ففي وقت يركّز "الحراك الشعبي" على موقفه الرافض للحزبية الطائفية، يعمل حضور "أرزوني"، وبشكل غير مباشر، على ربط هذه التحركات بـ"تقاليد الماضي". الأمر الذي دفع كثيرين من المشاركين في الحراك إلى التعبير عن سخريتهم واستيائهم من "أرزوني".
وتؤكد "مؤسسة أرزوني" في إتصال هاتفي مع "المدن"، أنّ "مهام المؤسسة تنحصر في تركيب نظام الصوت في التظاهرات سواء المدنية أم الحزبية. كما يتم تشغيل أناشيد وأغان محددة بناءاً على طلب منظمي التظاهرة".
إذاً يتّضح أنّ هناك من يرغب بإعتماد هذه الموسيقى الثورية التقليدية. كما لو أنّ بعض اللبنانيين قد وقع ضحية آليات الاكراه في التكرار (repetition compulsion) في مفهومها الفرويدي. وهي ظاهرة نفسية تقضي بتكرار فشل الماضي نفسه أو ظروفه مرّة تلو الأخرى. وهذا يشمل إعادة إنتاج الحدث أو وضع الفرد نفسه في حالات ترجّح وقوع الحدث مرّة أخرى. وهكذا، كلّما حصلت تظاهرة، شعر اللبناني بحاجة لتكرار سماع الموسيقى الثورية نفسها كجزء من تكرار الحدث.
على المقلب الآخر، ثمّة من تجاوزوا هذا العصاب الفرويدي. فيذكرهم هؤلاء الفنانون بهزائم الماضي، فيشعرون أنّهم يشبهون زعماء الطوائف، الذين احتكروا السلطة السياسية لعقود من الزمن. فأسقط المتظاهرون كراهيتهم وأوجاعهم على المسبب غير المباشر لآلامهم، في رفضهم لـ"تشكيلة الأرزوني الغنائية"، وتحدوا منطق آليات النقل العاطفي (الفنانون)، التي تحيل إلى موضوع التركيز العاطفي الأول (الزعماء السياسيون).
لقد أسقط الحراك المدني على "أرزوني" صورة "السلطة" بخيباتها وفشلها، فأصبح جزءاً من صراعهم معها. فلا عجب أن يكتب أحد المتظاهرين في وسط بيروت "يسقط الأرزوني".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها