الثلاثاء 2024/05/21

آخر تحديث: 12:35 (بيروت)

مؤتمر مؤسسة الدراسات الفلسطينية: "النكبة" والإنتلجنسيا وطريق التحرر

الثلاثاء 2024/05/21
مؤتمر مؤسسة الدراسات الفلسطينية: "النكبة" والإنتلجنسيا وطريق التحرر
مؤسسة الدراسات الفلسطينية مستمرة منذ 61 عاماً (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease

تنظيم مؤسسة الدراسات الفلسطينية لمؤتمر "75 عاماً من النكبة المستمرة- الإنتاجات المعرفية"، بعد تأجيل لسبعة أشهر بسبب العدوان على غزة، يحمل معاني عديدة أبعد من شكل المؤتمر والكثير من المضامين المهمة التي حواها.

الزمن اللبناني- الفلسطيني
فمؤسسة الدراسات بتكوينها الفلسطيني اللبناني، استشهد بوجودها الباحث الدكتور الراحل حسين أبو النمل في كتابه "حين كان الزمن الفلسطيني اللبناني جميلاً"، ليطعن بالسردية التي تحاول حصر العلاقات اللبنانية الفلسطينية بزمن ما بعد اتفاق القاهرة، وتستحضر كل ما هو بشع في تلك العلاقات، من حروب وقوانين في طلاق مع حقوق الإنسان. فهناك ما هو جميل في هذه العلاقات وفي مقدمته بناء أهم مؤسسة بحثية فلسطينية بتعاون فكري لبناني فلسطيني فريد، ما زال مستمراً منذ 61 عاماً، والتي لعبت الدور الأساسي في تكوين الخزان الحقيقي للذاكرة الفلسطينية، وخصوصاً في المواضيع التاريخية والسوسيولوجية.

لكن ذلك لا يمنع الحديث الجدي والمفتوح والضروري حول دور الإنتلجنسيا الفلسطينية داخل المجتمع الفلسطيني، وهل ما زالت تلعب الدور نفسه الذي لعبته في الستينيات وخلال جزء من السبعينيات؟ لا يمكن التعميم بحكم يشمل كل أماكن الانتشار الفلسطيني، لكن على الأقل في لبنان حيث المؤسسة الفلسطينية البحثية الأهم، يشير الواقع بوضوح إلى أن معظم المثقفين الفلسطينيين إما غادروا الثقل السكاني الفلسطيني، والمقصود المخيمات، نحو مناطق لبنانية أخرى أو خارج لبنان بشكل أكبر، أو بقوا داخل المخيمات لكن بمفعول معطّل تتحمل أسبابه الأطر السياسية بشكل رئيسي.

وإذا كانت علاقة المثقفين الفلسطينيين مع الجمهور العام قد أصابها خلل، وسوء تواصل، فإن العلاقة مع صانعي القرار لا تبدو أفضل حالاً. فالمؤتمرات ذات الطابع الثقافي تبدو شبه خالية من أي حضور سياسي ذي وزن. التاريخ الفلسطيني بدءاً من بداية السبعينيات يشير إلى شبه توترات بين المثقفين عموماً وصانعي القرار، كما يوضح رئيس مركز الأبحاث السابق أنيس صايغ في مذكراته "أنيس صايغ عن أنيس صايغ"، والتي أفرد فيها جزءاً مهماً لصراع المركز مع القيادة السياسية الفلسطينية، لكن هذه العلاقة أخذت تنحو إما باتجاه السيطرة الكاملة للمواقع السياسية على التوجهات الثقافية، ممّا أفقد المثقفين حصانتهم المعنوية، أو تهميش شبه كامل لمؤسسات الدراسات والأبحاث مما أضعف فعلها العام إلى حدّ كبير.

غزة وأفق التحرر
مؤتمر مؤسسة الدراسات الفلسطينية "75 عاماً من النكبة المستمرة"، والذي من المتوقع أن يستمر ثلاثة أيام، كان يومه الأول في بيروت حافلاً. فبعد كلمة الافتتاح التي ألقاها مدير مكتب المؤسسة في بيروت رامي الريس، كانت محاضرة رئيسية "غزة فصل من فصول نكبة مستمرة أو محطة على طريق التحرر"، ألقاها الباحث ماهر الشريف. فحاول أن يجيب على سؤال مركزي "هل هذا الفصل من النكبة المستمرة الذي نشهده اليوم في قطاع غزة يمكن أن يفضي إلى وضع الشعب الفلسطيني على طريق التحرير، أو على الأقل يفتح أفقاً لتحقيق ذلك؟".

وتوقف عند معطيات سياسية تزكّي سيناريو أن يكون ما يجري "فاتحة لوضع الشعب الفلسطيني على طريق التحرر"، وعدّد معطيات أخرى لا تزكّي هذا السيناريو. ومن المعطيات التي تدعم السيناريو الأول: فشل الحكومة الإسرائيلية في القضاء على المقاومة، إعادة حضور القضية الفلسطينية دولياً، الحاجة إلى حل الصراع كي لا ينفجر الإقليم، وتزايد الحديث عن حل الدولتين كحل وحيد.

أما العوائق التي تعترض قيام دولة فلسطينية فهي: صعود اليمين الديني القومي، انقسام الحركة الفلسطينية على نفسها. وفصّل الشريف في كل معطى، من دون ترجيح لسيناريو على آخر، نظراً للحظوظ الوافرة لكل سيناريو، والتشعبات المتداخلة.

الإنتاجات الثقافية
الجلسة الأولى أدارتها غادة دمشق، واستهلتها ملاك سلوم بالحديث عن الإنتاجات الثقافية والإعلامية حول النكبة، وأجرت تقييماً لعدد من هذه الإنتاجات: فيلم النكبة في أربعة أجزاء، التغريبة الفلسطينية، رجال في الشمس، عائد إلى حيفا. واستعرضت عدداً من المقابلات التي أجرتها، لتصل لخلاصة أن الفلسطينيين لا يزالون متمسكين بأرضهم.

أما الكاتبة سناء حمودي فتناولت قضية "تأثير تغير المكان والزمان في قراءة النكبة"، وخلصت إلى أن المكان والزمان لم يكونا ذا تأثير يُذكر على الفلسطينيين وعلاقتهم بالنكبة. ورغم غنى المادّة بالمعلومات والأرقام والمقابلات، إلاّ أنها لم تخلُ من نقد بسبب نفي المؤثرات المحيطة بالفلسطيني، وعدم الإبحار في الهوية المركبة التي يكتسبها على مر الزمان واختلاف المكان.

الكاتبة إليزابيث سوزان كساب أعادت قراءة المفكر "قسطنطين زريق في ظل النكبة المستمرة"، فقامت بتشريح التوجه الفكري لزريق والتحولات الفكرية. وأشادت بالفكر النقدي الذي تمتع به منذ كتابه الأول "الوعي القومي" عام 1939، وصولاً إلى كتابه الأخير "ما العمل؟". وأشارت إلى أن قوميته ذات بعد إنساني، وهو لا يكتفي بالتحليل بل يحض على العمل، ويتناول العقل بشقيه المعرفي والأخلاقي. ووجهت نقداً للمفكرين الذين غاصوا في قضايا التراث أو الحداثة، من دون الالتفات إلى قضايا متصلة مباشرة بالحياة اليومية للناس، وهو ما أراح السلطات الحاكمة.

الباحث نديم روحانا في محاضرته حول "الصهيونية بعد حرب الإبادة: ملاحظات أوليّة" ركّز على القلق الوجودي الإسرائيلي وما اتصل به من هامش البقاء وفقدان الشرعية والتحول في التيارات الصهيونية الرئيسية من هدف الإزالة إلى هدف الإبادة، وإعادة تشكيل الخريطة بعد تحقيق هدف الإبادة. واختُتم اليوم الأول بجلسة تحت عنوان "تفكيك الاستعمار في دراسة فلسطين في ألمانيا". ومن المنتظر أن تُعقد جلسات اليوم الثاني في جامعة بيرزيت، أما اليوم الثالث فسيكون افتراضياً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها