أعاد تلاعب مديرة الفرع الثالث في كلية الآداب بنصاب رؤساء الأقسام وأساتذة، لغايات سياسية، ملف هذه الكلية من جديد. أخطاء شنيعة حصلت (كي لا يقال تعمّد حصولها) تظهر بعض الموبقات في هذه الكلية، التي توسم بأنها كلية التوظيف السياسي وحشو التنفيعات السياسية، من أساتذة الجامعة أنفسهم.
المسألة لا تقتصر على تنفيعات لمنح أساتذة عقود بعدد ساعات خيالية أو غض النظر عن أساتذة يعيشون في فرنسا ومثبتون في جامعاتها، وفي الوقت عينه يعملون في لبنان! فملف ترفيع الأساتذة ومنح الرتب يطال هذه الكلية من الباب العريض. ويبدو أن ملابسات ترفيع أحد أساتذة الفرع الثالث في الكلية وتبلغ رئيس الجامعة بسام بدران خطياً بهذه المخالفات، كان السبب الرئيسي الذي أدى إلى إقالة العميدة السابقة للكلية هبة شندب، منذ أقل من عام. وما تعرضه "المدن" عينة بسيطة عن كيفية التلاعب في الترفيع. وقد مر الملف على وزير التربية عباس الحلبي من دون الانتباه إلى مخالفات جسيمة حصلت، وفيها خرق فاضح للمرسوم 447، الذي ينظم شروط ترفيع الأساتذة في الجامعة.
الجمع بين الوزارة والمدرسة والجامعة
بما يتعلق بالتنفيعات، يستطيع رئيس الجامعة الادعاء في الإعلام بعدم علمه بملف ما يحصل في الكليات حول العقود الموقعة مع أساتذة بطرق ملتوية. لكن عندما يكون على مكتبه ملف أحد الأساتذة الذي يطلب إليه الاستمرار بالتعليم لأنه لم يتمكن من الحصول على موافقة الوزير المختص لأسباب تتعلق "بكيدية سياسية"، فهذا يعني أنه مطلع على ملف هذا الأستاذ.
وبحسب معلومات "المدن" تبين أن الأستاذ المعني موظف رفيع في وزارة الثقافة، وبالتالي لا يحق له تعليم أكثر من 160 ساعة بالسنة. ولم يتمكن من الحصول على موافقة من الوزير كي يعلّم في الجامعة. لكن هذا الأستاذ، الذي يدرّس في إحدى مدارس بيروت الخاصة أيضاً، لديه عقد مع الجامعة بـ470 ساعة، موزعة على كلية الآداب في الفرع الثالث والثاني. وطلب من بدران مواصلة التعليم بمعزل عن موافقة الوزير على اعتبار أن عدم الموافقة مجرد كيدية سياسية.
والأسئلة التي تطرح هنا: متى يؤدي هذا الأستاذ وظيفته العمومية وتعليم كل هذه الساعات؟ وفي حال تمكن من الجمع بين الوظيفة والجامعة، كيف يستطيع التوفيق بين وظيفته في المدرسة الخاصة والجامعة؟ هل يعلّم بعد منتصف الليل في اللبنانية؟ أم أنه لا يحضر إلى الكلية إلا ساعتين في السنة، كما يقول زملاء له؟
ترفيع لا يستوفي الشروط
لكن حال هذا الأستاذ المحظي سياسياً إلى جانب زملاء له محظيين (منهم من يعلم في فرنسا في جامعة ليون ويحتفظ بعقده بكلية الآداب) يعد تفصيلاً حيال قضية ترفيع الأستاذ ز. م. وملف الترفيع يشكل إحدى الموبقات الأساسية في الجامعة إلى جانب التعاقد من دون دراسة ملفات الأساتذة باللجان العلمية.
تعود هذه القضية إلى عهد العميد السابق للكلية أحمد رباح قبل سنتين. حينها رفعت ملفات هذا الأستاذ وخضع ملفه الأكاديمي للجنة تقييم خاصة في الكلية. ثم أتى دور منحه إفادة تثبت استيفاء شرط حصوله على رتب أستاذ في العام 2023. وقد حصل على موافقة وزير التربية عباس الحلبي في حزيران العام 2023 وعلى موافقة عميدة الكلية هبة شندب، التي خلفت رباح. ولم تكن مطلعة على ملفه الذي أعد سابقاً. وصلها بالطرق الإدارية ووقعت عليه. لكن تطورات حصلت حينها تمثلت باعتراض أحد أساتذة الفرع الثالث على عدم قبول ملف ترفيعه رغم أنه أولى من الأستاذ م.
هذه الشكوى دفعت شندب إلى طلب ملف م. لمراجعته. فتبين أنه لا يستوفي أحد الشروط الأساسية في المرسوم 447 الآنف الذكر الذي ينص على شرط التعليم لمدة 13 سنة للترفيع لرتبة أستاذ. فقد درّس م. بحسب ملفه في الكلية 50 ساعة في العام 2010-2011 و44 ساعة في العام 2012-2011 و44 ساعة في العام 2013-2012، و84 ساعة في العام 2013-2014، وثم تفرغ في العام 2014. والنصاب القانوني لاحتساب السنة الجامعية حينها كانت 75 ساعة. ما يعني أنه أمضى أقل من عشر سنوات بالتعليم.
توقيع الإفادة بعطلة الأعياد
استدركت شندب الأمر وطلبت من رئيس الجامعة سحب طلب م. لأنه غير مستوفي الشرط. لكن بدران، كما تبين لاحقاً، اكتفى بوقف المعاملة مؤقتاً. فهو مسؤول قبل وزير التربية عن هذه الفضيحة لأنه يفترض أن يكون ملماً بمقتضيات المرسوم.
لكن في 28 كانون الأول العام 2023 وقع بدران إفادة منصور. علماً أن هذا التاريخ يتزامن مع عطلة أعياد الميلاد، ويفترض أن الجامعة مقفلة. قد يكون بدران متفانياً ويعمل حتى في العطلة الرسمية، لكن لا يوجد موظفين في الإدارة المركزية كي يتم تسجيل الكتاب. فهل حضر بدران خصيصاً إلى الإدارة المركزية لتوقيع هذا الطلب المستعجل؟ ولماذا؟ وكيف يوقعه في هذه الظروف الغامضة فيما كان قد وصله طلب سحب المعاملة قبل أشهر عدة لعدم استيفاء شرط سنوات التعليم؟ وهل يعتد بهذا التوقيع في عطلة الأعياد؟ وما هو هذا الأمر الجلل الذي لا ينتظر انتهاء العطلة؟
بتاريخ 15 كانون الثاني 2024 يرد إلى كلية الآداب الإفادة لتسليمها لصاحب العلاقة. وبعد بضعة أيام ينتشر خبر حصول م. على الإفادة. فتعود شندب وتستدرك بأن طلبها من رئيس الجامعة سحب المعاملة التي كانت قد وقعتها لم يحصل. فتقوم بإرسال كتاب خطي إلى رئيس الجامعة بتاريخ 30 كانون الثاني تورد فيه الأسباب الموجبة لحسب الإفادة لعدم استيفاء شرط السنوات. لكن بدران أقدم على إقالة شندب بتاريخ 30 كانون الثاني، أي في اليوم عينه لإرسال الكتاب، وعين مكانها سهى الصمد. طبعاً لم تكن إقالتها لهذا السبب وحده.
موافقة الوزير الحلبي
موافقة وزير التربية على الإفادة، ومرور الطلب في وقت سابق عليه وحصوله على الموافقة، تثير التحفظات. فسلوك ملف الأستاذ م. في مكتب بدران يثير الشكوك لا سيما أنه تلقى رسائل تنبهه على الإشكالية القانونية في الملف. بينما موافقة الحلبي (ربما تصله شكاوى حول الملف) مستغربة. فيفترض أن يكون الحلبي محاطاً بمستشارين ملمين بقوانين الجامعة وبالمراسيم التي تنظم عملها. إذ لا يجوز وضع توقيعه قبل الاطلاع من صحة المستندات أمامه، لا سيما أنه كوزير وصاية يمثل مجلس الجامعة. فهل غفل مستشارو الحلبي عن هذا المرسوم الذي يحدد شروط الترفيع؟ أم أنهم لم يطلعوا على الملف الأكاديمي من الأساس ومرروه خطاً عسكرياً لتوقيع الوزير؟
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها