كشفت عمليات الاغتيال الأخيرة التي قامت بها إسرائيل، عن تطورات تكنولوجية تحوزها أجهزتها الاستخبارية، أتاحت لها قدرات في جمع المعلومات والتعقب وتنفيذ عمليات بالغة التعقيد. وسيمضي وقت قبل أن تتكشف كامل الأسرار التكنولوجية التي تعتمدها إسرائيل. علماً أن الشائع حتى الآن هو سلاح الطائرات المسيّرة المزودة بأسلحة فتاكة.
طوال التاريخ الحديث، استخدم جواسيس الدول العظمى أجهزة ماكرة لجمع المعلومات الاستخباراتية والتهرب من الأسر وإلحاق الأذى. وعلى هذا النحو، كان الجواسيس خلال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة وما بعدها، يمتلكون مجموعة من الأدوات الميدانية السرية وعالية التقنية تحت تصرفهم.
في هذا التقرير بعض من أغرب عمليات الاغتيال التي حدثت في العصر الحديث، باستخدام وسائل تجسس مبتكرة وأسلحة ومواد مدهشة وفتاكة وغير متوفرة في الأسواق.
الموساد والذكاء الاصطناعي
في تشرين الثاني 2020، اغتيل العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده، في عملية معقدة ودقيقة قادها فريق من الموساد، استُخدم فيها مدفع رشاش حاسوبي، ولم تتطلب وجود أي عملاء في الموقع. وأكثر ما لفت الانتباه تنفيذ العملية بأقل من دقيقة من الوقت، وعدم إصابة أيُ شخصٍ آخر فيها، بما في ذلك زوجة العالم التي كانت معه حينذاك.
السلاح المستخدم في اغتيال فخري زاده، الذي كانت تعتبره إسرائيل وعديد من المسؤولين الغربيين بمثابة "الأب" لبرنامج الأسلحة النووية الإيراني، كان عبارة عن مدفع رشاش بلجيكي الصنع معدل من طراز "FN MAG" متصل بجهاز روبوتي متقدم ومدعوم بتقنية الذكاء الاصطناعي، وتم تشغيله عبر الأقمار الاصطناعية.
كما كان نقل هذا القاتل الآلي إلى موقع العملية تحدياً في حد ذاته، نظراً لوزنه الذي يبلغ حوالى طن. لذا، تم تفكيك مكوناته وتهريبها إلى إيران قطعة قطعة، ثم أعيد تجميعها مع تركيب الروبوت في صندوق شاحنة صغيرة من طراز شائع في إيران.
وتعتبر عملية اغتيال محسن فخري زاده الأكثر تعقيداً من الناحية التكنولوجية في تاريخ الموساد، خصوصاً أن هذا الجهاز اغتال أربعة علماء ومسؤولين إيرانيين آخرين بطرق تقليدية قديمة، أي باستخدام قنابل يتم التحكم فيها عن بعد، أو رماة بشريين في الميدان.
الشاي بالبولونيوم
تعرض العميل لدى الاستخبارات الروسية ألكسندر ليتفينينكو لعملية تسميم في عام 2006 بعد أن شرب كأساً من الشاي في فندق بلندن، إثر اتهامه المخابرات الروسية بتدبير سلسلة من التفجيرات استهدفت بيوتاً في روسيا، وأودت بحياة المئات.
لاحقاً ذكر ليتفينينكو اسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً، قائلاً إنه مسؤول عن "كل ما حدث له". وفي غضون ذلك، بدأ شعره يتساقط وبدأت أعضاؤه تتوقف عن العمل ثم ما لبث أن فارق الحياة.
وخلص تحقيق بريطاني إلى أن مقتل الجاسوس الروسي السابق، جاء بعد أيام من تسممه بمادة البولونيوم-210 المشعة، التي يعتقد أنه تناولها في كوب شاي. فيما صرح رئيس لجنة التحقيق السير روبرت أوين، أنه من المرجح أن يكون بوتين قد وقع على قرار قتل ليتفينينكو بعد عداء طويل بينهما.
المظلات ذات الرؤوس السامة
استخدم الجواسيس السوفيات خلال الحرب الباردة مظلة قاتلة لاغتيال أعداء الدولة، حيث كان رأسها مزوداً بـ"الريسين"، وهو سم بطيء المفعول، وكان من الصعب تعقبه في ذلك الوقت.
وقد تحدثت الصحافة العالمية عن هذه المظلة ذات الرؤوس السامة في عام 1978، عندما كان المنشق البلغاري جورجي ماركوف يتجول عبر جسر واترلو في لندن، وشعر بوخزة في ساقه بعد أن احتك فيه رجلٌ مجهول الهوية. وبعدها بأربعة أيام توفي ماركوف ووجدت التحقيقات الجنائية حبيبة معدنية صغيرة عالقة في ساقه.
حشرات يتم التحكم فيها عن بعد
عرضت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في عام 1974 لأول مرة "الحشرة الطائرة"، وهي حشرة يعسوب مزيفة يتم التحكم فيها عن بعد ومصممة لتسجيل المحادثات المثيرة للاهتمام سراً. وكان لها الدور الممهد في بعض عمليات الاغتيال.
لم تكن الآلة خالية من القيود، فقد كانت تحتوي على محرك غازي مصغر لا يمكن تشغيله إلا لمدة دقيقة واحدة تقريباً، وقد ثبت مع الوقت أنها غير قابلة للاستخدام حتى في الرياح الخفيفة، لذلك اسُتخدمت في مهماتٍ قليلة وحسب.
مسدسات القفازات
طورت البحرية الأميركية خلال الحرب الباردة أول "مسدس قفاز"، وهو سلاح ناري صغير الحجم صُمم خصيصاً ليتم إخفاؤه داخل قفاز شتوي عادي، وبعدها بفترة وجيزة صمم جهاز المخابرات السوفياتي (كي جي بي) نسخته الخاصة من هذا المسدس.
الهدف من هذه المسدسات كان تزويد العملاء بالقدرة على الاقتراب من أعدائهم حاملين سلاحاً غير مرئي، وبمجرد اقتراب الهدف، يتم الضغط على الزناد المخفي وإطلاق الرصاصة.
جهاز حقيبة السفر
اخترعت وحدة الاتصالات الخاصة بالمملكة المتحدة في سبعينيات القرن الماضي جهاز إرسال واستقبال رسائل متنكر في هيئة حقيبة سفر، وتبنته كل من القوات الجوية الخاصة البريطانية وجهاز الاستخبارات البريطانية (MI6)، وكان هذا الجهاز المعروف رسمياً باسم "Mk.123" قادراً على إرسال واستقبال الرسائل عبر العالم.
واستُخدم هذا الجهاز في تشرين الثاني 1978 عندما هاجم المتظاهرون الإيرانيون السفارة البريطانية في طهران وأحرقوا المبنى، فاستطاع حينها مسؤول بريطاني بالسفارة نقل أنباء الهجوم إلى السلطات البريطانية باستخدام الجهاز المخفي. وظلت هذه الآلة شائعة لدى وكالات الأمن والاستخبارات البريطانية حتى ثمانينيات القرن العشرين.
"قبلة الموت"
في عام 1965، ألقى المسؤولون الأميركيون القبض على شخص مشبوه وفتشوه عند حاجز طريق غرب برلين، ليجدونه حاملاً أحمر شفاه غريب الشكل، وعند فتح العلبة، كشفوا عن مسدس 4.5 مليمتر مخفي قادر على إطلاق طلقة واحدة.
السلاح الملقب بـ "قبلة الموت"، موجود الآن في متحف "التجسس الدولي" في واشنطن العاصمة، وقد استخدمه عملاء تابعون لجهاز المخابرات السوفياتي طوال الحرب الباردة.
مسدس النوبات القلبية
كان هذا السلاح الذي ابتكرته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية يطلق سهماً من سموم المحار المجمدة، التي تتلاشى من دون أن تترك أثراً تقريباً داخل جسم الشخص المستهدف، ما يؤدي إلى الوفاة نتيجة لأعراض النوبة القلبية.
وظهر هذا المسدس إلى العلن لأول مرة خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ عام 1975 حول انتهاكات أجهزة الاستخبارات الأميركية، وكان يطلق النار بصمت تقريباً وفعالاً حتى مسافة مئة متر.
الأقلام المتفجرة والحمام المراقب
خلال الحرب العالمية الثانية، كُلف مكتب الخدمات الاستراتيجية الأميركي بتصنيع قنبلة حارقة متخفية في هيئة علبة أقلام. واستفادت هذه الآلة من وجود صاعق تفجير مؤجل زمنياً، ما يعني أن مستخدمها كان قادراً على الفرار من مكان الحادث قبل انفجار الجهاز.
في موازاة ذلك، استُخدم الحمام المزود بكاميرات سرية لرسم خرائط ساحات المعارك العسكرية والأهداف والأراضي خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، فكان يتم ربط كاميرا صغيرة آلية بصدر الحمام، لتصوير الأهداف ذات الأهمية من دون أن يتم اكتشافها.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها