محمد شامل الكاتب والمسرحي والممثل والمخرج والأديب والشاعر والمربي ومكتشف المواهب ورائد الفن الشعبي في لبنان. وبحسب زياد عيتاني فقد تدمّر المكتب والصور والهدايا والكتب والنصوص والأوسمة (حائز وسام الارز الوطني ووسام المعارف وجائزة المسرح 1973). وكذلك احترقت القصائد التي كتبها لأحفاده. علما أن ابن شامل، الفنان ناجي كان قد سحب قسماً كبيراً من الارشيف واشتغل عليه تبويباً وتصنيفاً. وفي رأي زياد أن ما يظل يربطه بجده محمد شامل أكثر من القرابة، ولكن البصمة المميزة التي وضعها شامل في الدراما اللبنانية، وادخاله مفهوم الدراما الاجتماعية الشعبية إلى كل البيوت في لبنان. الحبكة الاجتماعية الشعبية الاصيلة من دون اسقاطات إيديولوجية.
على مدى ستة عقود أعطى شامل وكتب عشرات ومئات النصوص الإذاعية والمسرحية والتلفزيونية. كان ظاهرة إبداع في المجتمع اللبناني وشاهد على غنى وريادة على زمن صنعه الكبار بتعب وصدق وتجرّد. كانت عدته عين لاقطة وذاكرة حافظة وثقافة عميقة ووجدان أصيل. أسمعه يقول: "أنا واحد من أبناء بيروت الخيرين البسطاء الذين تركوا بصمتهم في تفكير من عداهم. أنا ابن البيئة البيروتية. غرسة الفن زرعها في نفسي حكواتي الحي والفرق المصرية التي كانت تزور بيروت".
عمل في مطلع حياته في دكان عطار وعرف سر الخلطة التي تنشر العطر والعبير. درس في المقاصد وكان يستعد للسفر مع الشيخ عبدالله العلايلي إلى أزهر القاهرة ليتابع تعليمه لكن تعثرت الرحلة. تعاطى التعليم وعمل في مدرسة الأزهرية ومدرسة الشيخ عباس ومدرسة العزيزية ثم انتقل إلى مدرسة البنين الأولى في عين المريسة ناظراً ومديراً لأكثر من عشرين سنة. انتسب إلى الحركة القومية الاجتماعية عام 1937 وكتب قصيدة في الزعيم أنطون سعاده يقول في مطلعها:
"اخا الخطرات الغر انك ملهمي/ وغيرك في الالباب لم يتحكم" .
نال إجازة في الأدب العربي بإشراف فؤاد افرام البستاني مع رسالة بعنوان "أدب الخوارج في الإسلام". أسّس جمعية ترقية التمثيل الأدبي وبدأ مع صديقه عبد الرحمن مرعي في ثنائي "شامل ومرعي". وقدّم العديد من المسرحيات على خشبة مسرح الوست هول في الجامعة الاميركية وحصد نجاحاً. استدعاه الرئيس الاستقلالي بشارة الخوري إلى القصر الجمهوري وكرّمه وأجلسه إلى يمينه مخترقاً البروتوكول. سأله رياض الصلح: كيف نكرّم أهل الفن ونرفع من مستوى الفن في بلادنا؟ أجابه: إسع لتأسيس فرقة مسرحية قومية". فقال لي: "ادرس الفكرة". درستها وقدمتها مقترحاً. اغتيل رياض الصلح وبقيت الفكرة على الورق. انضم إلى إذاعة الشرق الأدنى وكتب ومثل وأخرج العديد من النصوص، ومنها إلى الإذاعة اللبنانية ركنا من أركانها. في نهاية الخمسينات كان مع الأخوين رحباني وزكي ناصيف وتوفيق الباشا وصباح وصبري الشريف في تأسيس الليالي اللبنانية في مهرجانات بعلبك، واستمر مديرا للمسرح حتى عام 1963.
كانت المحطة المهمّة في حياته أيضاً اكتشافه لشوشو (الفنان حسن علاء الدين) وكان يسميه "ابني الروحي".
عاد شامل بقوة الى التلفزيون والإذاعة والمسرح مع برامج ناجحة مثل "يا مدير" و"شارع العز" و"حكاية كل يوم" و"مسرح ابو الريش و"أشعب والكندي" و"عائلة الشوبكلي" و"الدنيا هيك" و"الدنيا لمين". كما قدّم في إذاعة صوت الوطن عدة برامج أشهرها "اسمعوا يا ناس" و"شوية حكي". ارتقى محمد شامل بالحكمة مع البسمة. وظف الكلمة لتصبح إشارة ومعنى في الرأي العام مثل "يا مدير" و"كيفك يا شخص" و"الدنيا هيك". أرسى الميزان الدقيق بين ما هو كوميدي هادف وما هو تطفّل وتهريج وابتذال. حافظ عل المستوى الفني والأخلاقي وأوجد أسلوب السهل الممتنع ولكن العميق والمتجذّر في البيئة البيروتية والهوية الانتماء. نقل كتب التراث بطريقة مبسطة الى الإذاعة والتلفزيون. أصرّ على الوصول إلى قلوب الناس وعقولهم بالحكمة والحنكة والافق الوسيع والوعي الاجتماعي. وسعى إلى القمة وبلغها وهو يضحك من كل شيء. لم ينشء أدباً لنفسه إلا أنه تمثل جمهوره في كل ما قال وكتب. يسأله فاروق الجمال في كتابه "الدنيا هيك محمد شامل". من أين تستمد طاقتك وحكاياتك؟ يجيب: "من جروح الفكر القديمة التي أفكك عقدها وأنشر جمالاتها المزدحمة بالظلال. من عائلات الحي الواحد التي تعيش وكأنها عائلة كبيرة. جيران يمتلكون سلاحي الألفة والمحبة. إنها حكايات الناس البسطاء".
لبث يردّد أن التاريخ سيذكر أن الذي أسس المسرح القومي في لبنان انسان وزنه 55 كلغ ويحمل على رأسه قتاطير المسؤولية ولم يكن يريح نفسه (يقصد شوشو).
نتذكّر محمد شامل في زمن الحرب، صفحة عزيزة من تاريخ لبنان الفن والإبداع، ونأسف لكل ما تدمّر أو ضاع من تراثه وأرشيفه. وإذا كان معهد كينيدي وضع له صورة قرب صورة جورج هاملتون وكتب تحتها: "هذا الرجل أعطى في لبنان مثلما أعطى هاملتون في الولايات المتحدة". فحري بنا في لبنان أن يصار إلى تكليف لجنة لحفظ تراثه وأرشيفه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها