيويورك، على هامش خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث رفض فكرة وقف إطلاق النار مع حزب الله وتعهد بالمضي قدماً في الهجوم الإسرائيلي. 

وقال شخص مطلع على الأحداث إن نتنياهو كان على علم بعملية قتل نصر الله قبل أن يلقي خطابه. ويقول نتنياهو إن حملة إسرائيل لم تنته بعد. ولا يزال من الممكن أن ترسل إسرائيل قوات برية إلى جنوب لبنان للمساعدة في تطهير المنطقة العازلة شمال حدودها. ولا تزال الكثير من قدرات حزب الله الصاروخية سليمة.

قطع 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها