السبت 2024/08/31

آخر تحديث: 11:09 (بيروت)

"الجيل زد": "الحياة ليست فقط للعمل"... وأصحاب الشركات ينتقدونه

السبت 2024/08/31
"الجيل زد": "الحياة ليست فقط للعمل"... وأصحاب الشركات ينتقدونه
يشتكي "الجيل زد" من نمط حياة لا يخصص هامشاً واسعاً للتمتع بالحياة نفسها (Getty)
increase حجم الخط decrease

تشتكي ليا (21 سنة) من نمط حياتها. تقول "بدأت عملي بدوام كامل منذ حوالي السنة، ومنذ الأشهر الأولى شعرت بأنني غير متأقلمة مع هذه الحياة الجديدة". ليا، خريجة الصيف الماضي من كلية إدارة الأعمال، وتعمل حاليًا في شركة في لبنان في قسم المحاسبة. تضيف بلهجة من الاستياء "كيف يمكنني التأكد من أنني أتناول طعامًا جيدًا، وألتقي بأصدقائي، وأخصص وقتًا لممارسة هواياتي؟ كيف من المفترض أن أدمج كل هذه الجوانب في جدول عمل يمتد من التاسعة صباحًا حتى الخامسة مساءً؟ يبدو الأمر كأنه لا يوجد سوى وقت للعمل والعودة إلى المنزل للراحة قبل أن يبدأ العمل مرة أخرى! هذه ليست الطريقة التي يفترض أن يعيش بها البشر".

تُعد حالة ليا نموذجًا لكثير من شباب "الجيل زد" أو جيل الألفية (أي الذين وُلِدوا بين عامَي 1997 و2012) الذين يواجهون تحديات ملحوظة في سوق العمل. في المقابل، يتذمر الكثير من أصحاب الشركات والعاملين الأكبر سناً من العمل مع هذا الجيل.
يقرر بعض أبناء ذاك الجيل ترك وظائفهم والبحث عن وسائل أخرى لكسب المال، مثل مواقع التواصل الاجتماعي. فكيف يفكر هؤلاء؟ وما هي أسباب امتعاضهم؟

التوازن في الحياة
يروي علاء، البالغ من العمر 22 عامًا، والذي عمل لمدة سنتين في شركة في بيروت في مجال التسويق قبل أن يستقيل، قائلاً: "كان العمل من المكتب مقيدًا للغاية، شعرت أن حريتي مسلوبة وأن حياتي تقتصر فقط على العمل، مع أن الراتب لم يكن مغريًا، وبالكاد يكفي لتلبية احتياجاتي حتى نهاية الشهر."
ينشط علاء حاليًا كمؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي، ويؤكد: "العمل في السوشيل ميديا مريح ومربح. في يوم واحد، أحقق ما كنت أجنيه في شهر كامل من العمل التقليدي".

يقدر "الجيل زد" التوازن بين العمل والحياة أكثر من أي جيل سابق. ويبحث ابناؤه عن وظائف تسمح لهم بعيش حياة شخصية مُرضية مع متابعة تطلعاتهم المهنية. الراتب مهم، لكنه ليس الدافع الوحيد لـ"الجيل زد" عندما يتعلق الأمر باختيار المهنة. ووفقًا لمقال ماكينزي عن هذا الجيل في عالم العمل، فإن 77% من المشاركين في الاستطلاع يعتبرون التوازن بين العمل والحياة أمراً بالغ الأهمية عند النظر في فرص العمل.

في السياق نفسه، قد يواجه أصحاب العمل الذين يفشلون في توفير سياسات عمل مرنة وخيارات العمل عن بعد، والتكامل الصحي بين العمل والحياة، صعوبة في جذب المواهب من "الجيل زد" والاحتفاظ بها. إذ إن هذا الجيل يعطي الأولوية للمرونة في مكان وزمان عملهم ويحبون التحكم في جدول عملهم.  فحسب استطلاع أجرته منصة LinkedIn، فإن "72% من الجيل Z هو الجيل الأكثر احتمالاً لترك الوظيفة أو التفكير في تركها لأن صاحب العمل لم يقدم سياسة عمل مرنة مجدية".

لم أفكر يوماً في الوظيفة
فرح، الحاصلة على شهادة في علم النفس تقول "منذ تخرجت، لم أفكر أصلا أن أتوظف، سعيت لأحول شغفي في كتابة محتوى إلى عملي، من خلال العمل الحر. وتوضح "أنا لا أعتمد كليًا على عميل واحد في معيشتي، الأمر الذي يمكن أن يأتي مع بعض التحديات بالتأكيد، ولكنه يأتي أيضًا مع الكثير من الحرية". تكمل قائلة "أعتقد أن الناس بدأوا يدركون أن بإمكانهم السيطرة على حياتهم بطريقة لم يظنوا أنهم قادرون عليها من قبل".

وفقا للاستطلاعات، أغلبية هذا الجيل، 70٪ يعملون حاليًا بشكل مستقل أو يخططون لذلك في المستقبل. وتختلف أسباب العمل الحر، وفقًا للاستطلاع أن 44% يريدون أن يكونوا مرتاحين ماليًا، و30% يريدون السفر للعمل والعمل من أي مكان، و25% يريدون امتلاك أعمالهم الخاصة، و20% يريدون التقاعد مبكرًا.

تمرد في العمل!
من جهة أخرى، يُعتبر البعض أن أبناء الجيل Z يفتقرون إلى الاجتهاد والدافع والمرونة مقارنةً بالأجيال السابقة. في شهر نيسان 2023، أجرى موقع ResumeBuilder استطلاعًا شمل 1344 مديرًا وقائد أعمال، وكشف أن 74% منهم يرون أن التعامل مع أفراد الجيل Z أكثر تحديًا مقارنةً بالأجيال الأخرى.
وأحد الأسبابِ الرئيسية التي تجعل أبناء هذا الجيل يحرمون من وظائفهم، وفق الاستطلاع، هو أنهم "يشعرون بالإهانة بسهولة بالغة، مما يجعل العملَ معهم مرهقا".

في هذا الإطار، توضح نادين عيسى، الاختصاصية في تطوير الذات، في حديثها لـ"المدن" أن "كل جيل ينظر إلى الجيل الأكبر منه بهدف التعلم والتحسين". وتقول: "عندما يدخل جيل جديد سوق العمل بخصائصه الخاصة، تجد الأجيال السابقة صعوبة في تقبله، لأنهم مختلفون عنهم ويجلبون معهم أشياء لم يعتادوا عليها."

تشير عيسى إلى أن هذا الجيل بدأ مسيرته المهنية خلال فترة جائحة كورونا أو قبلها بقليل. الأجيال السابقة اعتمدت لفترة طويلة على الورقة والقلم، بينما هذا الجيل نشأ في عالم يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا والعمل "أونلاين". لذلك، من الضروري أن نتفهم أن هذا النمط هو ما اعتادوا عليه.

وترى أن مطالب هذا الجيل، مثل المرونة في العمل والتوازن بين الحياة الشخصية والعمل، هي مطالب ضرورية. أما على مستوى المؤسسات، فتشير إلى أن "الشركات الكبيرة والعالمية تحاول التأقلم مع هذه التغييرات من خلال تقديم مرونة في ساعات العمل، ولكنها تظل حذرة، فتفرض أيامًا للحضور إلى المكتب. بينما الشركات المحلية قد لا تملك الثقة الكافية لاتخاذ مثل هذه الخطوات."
وتختم عيسى بأن"المستقبل سيتجه نحو التركيز على العمل الحر والعمل على مشاريع أكثر من الوظائف التقليدية".

نحن أمام جيل جديد من الشباب المتصل والمتواصل بشكل دائم مع أقرانهم في مختلف أرجاء العالم، ويتقاسمون الكثير من القيم المشتركة، ولديهم حساسية عالية تجاه قضايا العدل والمساواة والإنصاف، ويهتمون كثيرًا بقضايا الصحة النفسية. وهم، إجمالاً، لا يخافون من التعبير عن آرائهم، ولا يخجلون من إجراء تغييرات في طريقة حياتهم للارتقاء إلى مستوى قيمهم. ويرغب هؤلاء الشباب بالعمل في شركات تشاركهم قيمهم. ولكن هل يستطيع المديرون وأصحاب العمل التخلي عن قيمهم القديمة التي تركز على الربح فقط، وتبني قيم هذا الجيل الجديد الذي يسعى للعدالة والإنصاف في كل شيء؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها