الثلاثاء 2024/10/22

آخر تحديث: 12:47 (بيروت)

رشيد الخالدي: العدوان الإسرائيلي الراهن ينتمي لحرب المئة عام(1/2)

الثلاثاء 2024/10/22
رشيد الخالدي: العدوان الإسرائيلي الراهن ينتمي لحرب المئة عام(1/2)
"لم تكن حربا إسرائيلية. بالفعل إسرائيل هي من خاضت الحرب، لكنها كانت حرباً إسرائيلية – أميركية"
increase حجم الخط decrease
تزامنًا مع ذكرى مرور عام كامل على حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وتوسع رقعة الصراع لتشمل لبنان ومناطق أخرى، نظم مشروع "حلول للسياسات البديلة" و"برنامج دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية بالقاهرة" مؤخراً، لقاء مع المؤرخ الفلسطيني-الأميركي، رشيد خالدي، أستاذ الدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا الأميركية. بدأ اللقاء الذي أقيم عبر منصة zoom ومنصات الجامعة، من كتابه الأشهر "حرب المئة عام على فلسطين: تاريخ الاستعمار الاستيطاني والمقاومة" الذي وصل إلى لائحة أكثر الكتب مبيعاً في "صنداي تايمز" و"نيويورك تايمز".

وقال خالدي إنه كتب هذا الكتاب قبل بدء الحرب الدائرة حالياً بفترة طويلة، وصاغه وفق إطار عام سمّاه "إعلانات الحرب" ويرى من خلاله أن الكثير من التحركات الدولية كان في أساسه إعلان حرب على الشعب الفلسطيني، حتى وإن لم تستخدم خلالها الأسلحة، بدءاً من وعد بلفور، ووصولاً إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 181 للعام 1947. وهي ليست إعلانات أطلقتها الحركة الصهيونية، بل أطلقتها بريطانيا العظمى نفسها، أعظم قوة إمبريالية في ذلك الوقت، ثم "الأمم المتحدة" التي هيمنت عليها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بالكامل. لذا فإنه يؤكد من خلال الكتاب أن ما جرى ويجري ليس حرباً بين الفلسطينيين والصهيونية، أو الفلسطينيين والإسرائيليين، بل لطالما كانت حرباً قامت فيها القوى العظمى بدور فعلي كلاعب أساسي ضد الفلسطينيين.

ضوء أخضر
وعلى أرض الواقع، فإن إعلان الحرب الأول، إعلان بلفور، تبعه تحرك الجيش البريطاني وسلاح الجو الملكي لسحق الفلسطينيين من 1936 إلى 1939 خلال الثورة الكبرى. فبريطانيا لم تكتف في نظره بإعلان الحرب بالنيابة عن المشروع الصهيوني، بل شن الجيش البريطاني والقوات الجوية البريطانية الحرب. وقُتل وجُرح وسُجن ونُفي 14-17% من الذكور البالغين في فلسطين خلال تلك السنوات الثلاث من قبل بريطانيا. واستمر الأمر نفسه عبر التاريخ، ففي العام 1967، قبل مهاجمة إسرائيل لمصر وسوريا والأردن، ذهب مائير عميت، رئيس الموساد، إلى واشنطن والتقى بالرئيس جونسون وبوزير الدفاع مكنمارا، والتقى بالجنرال ويلر رئيس هيئة الأركان المشتركة، وحصل على الضوء الأخضر بشأن الهجوم. يقول خالدي: "لم تكن حرباً إسرائيلية. بالفعل إسرائيل خاضت الحرب، لكنها كانت حرباً إسرائيلية – أميركية". وينطبق الأمر نفسه على حرب 1982، مرة أخرى، أتى أرييل شارون، وزير الدفاع في حكومة مناحيم بيغن، في أيار 1982 إلى واشنطن، والتقى بالجنرال هيغ وزير الخارجية، ليخبره بأنهم سيطردون منظمة التحرير الفلسطينية وسوريا من لبنان، ومرة أخرى منحه هيغ الضوء الأخضر: "أنا لا أختلق هذا الأمر، هذا التاريخ موثق. كل ما أقوله موثق، وفي الكتاب هناك 45 صفحة من الهوامش لمن يريد أن يرى من أين حصلت على هذه الحقائق".

هكذا، يعود ليؤكد مجدداً على أن الحرب الجارية اليوم ليست حرباً إسرائيلية فقط، بل إسرائيلية- أميركية تقع في النطاق نفسه الذي وضعه لتأريخ حرب المئة عام: "كل قنبلة تلقى في بيروت أو في غزة هي قنبلة أميركية، كل طائرة هي طائرة أميركية. وللأسف فإن ما نراه الآن هو ببساطة مرحلة أخرى من مراحل الحرب التي تتجذر في مشروع استعماري استيطاني دعمته القوى الغربية وما زالت تدعمه، على الرغم من أن الرأي العام ينقلب ضد الحكومات الداعمة، سواء في الولايات المتحدة، أو بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو في أي مكان آخر".

لماذا يكرهوننا؟
تنطلق مديرة اللقاء رباب المهدي، أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، من هذه النقطة، نقطة الدعم الغربي المتزايد لإسرائيل، لتطرح السؤال الأشهر: لماذا يكرهوننا؟ ويجيب خالدي بأن الأمر لا علاقة له بالحب أو الكراهية، بل هناك عنصر من عناصر "العقيدة" في العديد من الدول الغربية، متصل بالجذور التوراتية لإسرائيل، وبالتالي يسبق عنصر الإيمان مسألة الحب والكراهية. ورغم ذلك يعتبر هذه النقاط أموراً ثانوية، حتى ولو ضم مجلس الوزراء البريطاني في العام 1917 بالفعل، أشخاصاً آمنوا بأهمية إعادة اليهود إلى الأرض المقدسة، لكن الأسباب الفعلية التي قادت بريطانيا لفعل ما فعلته لم يكن حب اليهود أو كراهية العرب، بل مصلحة إمبريالية استراتيجية خالصة. فقد احتاجوا للسيطرة على فلسطين في العام 1917، من أجل الدفاع عما اعتبروه الحدود الشرقية لمستعمرتهم المصرية. كانت مصر حيوية بسبب قناة السويس التي ربطتهم بالهند، جوهرة الإمبراطورية. واليوم تعتبر الولايات المتحدة إسرائيل حصناً يعمل ضد أعدائها في الشرق الأوسط، وترى أن إسرائيل حليف قوي لها، وترى أنها من "الأصول الاستراتيجية". لا علاقة للأمر بالحب أو الكراهية مجدداً. لكن هناك بالطبع عملية "غسيل دماغ" للرأي العام وللنخب على وجه الخصوص، وهو ما قد يؤدي إلى الحب والكراهية، أو ما سمّاه خالدي بـ"المودة لإسرائيل صاحبة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، وبالتالي العداء للعرب والمسلمين. لكن ليس هذا هو الدافع الأساسي، فهي مجرد عوامل مساعدة لتبرير ما يقومون به، والذي يتم في الأساس لأسباب استراتيجية واقتصادية مثلهم مثل كل القوى العظمى.



يشير خالدي إلى أنه الآن فقط بدأ يقال في الولايات المتحدة أن إسرائيل باتت عبئاً وليست مصدر قوّة، خصوصاً بعدما أصبح هناك جنود أميركيون على وشك أن يكونوا "في طريق الأذى" لحماية إسرائيل، لذا بدلاً من أن تساعد إسرائيل الولايات المتحدة، فإن الأخيرة تساعدها على حساب مكانتها وسمعتها في العالم، وبالطبع على حساب القانون الدولي الإنساني، والنظام المستند على القواعد الدولية "أين ذلك النظام الآن؟ حيث يذبح عشرات الالاف من المدنيين الفلسطينيين ولا أحد يحرك ساكناً. أين تلك القواعد الدولية حين يتم غزو دولة ذات سيادة مثل لبنان اليوم؟ يتضح للعالم نفاق الأميركيين وهذا ثمن تفرضه إسرائيل عليهم". لذا يعتقد خالدي أن التوازن الاستراتيجي ربما يتغير يوما ماً، لكن في الوقت الحالي، فإن النخب الأميركية ما زالت تنظر إلى إسرائيل على أنها مصدر قوة، "سيدافعون عنها ويدعمونها ويساعدونها في حروبها على فلسطين وعلى لبنان واليمن"، ومن هنا يؤكد أن علينا النظر لهذه الحرب وغيرها من التحركات الإسرائيلية في المنطقة من منطلق المصالح الاستراتيجية الإمبريالية، لا الحب والكراهية.

أصول استراتيجية
وحسب قراءته فلن يصبح العرب من "الأصول الاستراتيجية" لأميركا والقوى الغربية، ولن تتغير الأمور لصالحنا في المستقبل القريب، لعوامل عديدة، في مقدمتها أن أنظمة عربية كثيرة "ليست ممثلة لشعوبها". فالولايات المتحدة ترى من مصلحتها دعم أنظمة استبدادية وديكتاتورية في الشرق الأوسط، بل إن غياب الأنظمة الديموقراطية هو أحد الشروط الأساسية التي تمكن الولايات المتحدة ومن ثم إسرائيل من التصرّف على هذا النحو الحاصل حالياً في المنطقة. بعبارة أخرى، يقول خالدي، إن ما تخشاه الولايات المتحدة هو ما كانت تخشاه بريطانيا في الماضي، بالتحديد تنامي القوميات العربية، ورغبة الشعوب في عدم وجود قواعد أجنبية على أراضيها، ورفضهم لسيطرة الأجانب على الموارد، وللنخب التي تفعل كل ما يريده الغرب. ولمحاربة ذلك، تدعم الولايات المتحدة وإسرائيل الأنظمة التي لا تمثل الإرادة الشعبية.

ويشير خالدي إلى استطلاعات للرأي أجريت في أنحاء العالم العربي، قامت بها مجموعة متنوعة من المؤسسات ذات السمعة الطيبة، وأظهرت جميعها أن الرأي العام العربي بغالبية ساحقة مؤيد للفلسطينيين، ومعارض للتطبيع أو إقامة أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل طالما استمرت في قمع الفلسطينيين: "أين الحكومات العربية التي تمثل هذا الرأي؟ عدد قليل جداً إن وجد.. في رأيي، وإذا كان هناك من يمثلهم فهي حركات المقاومة، لذا فإن وجود حكومات تقمع هذه المشاعر أمر حيوي بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل".

استخدام الديموقراطية
والواقع أن إسرائيل كما تستفيد من غياب الديموقراطية في العالم العربي، تستفيد أيضاً من حضورها في الغرب، وبالشكل الذي يحقق أغراضها. يقول خالدي إنه ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية هذه في أكتوبر الماضي، أصبحت هناك غالبية من الرأي العام الغربي تعارض الحرب، وتعارض سياسات الحكومات، وتعلن رغبتها في وقف بيع الأسلحة من قبل هذه الدول لإسرائيل، وهي الأسلحة التي تحارب بها فعلياً: "لا تنتج إسرائيل إلا نسبة ضئيلة من أسلحتها. ومعظم الأسلحة التي يستخدمونها هي أسلحة غربية، وبشكل رئيسي أميركية". لكن ورغم هذا التحول في الرأي العام، لم يتغير شيء على أرض الواقع، لأن هذه الدول ديموقراطية! وتفسيره أن الرأي العام لا يتحكم في السياسة، فالمجالس والبرلمانات والرؤساء الذين انتخبوا منذ سنوات هم من يتحكمون في السياسة، والنخب لم تتغير مطلقاً، "الرشوة المقننة هي أساس السياسة الأميركية"، مبالغ طائلة من المال من قبل الأغنياء ضرورية لعمل النظام "الديموقراطي" في الولايات المتحدة. لذلك مهما كان رأي الناس، فطبقة المتبرعين الأغنياء هي التي تملك السياسيين بمعنى ما، وتملك وسائل الإعلام والشركات، لقد تغير الرأي العام لكن لم تتغير النخب في الغرب.

وبالتالي وجود ديمقراطية لا يعني بالضرورة أنك ستحصل على تغيير في السياسة لأن النخب ستستمر: "كان الرأي العام ضد الحرب في فيتنام منذ أواخر الستينيات تقريباً، بالرغم من ذلك استمرت الحرب حتى العام 1975، لم يوقف الرأي الديموقراطي الحرب في فيتنام، حدث الشيء نفسه مع الحرب في العراق، تغير الرأي العام في العام 2004 لكن الحرب استمرت، لذا حتى في النظام الديموقراطي، وبسبب عيوبه، يستغرق الأمر وقتاً طويلاً جداً قبل أن يكون للرأي العام تأثيره في نهاية المطاف".



وحتى لو وجدت أنظمة ديموقراطية في العالم العربي، فإنها في نظر خالدي قد تواجه الأمر نفسه، حيث ستظهر النخب التي تهيمن على النظام، وسيظهر من يقول: لا يمكننا القيام بذلك، لأنه سيضر بمصالحنا الوطنية، أو هل يمكننا تحمّل الحرب؟ وقد يقول الرأي العام إننا ندعم الفلسطينيين، لكننا لا نريد أن نذهب لأبعد من هذه النقطة. لذا فإن الديموقراطية في نظره ليست مثالية في ظل سيطرة النخب: "إنهم يقاومون الرأي العام الذي كان يعبر عنه في المظاهرات الضخمة في أنحاء العالم. هناك محاولة قوية للسيطرة على الرواية وتحويلها مرة أخرى في اتجاه مؤيد لإسرائيل. حتى الآن، لم ينجح الأمر. لكنه ممول بشكل جيد، ومدعوم بشكل جيد من النخب السياسية والنخب الإعلامية في المقام الأول، وليس هناك ما يضمن أن يستمر هذا الرأي العام في معارضة الحرب، والمطالبة بوقف شحنات الأسلحة. يمكن لذلك أن يتغير. وهذا أحد الأمور المحورية في مسألة الرأي العام".

مآسي القرن
يعود خالدي إلى النقطة نفسها مجدداً في سياق إجابته على سؤال حول ما يمكن فعله لدعم القضية الفلسطينية، فيقول إن الحديث عن الانسياق وراء الحرب مجرد رواية للدفاع عن موقف الأنظمة العربية التي تتواطأ بطريقة أو بأخرى مع إسرائيل، فلا أحد يطلب من تلك الدول التضحية والذهاب إلى الحرب، ورغم ذلك قرر اليمنيون أنهم على استعداد للتضحية، "على الأقل قررت قيادة أنصار الله، كما قررت قيادة حزب الله أنها على استعداد لإخضاع بلدها لنوع العقاب الذي تفرضه إسرائيل. لا أوحي بأن هذا هو القرار الذي يجب أن تتخذه الدول العربية بالضرورة. لكني أعتقد أن بإمكانهم القيام بأكثر مما يفعلونه الآن. وهذا التيار الانهزامي هدفه حمايتهم من ضغط الرأي العام الذي يريد منهم بذل المزيد من الجهد".

لكنه يعود ليقول أيضاً إن إحدى مآسي العالم العربي اليوم هي أن عدداً كبيراً من الدول العربية دمر بشكل شبه كامل، فليبيا ليست دولة موحدة، كذلك السودان، واليمن، وسوريا، ولبنان، والعراق. هذه البلدان ما زالت تعاني من التدخل الخارجي، ومن الحرب الأهلية الداخلية "ما الذي يمكن أن يفعله الليبيون؟ ليس لديهم حتى حكومة وطنية موحدة. ما الذي يمكن أن يفعله السودانيون؟ لديهم واحدة من أكبر المآسي الإنسانية التي حدثت في القرن الـ 21، لا يمكنني أن أتوقع من العراقيين أو السوريين أو اللبنانيين أو اليمنيين او السودانيين أو الليبيين أن يتخذوا إجراءات عندما تكون لديهم هذه الأزمات الهائلة في بلادهم، وهذه إحدى مآسي القرن الحادي والعشرين". المفارقة كما يقول إنه في وقت ما كان لدينا في العالم العربي أنظمة قوية "أنظمة غير ديموقراطية ولكن قوية. كانت تخيف إسرائيل" لكن مع التمزق الحاصل الآن انتهى هذا الوضع تماماً".

وحول ما يمكن أن يقوم به المواطن العادي، قال إنه لا يريد الحديث تفصيلياً في هذه النقطة لأنه ليس من سيواجه العواقب، كما أن المواطن العادي لا يمكن أن يوقف آلة الحرب الإسرائيلية، لكن في الغرب يمكن فعل الكثير، بل تحقق الكثير بالفعل، فألمانيا وبريطانيا وهولندا وكندا قيّدت مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل خلال الأشهر القليلة الماضية، وهي قرارات مبنية على الضغط الساحق من الجماهير للحد من دعمهم لحرب إسرائيل. لكن من الواضح أن هذا ليس كافياً، إلى أن تؤثر في الولايات المتحدة بالطريقة نفسها، لأن جميع أنظمة الأسلحة الرئيسية أميركية "كل قطعة مدفعية أميركية، كل طائرة هليكوبتر أميركية، كل طائرة حربية أميركية، كل قنبلة تقريبا أميركية".

ورغم ذلك فإن قراءة الصحافة الإسرائيلية تكشف نوع التأثير الذي يمكن أن تحدثه حتى الأشياء البسيطة مثل مقاطعة "ستاربكس" أو "ماكدونالدز" على أرباح هذه الشركات، وعلى إجبار شركات أخرى على قطع علاقاتها مع إسرائيل. يقول خالدي إنه عندما يشعر الإسرائيليون أنهم باتوا أكثر عزلة، صحيح أنهم يتصرفون بشكل أكثر شراسة، لكن علينا أن نفرض عليهم التكاليف، مشيراً إلى ما حققه القصف اليمني على إيلات وقطع الملاحة في البحر الأحمر: "لقد أغلقوا ميناء إيلات. هذه كلفة. أنا لا أقول إنني أؤيد ذلك، أو إنه أمر جيد أو سيّء، أنا أقول إنها حقيقة فرضت على إسرائيل ثمناً باهظاً لما تفعله، لن يتوقفوا بفضل الكلمات اللطيفة. ستتوقف إسرائيل عندما تكون الكلفة أعلى بكثير مما هي عليه الآن". وفي المجمل يرى أنّ التحوّل في الرأي العام في الغرب، والاستمرار في دفع هذا التحول يفرض عليهم تكلفة، وأننا يجب أن نقوم بتوسيع قاعدة المعارضة الغربية لما تقوم به إسرائيل وأن نضع ذلك في سياقه التاريخي "لقد كان لديهم الدعم الساحق من الرأي العام في الغرب لأكثر من قرن من الزمان. هذا تغير تاريخي. قد يتحوّل إلى الوراء، لا أقول إنه أمر دائم، ولكنه تحول تاريخي، شيء ذو أهمية كبيرة، حتى لو كانت الحكومات لا تزال ترفض أن تعكس الرأي العام".

علاقات مشروطة
يرى خالدي إن على الدول العربية أن تعيد النظر في علاقتها مع إسرائيل، وأن أبسط تحرك حالياً هو التهديد بتجميد العلاقات في حال عدم التزام إسرائيل بموعد محدد لإيقاف القتال الدائر "يجب أن تكون هناك تكلفة على إسرائيل "لذا ينتقل إلى المطلب الثاني وهو المقاطعة، حيث لا يجب أن تصل البضائع لإسرائيل عبر الدول العربية خصوصاً بعد إغلاق ميناء "إيلات"، هذا هو الحد الأدنى في نظره "الحد الأدنى أن نقول إذا استمرت إسرائيل بعد هذا التاريخ في قصف لبنان أو الاستمرار في احتلال لبنان، أو منع الفلسطينيين من العودة إلى شمال غزة، أو منع الناس من الحصول على الطعام وتجويعهم حتى الموت، إذا لم تتوقف عن هذه الأشياء فستكون المقاطعة". الأمر الثالث هو جعل العلاقات مع الولايات المتحدة مشروطة بتغييرات في السياسة، فقبول الدول العربية بكل ما يريده الأميركيون يسمح بدعم أميركا لإسرائيل من دون حساب لأي كلفة على مصالحهم في المنطقة.

لكن عدم اتخاذ تلك المواقف يتم عن عمد أحياناً، إنها علاقة ثلاثية من وجهة نظره "الطريق إلى واشنطن يمر من تل أبيب". وبعبارة أخرى يقول "إذا كنت تريد من الأميركيين أن يفعلوا ما تريد، وهو ما تريده معظم الأنظمة، فيجب أن تذهب لتقبل الإسرائيليين، سوف ترضى عنك أميركا بعد ذلك". يعلم خالدي أن ما يطالب به ليس سهلاً، بل قد يكون مخالفاً لما تؤمن به بعض الأنظمة التي تعتمد بالكلية على الولايات المتحدة، وهو ما يراه في المقابل دليل انعدام شرعية تلك الأنظمة "إنهم يخافون من شعبهم أكثر من خوفهم من أي شيء آخر. والعديد منهم يعتمد على الولايات المتحدة في أمنه الداخلي والخارجي. علينا تفكيك تلك التبعية للولايات المتحدة وإسرائيل إذا كنا نريد أن يكون لنا تأثير". يشير إلى القدرات التي تتمتع بها المنطقة خصوصاً في مجال الطاقة علاوة على الموقع الاستراتيجي "عندما تعلق سفينة واحدة في قناة السويس يتأثر الاقتصاد العالمي بأكمله! هذا هو مدى أهمية منطقتنا. ولهذا السبب أتى البريطانيون، ومن بعد ذلك الأميركيين والسوفييت والفرنسيين من قبل لاحتلالنا والسيطرة علينا لسنوات عديدة. هذا عبء كبير".
__________________

(*) رشيد خالدي: أستاذ كرسي إدوارد سعيد للدراسات العربية الحديثة، جامعة كولومبيا. درّس في الجامعة اللبنانية، والجامعة الأميركية في بيروت، وجامعة شيكاغو. وهو محرر مشارك لمجلة الدراسات الفلسطينية، وشغل منصب رئيس جمعية دراسات الشرق الأوسط. كتب خالدي وشارك في تحرير عدد من الكتب، منها "حرب المائة عام على فلسطين: تاريخ الاستعمار الاستيطاني والمقاومة، 1917-2017"، وكذلك "الهوية الفلسطينية: بناء الوعي الوطني الحديث".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها