لم يعد خافياً أن "الجرة مكسورة" بين المتعاقدين في الجامعة اللبنانية ورئيس الجامعة بسام بدران. وصل الأمر إلى حد التداول في أروقة الأساتذة انتقادات لاذعة بحقه، لاسيما من قبل الأساتذة ممن ينتمون للطائفة الشيعية وهي الأكثر قساوة من انتقادات باقي الأساتذة. في تقديرهم أن بدران "أكثر رئيس جامعة يظلم أساتذة الجامعة ويميز بينهم".
التفرغ ذهب بلا رجعة
يفصح بدران علناً، وليس في الاجتماعات المغلقة مع المتعاقدين فحسب، بأن الجامعة ليست بحاجة لغالبيتهم، ولاسيما في كلية العلوم الإجتماعية والآداب. ويعتبرهم عبئاً على الكادر التعليمي فيها. هو القادم من كلية علمية ينظر باستخفاف إلى اختصاصات العلوم الإنسانية. وللمصادفة فإن الحشو في الجامعة بالمتعاقدين كان في هاتين الكليتين، ولضرورات حزبية. وبعدما رفع ملف تفرغ مضخم (وضع جميع المتعاقدين فيه)، عاد لينادي بأن التفرغ يجب أن يتناسب واحتياجات الجامعة، متناسياً أن "حشو الجامعة بمتعاقدين بحاجة أو من دون حاجة، تزايد في عهده أكثر من عهود الرؤساء الذين سبقوه"، كما يقول الأساتذة أنفسهم.
ومشكلتهم معه لم تعد تقتصر على تصريحاته التي تؤكد أن ملف التفرغ "طار، وذهب بلا رجعة". بل في كونه "يتعامل مع المتعاقدين وكأنهم ليسوا أساتذة بل مياومون، وأن الجامعة تقوم على أكتاف المتفرغين ولا دور للمتعاقدين". ويتداول الأساتذة على منصات الواتساب الخاصة بهم بأن بدران "جعل الأستاذ مجرد متعاقد لديه ساعات تعليم ينجزها ويذهب إلى بيته، ولا يتمتع بحقوق، بينما الواقع مختلف، لأنه ليس كالأستاذ المتفرغ أو الذي في ملاك الجامعة يلقي المحاضرات ويراقب الامتحانات ويصححها، ويشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه، بل هو يدرّس عدد ساعات تفوق بأضعاف ساعات تدريس أي متفرغ. فالعديد من المتعاقدين يدرّسون أكثر من 500 ساعة، ولا يحق لهم قبض مستحقات أكثر من 450 ساعة، فيما نصاب المتفرغ 220 ساعة. كما أنه يشارك بالأبحاث التي تدعم الجامعة بالاعتمادات والتصنيفات الأكاديمية، التي يتباهى بها بدران. لكن عندما يعود الأمر لحقه بالتفرغ أو الحصول على أجر ساعة لائق يصبح المتعاقد عبئاً على الجامعة، وليس حاجة لها".
اشترى زملائهم في الملاك
حالياً يشكو المتعاقدون من أن بدران أعاد للأساتذة المتفرغين وفي الملاك نحو 80 بالمئة من قيمة رواتبهم التي كانت قبل الأزمة المالية للعام 2019. بينما لم يلتفت للمتعاقدين الذين لم يحصلوا حتى على 20 بالمئة من قيمة ساعاتهم قبل الأزمة. المتفرغون أو في ملاك الجامعة سيتقاضون نحو 2600 دولار بالشهر كمستحقات، فيما يعد المتعاقدون بأجر ساعة لا يتجاوز ثلاثين دولاراً. وهو مجرد وعد يتردد في الغرف المغلقة بينما لا يزيد في الواقع عن 25 دولاراً. ويقول الأساتذة أن بدران "اشترى سكوت زملائهم في ملاك الجامعة، واستفرد بالمتعاقدين".
وتكشف مصادر متابعة للمفاوضات التي حصلت سابقاً لتحسين شروط عيش المتعاقدين أن بعض النواب طرحوا على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي معاملة المتعاقدين مثل أساتذة الملاك لناحية تلقي بدلات الإنتاجية بالدولار. فالأخيرة ليست رواتب، بل مساهمة لتحفيز الأساتذة على الإنتاج. وهم يعملون وينتجون أكثر من أساتذة الملاك.
وتبلغ الأساتذة أن النواب انطلقوا لإنصاف المتعاقدين من مبدأ أن الإنتاجية في التعليم الرسمي واحدة لجميع أساتذة مرحلة الثانوي والتعليم الابتدائي، ولا فرق بين ملاك ومتعاقد. الجميع حصل على مبلغ 300 دولار شهرياً. وكان يفترض أن يحصل الأمر عينه في الجامعة. لكن رئيس الحكومة أبلغهم أن بدران يؤكد أن عدد المتعاقدين في الجامعة ضخم جداً ولا يمكن تحمل الكلفة.
ويؤكد بعض الأساتذة أن ما نقله بدران لرئيس الحكومة "مجرد تهويل". فعدد المتعاقدين في التعليم الرسمي يعّد بعشرات الالاف، فيما لا يفوق عدد المتعاقدين في الجامعة 3 الاف متعاقد. وثمة إحصاء أجراه الأساتذة يظهر أن عدد المتعاقدين بنصاب كامل (يزيد عن مئتي ساعة) هو فقط 1339 متعاقداً. وفي ملف التفرغ الذي رفع فيه بدران أسماء جميع المتعاقدين وصل العدد إلى 1750 متعاقداً.
ويضيف أحد ممثلي الأساتذة في لجنة المتعاقدين أنهم طالبوا بدران بأن يعامل المتعاقد مثل زميله في الملاك لناحية بدلات الإنتاجية، طالما أن الطرفين يقومان بالعمل عينه. لكن بدران تذرع بأن الجامعة تعاقدت مع العشرات بعدد ساعات يقل عن خمسين ساعة بالسنة، ولا يمكن أن يدفع لهم إنتاجية موازية للتي يدفعها إلى الأستاذ الذي يعلم 400 ساعة.
ويحاجج الأساتذة بأن التعاقد في الجامعة لا يختلف عن التعاقد في التعليم الرسمي. فالمدرسة الرسمية تستعين بآلاف المتعاقدين بنصاب يزيد على نصاب أساتذة الملاك أو بعدد ساعات يقل عن عشرين ساعة بالشهر. وطبقت وزارة التربية قاعدة رياضية لدفع بدل الإنتاجية: من لديه نصاب كامل يحصل على مبلغ الإنتاجية كاملاً، وينقص المبلغ كلما قلّ عدد ساعات التعاقد. لكن بدران تعسّف بصرف أموال الإنتاجية، التي خصصتها الحكومة لكل قطاع التربية. وعوضاً عن المساواة بينهم قرر منح الأستاذ المتفرغ 650 دولاراً بالشهر، فيما دفع 14دولاراً للمتعاقد على الساعة. وعليه الحاق الظلم والغبن بأكثر من 1300 أستاذ، لأن هناك نحو 400 متعاقد نصابهم لا يزيد عن مئة ساعة بالسنة (يقل النصاب عن خمسين ساعة في بعض الحالات). علماً أن هؤلاء إما موظفون عموميون وقضاة وضباط، أو أصحاب مهن حرة مثل الأطباء والصيادلة وغيرهم.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها