الأربعاء 2024/10/23

آخر تحديث: 14:48 (بيروت)

رشيد الخالدي: المحاربون في لبنان اليوم...أطفال 1982 (2/2)

الأربعاء 2024/10/23
رشيد الخالدي: المحاربون في لبنان اليوم...أطفال 1982 (2/2)
"بعيدون جداً من الحل في الوقت الراهن"
increase حجم الخط decrease
بعد جزء أول، نستكمل هنا، في جزء ثانٍ وأخير، استعراض ما جاء خلال لقاء مع المؤرخ الفلسطيني الأميركي، رشيد الخالدي، والذي نظمه مشروع "حلول للسياسات البديلة" و"برنامج دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية بالقاهرة" تزامنًا مع ذكرى عام كامل على حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة.

إحدى المشاكل الأساسية التي يشير إليها رشيد الخالدي في الوضع الفلسطيني اليوم هي غياب حركة وطنية وهدف موحد، واستراتيجية لتحقيق ذلك الهدف. يقول كان للفلسطينيين حركة وطنية موحدة لعقود من الزمن، وكان لها رؤية استراتيجية في البداية، كانت الرؤية هي تحرير فلسطين، حتى وإن لم تكن متطورة بشكل كبير، ولم يكن الأمر واضحاً كثيراً، ثم انهارت الحركة الوطنية لأسباب عديدة وتحوّل الهدف بعدها إلى "حل الدولتين"، وكأحد المشاركين في المفاوضات بمدريد وواشنطن في التسعينيات بصفته مستشاراً للوفد الفلسطيني، يؤكد الخالدي أن تعثر هذا الهدف الاستراتيجي كان في الأساس بسبب تعنت إسرائيل والولايات المتحدة اللتان رفضتا منذ البداية وحتى اليوم قبول دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة "لم تقبل إسرائيل ذلك أبداً. لم تقبل تقرير المصير الفلسطيني. لم تقبل أبدا أن تكون دولة ذات سيادة كاملة" مشيرا إلى خطاب رابين الأخير أمام الكنيست الإسرائيلي قبل أسابيع من اغتياله، بالتحديد قوله إن ما نقدمه للفلسطينيين أقل من دولة وسوف نسيطر على نهر الأردن، وهو تأكيد على استمرار الاحتلال الإسرائيلي. هذا ما كان يعرضه رابين وما استمر حتى الان، وبالطبع "لم تتجاوز الولايات المتحدة هذا الحد أبداً". العوامل الخارجية أحد أسباب صعوبة تحقيق الوحدة الفلسطينية أيضاً، التدخل من قبل مجموعة متنوعة من القوى الإقليمية والدولية التي لها مصلحة في إبقاء الفلسطينيين ضعفاء ومنقسمين. والولايات المتحدة بالطبع.

لذا يرى الخالدي أننا بعيدون جداً من الحل في الوقت الراهن، بعدما جعلت هذه الحرب إيجاد أي حل أكثر صعوبة مما كان عليه بالفعل، إضافة إلى ما قامت به إسرائيل خلال العقود الماضية، وهو ما يجعل حتى حل الدولتين أكثر صعوبة من أي وقت مضى، على ما فيه من "عيوب هائلة". يتساءل: كيف يمكنك إنشاء دولة فلسطينية في وضع استولت فيه إسرائيل على 60% أو 70% من مساحة الضفة الغربية وغرست 700.000 من مواطنيها في هذه المناطق التي تسيطر عليها عسكرياً، وأصبحت تهيمن على الضفة الغربية بأكملها؟ "من يريد التحدث عن حل الدولتين يجب أن يخبرني كيف ستلغي هذه الحقيقة. ربما تجاوزنا النقطة التي يكون فيها حل الدولتين ممكنا، حتى لو كان مرغوب فيه. كيف ستحقق ذلك؟ لديك شعبان أصبح عداؤهما لبعضهما البعض أكبر بكثير من أي وقت مضى، ولا سيما بعد هذه الحرب. لذلك ليس لدي أي فكرة عن كيفية الوصول إلى ذلك".

هل يعني ذلك أن مخطط الاستعمار الاستيطاني نجح بالفعل؟ لا، يقول الخالدي، يمكن للاستعمار الاستيطاني أن ينجح فقط عندما يقضي تماماً على السكان الأصليين أو يخضعهم بالكامل. وهو ما لم يتحقق لإسرائيل حتى الآن، رغم محاولتها الحثيثة، "ففي القرن 21 من المستحيل التخلص من ملايين البشر، رغم إن إسرائيل تحاول بالفعل بل كادت تنجح لولا أن المصريين والأردنيين رفضوا قبول الأشخاص المهجرين من غزة" يشير الخالدي إلى حدث مهم في بداية الأسابيع الأولى من الحرب، عندما جال "بلينكن" وحاول إقناع مصر والمملكة العربية السعودية والأردن بمشروع طرد الفلسطينيين من غزة، أي القضاء على سكان غزة من خلال إجبارهم على الفرار كما حدث في عام 1948 "رفضهم لذلك كان موقفا مهما للغاية اتخذته هذه الحكومات، على الرغم من تعرضهم للضغط من الولايات المتحدة. وأعتقد أنه لم يدرك أحد ذلك بشكل كامل، كانوا يحققون هدفا وطنيا خاصا بهم بالطبع لكنهم كانوا يحققون هدفاً يساعد الفلسطينيين في الوقت نفسه. من الواضح أنهم رأوا ما حدث عندما أجبر الفلسطينيين على المغادرة في الماضي".

المقاومة
رغم الخسائر الفادحة التي نجمت عن اعتداء إسرائيل على المدنيين في غزة وهجماتها المستمرة على السكان المدنيين في لبنان وإجبارهم على ترك منازلهم مراراً وتكراراً، إلا أن رشيد يرى أن إسرائيل وضعت نفسها في وضع استراتيجي كارثي، وأن ما تحاول القيام به لا يمكن تحقيقه. يقول إنها تحاول أن تفرض بالقوة واقعاً يخلق مقاومة بطبيعته "الاحتلال يخلق مقاومة، أنا أتحدث عن الحتمية التاريخية". وهو ما حدث من قبل في مصر، حيث خلق احتلالها المقاومة. استغرق الأمر عقوداً حتى حررت مصر نفسها من القوات البريطانية، ولكنها فعلت ذلك في النهاية، الشيء نفسه في الهند، وينطبق الشيء نفسه على كل بلد مستعمر، وهو ينطبق بشكل خاص في حالات الاستعمار الاستيطاني "هذا النوع من الاستعمار ينتج عنه دائماً مقاومة حتمية، وهو ما يرفض الإسرائيليون استيعابه، إن المزيد من الاحتلال، المزيد من الاستعمار، ينتج عنه ببساطة المزيد من المقاومة عاجلا أم آجلا. إذا لم يكن هذا الجيل سيكون جيلا آخر، لا أقصد أن أكون متشائما وأقول إنه سيستمر لأجيال، ولكن هذا هو الحال".

يرى الخالدي أن من يحارب في لبنان اليوم هم الأطفال الذين شاهدوا ما فعلته إسرائيل العام 1982، الجيل الذي نشأ بعدما رأى الفظائع التي جرت وقتها. وما يشاهدونه الآن، سينتج جيلا آخر سيتحرك بعضه للمقاومة. ويتعجب من عزم إسرائيل على احتلال المزيد من الأراضي في غزة وفي جنوب لبنان بغرض إنهاء المقاومة، ويقول إنه ببساطة يخلق المزيد منها "وأنا لا أتحدث من وجهة نظر فلسطينية أو عربية أو أميركية فقط، بل وجهة نظر موضوعية، ينبغي أن يعلمنا التاريخ جميعا، الاحتلال يولد المقاومة، بالضرورة والحتمية". يعود ليؤكد مجددا أن إسرائيل رغم كل ما جرى "في وضع استراتيجي مروع" لأنهم "خلقوا لأنفسهم وحشاً يعتقدون أن بإمكانهم التعامل معه بالقوة والمزيد من القوّة. هذا غير صحيح. عليهم أن يستوعبوا ذلك". يشير أيضاً إلى الوضع الإسرائيلي الداخلي، ويقول إن هناك أصواتاً في إسرائيل ضد هذه التحركات، جنرالات وسياسيين سابقين، يظهرون في الإعلام الإسرائيلي، ويقولون بوضوح أن ما يجري جنون وانتحار.

ورغم ذلك لا يتوقع أن تتوقف الحرب في المستقبل القريب، فحسب قراءته فالقرار الإسرائيلي الأميركي هو الاستمرار، مشيرا إلى التصريحات الصادرة من واشنطن كـ"التصعيد من أجل خفض التصعيد"، وهي التصريحات التي وصفها بـ"الغبية"، معلقا: "تذبح وتقتل وترتكب المجازر حتى تجبر الطرف الآخر على التهدئة! هذه هي حقيقة سياسة الحكومة الأميركية الآن في لبنان. التصعيد من أجل خفض التصعيد. حسنا حظا موفقا في ذلك. لن ينجح الأمر".

بدائل
لهذا كله يرى الخالدي إنه لا سبيل سوى المقاومة، لأنه لا يوجد أي بدائل أخرى، فالنقاش الأساسي في نظره حين تطرح فكرة المقاومة هو البدائل المطروحة "عندما كان لدى الجزائريين خيار الاستقلال توقفوا عن المقاومة، قبل ذلك لم يكن لديهم هذا الخيار. لا يملك الفلسطينيين هذا الخيار، ليس لدى اللبنانيين أيضا خيار آخر. لا تقول إسرائيل إننا سنسمح لكم بالعيش في سلام، بل تستمر في احتلال جزء من لبنان، وتفرض نفسها على اللبنانيين".

يقول إنه في بداية التسعينيات كان ربما يجادل ضد أشكال معينة من المقاومة لكن الآن لا يوجد بديل آخر، فالحكومة الإسرائيلية لا تقبل بأي شيء سوى هيمنتها الشاملة على جنوب لبنان وكامل فلسطين، وبالقانون الأساسي لإسرائيل هناك تشريع دستوري يمنح الشعب اليهودي فقط حق تقرير المصير، إذا فلا مستقبل سوى المقاومة أو الخضوع للاستعمار والهيمنة، ويمكن للولايات المتحدة أن تتحدّث كما تشاء عن حل الدولتين، لكنها في نظره تمول الوضع الراهن لتفوق اليهود، تمول الهيمنة والاستعمار والقتل الجماعي "لن أصدق السياسيين الأميركيين الذين ظلوا لأكثر من 57 عاما داعمين لاستعمار إسرائيل لفلسطين، والآن يتحدثون عن حل الدولتين، الاستعمار كان مقصوداً في الضفة الغربية والقدس الشرقية لجعل حل الدولتين مستحيلاً"، وإذا كانت الولايات المتحدة تريد ذلك فعلا فيجب أن توقف المؤسسات الخيرية الأميركية التي توجه مئات الملايين من الدولارات معفاة من الضرائب إلى المستوطنات، وأن تضع قيوداً على استخدام الأسلحة الأميركية في غير الحالات الدفاعية، لكنها لا تقوم بأي من ذلك "تشارك الولايات المتحدة في عملية الاستعمار بالمال والسلاح والدعم الدبلوماسي. إذن عندما يتحدثون عن حل الدولتين، يتحدثون كذباً ونفاقا. إنهم لا يعنون ذلك حقاً. إنهم يقصدون ما يفعله الإسرائيليون، سوف نموله وندعمه في مجلس الأمن. سنسلحهم وسنتحدث كما لو كنا نقرأ من ملقن إسرائيلي. هذا ما تفعله الولايات المتحدة. تجاهلوا ما يقولونه. إنها أكاذيب". وفي هذه الحالة حيث لا يوجد بديل حرفياً، "كيف يمكنك أن تقول للناس ألا يقاوموا؟".

يخرج الخالدي أسئلة المقاومة من المنظور الضيق إلى منظور تاريخي أكثر رحابة، يقول: "يمكننا إلقاء اللوم على حماس أو حزب الله. ولكنني أعتقد أن علينا أن نتحدث أيضا عن إسرائيل. لماذا نحن في هذا الوضع؟ لماذا لم تنسحب إسرائيل من مزارع شبعا على الحدود اللبنانية؟ لماذا هناك حصار إسرائيلي على غزة؟ ولماذا وسعت إسرائيل استعمارها في الضفة الغربية؟" هذه هي الخلفية التي يطرحها لمناقشة وفهم المقاومة. لذا فما حدث في 7 أكتوبر كان حتميا في وجهة نظره "سواء كان قرارا صائبا أو لا، فإنه أمر حتمي تقريبا. عاجلا أم آجلا، إن لم يكن من حماس، فمن شخص آخر، إن لم يكن في هذا الجيل ففي جيل آخر".

تصعيد
يرى رشيد الخالدي أن هذه الحرب مستمرة منذ 100 عام، ومن الواضح أنها ستدخل في قرنها الثاني، ولن ينتهي الأمر بسرعة كبيرة بمجرد القول، بل سوف تستمر، سواء كان ذلك بالاستيلاء على المسجد الأقصى، مثلما استولوا على الحرم الإبراهيمي في الخليل، أو باستمرار دفع الفلسطينيين من أراضيهم في الضفة الغربية، أو بالاستمرار في سرقة العقارات في القدس الشرقية المحتلة، الأشياء التي تحدث يومياً في الأراضي المحتلة قبل بدء هذه الحرب، ستنتج مقاومة عاجلا أم آجلا "إسرائيل والولايات المتحدة حرفياً لم تمنحهم أي خيار على الإطلاق. وأعتقد أنه يجب فهم ذلك بشكل أفضل في العالم العربي" لأن التكاليف فرضت على الجميع؛ على مصر، وعلى سوريا، وكل بلد عربي، "هذه الخيارات لم تتخذها أي من تلك الشعوب أو الحكومات، هذه الخيارات لم يضعها الشعبان الفلسطيني واللبناني، بل فرضت عليهم وصنعت من أجلهم".

بالتالي ينظر لقرار توسع الحرب وامتدادها لتصبح حربا إقليمية باعتباره قرارا إسرائيليا أميركيا في المقام الأول، لأن إسرائيل تتعمد التصعيد في كل مرحلة "تتفاوض على وقف إطلاق النار، والاتفاق مع حماس، ثم تقتل المفاوض الفلسطيني إسماعيل هنية في طهران. تتفاوض على وقف إطلاق النار مع لبنان، ويقتلون المفاوض من الجانب الاخر، السيد حسن نصر الله. إذا من الذي يصعد هنا مراراً وتكراراً؟ يأتي التصعيد من الجانب الإسرائيلي، تقوم إسرائيل بتوسيع النطاق إلى حرب إقليمية، والتي من الواضح أن إيران ترد عليها بالمثل".

وبالطبع يحدث هذا كله بمباركة ودعم أميركي واضح. لماذا يفعل الإسرائيليون ذلك؟ يسأل، ويجيب في الوقت نفسه: علينا أن ننظر إلى الوضع الداخلي لنتنياهو، علينا أن ننظر إلى حلمه بإجبار الولايات المتحدة على خوض حربا لصالح إسرائيل مع إيران. علينا أن ننظر إلى هوسه بإيران، وهو هوس للأسف الشديد يشاركه فيه الكثير من الناس في العالم العربي. أنا لا أقترح ان ننظر بإيجابية إلى ما تفعله إيران، ولكن ما تفعله هو ما تفعله الدول القومية، وإسرائيل تستفز إيران باستمرار، كما أزعم، من أجل دفعها وغيرها من دول العالم العربي إلى تصعيد خطير باتجاه حرب إقليمية، وهو ما تأمل جر الأميركيين إليه، ولدينا الآن مئات الجنود الأميركيين على وشك أن يتمركزوا في إسرائيل مع الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ.

الانتخابات الأميركية
وحول تأثير الانتخابات الأميركية على الحرب، ونسب التغيير في حال فوز ترامب أو هاريس، قال إنه لا يمكن التنبؤ بأفعال ترامب، وهو قادر حرفياً على فعل أي شيء، كما إنه محاط بأكثر الناس تطرفاً من الناحية الأيديولوجية في الساحة السياسية الأميركية، لذا فإنه يمكن توقع منه الشيء ونقيضه، بدءاً من محاولة وقف الحرب، وحتى السماح لإسرائيل باستخدام السلاح النووي! "إنه قادر على فعل أي شيء حرفياً في هذه المساحة، وقد يسمح لإسرائيل بأن تفعل ما يحلو لها، وهو ما تقوم به الإدارة الحالية، بالمناسبة، لن يمثل ذلك أي تغيير، أو يمثل تغيير لا يذكر تقريباً". أما فيما يتعلق بما قد تفعله إدارة هاريس فيعتقد أن الخيارات ربما تكون مفتوحة أكثر بكثير "لكنني لا أعتقد أنها خيارات إيجابية" حيث لا يوجد ما يشير في أي شيء قالته أو فعلته منذ اللحظة التي دخلت فيها عالم السياسة وحتى اليوم، إلى أدنى انحراف بأي شكل من الأشكال عن إجماع المؤسسة السياسية الأميركية، وهو دعم مطلق لإسرائيل "لم أر أي إشارة منها أو من الحزب الديمقراطي أو من مستشاري السياسة الخارجية الذين يلتفون حولها، إنهم يرون الأمور بشكل مختلف عن الإدارة الحالية، أو أنهم يرون أي شيء مختلف عن الاجماع، وهو أن إسرائيل تستطيع أن تفعل ما تشاء، ويمكن للولايات المتحدة أحياناً أن تئن وتنتحب وتزمجر ولكنها ستمكن إسرائيل دائما من الاستمرار في القيام بكل ما تقرر القيام به".

يؤكد الخالدي أن كل الرؤساء الأميركيين السابقين تقريبا قرروا أن المصالح القومية الأميركية أو الأسباب الاستراتيجية تملي أن تتوقف إسرائيل في وقت ما، ولا بد من إجبارها على القيام بشيء ما، وهذا لم يحدث حتى الآن مع ترامب أو مع الرئيس الحالي، لكنه يأمل بعد أن تنتهي الانتخابات ويصبح هناك رئيس جديد وبعد أن تختفي مشاعر النصر، أن يلتفت الرئيس الجديد ويقول للإسرائيليين كفى، فالضرر الذي يلحق بالصورة الأميركية في العالم، وبمكانة الولايات المتحدة في العالم كمؤيدة "للنظام الدولي القائم على القواعد" الذي أصبح مصطلحاً بلا معنى، هو ضرر خطير، وهم يضرون أنفسهم كما يضرون الولايات المتحدة، وهو أمر واضح حتى للإسرائيليين.

المستقبل
لا يبدو الخالدي متفائلا رغم ذلك، يقول إنه يهرب دائما من سؤال إلى أين ستؤول الأمور، لأنه مؤرخ وهي وظيفة لا تتضمن التنبؤ بالمستقبل، لذا فهو لا يعرف متى أو كيف ستنتهي الحرب، لكن ما يؤمن به أن المشروع الإسرائيلي لا يمكن أن ينجح "هذا المشروع فات أوانه، كان من الممكن أن ينجح في القرن الثامن عشر"، يؤمن بأن العالم يتغير وعلى إسرائيل أن تتغير كذلك، فعاجلا أم آجلا سيتضح الدمار الذي تحدثه في المنطقة، ليس فقط للرأي العام في الغرب، ولكن للحكومات أيضاً، وهو ما يمكن البناء عليه "لم يكن لدينا أبداً أغلبية معارضة في الرأي العام الغربي لما تفعله إسرائيل. لم يحدث أبداً منذ 100 عام ومنذ بلفور، وهذا تحول ذو أهمية تاريخية".

هناك أيضاً مؤشرات داخل إسرائيل نفسها: "انظروا إلى الناس الذين يغادرون إسرائيل، هم الأكثر نجاحاً. انظروا إلى قطاع المستشفيات، إلى قطاع التكنولوجيا المتقدمة، انظروا إلى تدفقات رأس المال، إلى إجمالي الناتج المحلى الإسرائيلي، انظروا إلى تصنيف السندات الإسرائيلية. أعني أن بعض هذه التبعات مؤقته، ولكن إذا استمر الوضع فلن تكون كذلك". كما أن هناك بالفعل عدد من أفراد النخبة الإسرائيلية الذين يرفضون الزج بأولادهم في هذه الحرب "لا يريدون أن يكونوا جزءاً من هذه الأيديولوجية القومية والشوفينية والعنصرية. لا يستطيعون تحمل ذلك، حتى لو كانوا إسرائيليين وطنيين، حتى لو كانوا صهاينة، فهم يدركون أن الاتجاه الذي تسلكه إسرائيل هو اتجاه لا يستطيعون دعمه". هذه هي التغييرات التي يدعوا الخالدي لمراقبتها على المدى الطويل، فوحدها يمكن أن تجعله متفائلا.
_____________________________

(*) رشيد الخالدي: أستاذ كرسي إدوارد سعيد للدراسات العربية الحديثة، في جامعة كولومبيا. درّس في الجامعة اللبنانية، والجامعة الأميركية في بيروت، وجامعة شيكاغو. وهو محرر مشارك في مجلة الدراسات الفلسطينية، وشغل منصب رئيس جمعية دراسات الشرق الأوسط. كتب الخالدي وشارك في تحرير عدد من الكتب، منها "حرب المائة عام على فلسطين: تاريخ الاستعمار الاستيطاني والمقاومة، 1917-2017"، وهو الكتاب الذي وصل إلى لائحة أكثر الكتب مبيعاً في "صنداي تايمز" و"نيويورك تايمز"، وكذلك "الهوية الفلسطينية: بناء الوعي الوطني الحديث"
.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها