كأس النزوح الذي تجرعه لبنان جراء العدوان الإسرائيلي على الجنوب اللبناني لم يميز بين لبناني وفلسطيني وسوري. إلا أن التمايز بين هذا النزوح وذاك، وما يترتب عليه من معاناة وصعوبة إلى حد العجز عن تأمين المأوى والمأكل والحد الأدنى من مقومات الحياة، يرتبط بشكل اساسي بحجم هذا النزوح عدداً، وبأوضاع النازحين الاجتماعية والمعيشية. أما على أرض الواقع فثمة تمييز بين النازحين لأن الدولة اللبنانية أعطت الأولوية لرعاياها، تاركة مسؤولية النازحين الأجانب على عاتق منظمات الأمم المتحدة.
تزايد أعداد النازحين والنقص بالمراكز
تكاد مدينة صيدا التي تلقت الموجات الأولى من النزوح من مختلف مناطق محافظتي الجنوب والنبطية وقضاء صيدا - الزهراني، تختصر بمشهديتها اليومية الموزعة بين مراكز الإيواء والبيوت المستأجرة أو الصديقة، واقع النزوح الجنوبي الممتد على بقية المناطق التي استقبلت وتستقبل نازحين. غير أن استمرار موجات النزوح رغم مرور أسبوعين على بدء العدوان من جهة، وعدم قدرة المدينة جغرافياً ومراكز إيواء وخدمات على استيعاب جميع النازحين الوافدين اليها، جعل التركيز الرسمي والبلدي والأهلي ينصب أكثر على تأمين الإيواء والرعاية للعائلات اللبنانية النازحة. أولاً باعتبارها النسبة الأكبر، وثانياً لوجود منظمات دولية معنية أساساً بالوجودين الفلسطيني (الأونروا) والسوري (المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة)، وبالتالي، ترك أمر النازحين الفلسطينيين والسوريين لهاتين المنظمتين.
يظهر آخر تقرير صادر عن المجلس الأعلى للدفاع ووحدة إدارة مخاطر الكوارث في رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ الإثنين 7 تشرين الأول 2024، أن مجموع النازحين من منطقتي الجنوب والنبطية سجلوا في أكثر من مائة مركز إيواء في مناطق صيدا وشرقها وجزين بلغ أكثر من 15 ألف نازح؛ هذا من دون احتساب العائلات النازحة التي استقرت في بيوت وشقق مستأجرة أو عند أقارب وأصدقاء لها.
وبحسب بلدية صيدا، يوجد ضمن نطاق صيدا الإدارية حالياً أكثر من 12 ألف نازح من بينهم 7300 نازح في 22 مركز إيواء في المدينة والبقية موزعون على شقق وبيوت مستأجرة. ومنذ الأسبوع الأول وجدت محافظة لبنان الجنوبي، ومعها بلدية صيدا نفسهما أمام معضلة عدم القدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية لهذا العدد الكبير من النازحين الوافدين الى المدينة وجوارها. الأمر الذي تولته، وللمفارقة، مبادرات شخصية وأهلية غير رسمية إلى أن بدأت مؤخراً تصل المساعدات الدولية والعربية عبر غرفة العمليات الوطنية والوزارات المختصة الى جانب السلف التشغيلية التي أعطيت للمحافظين. لكن حجم ما يقدم حتى الآن بحسب المحافظة والبلدية لا يزال قاصراً عن تغطية القسم الأكبر من احتياجات النازحين.
عائلات تفترش مرآباً للسيارات!
بعدما استقطب طيلة سنوات (منذ العام 2011 وحتى العام 2019) كامل المشهد الإنساني في لبنان ومعه اهتمام ورعاية منظمات دولية وإنسانية، فقد النزوح السوري كثيراً من هذا الاهتمام وبات اليوم جزءاً صغيراً من مشهد أشمل للنزوح.
مع انقضاء الأسبوع الثاني للعدوان، واستمرار توافد النازحين الى صيدا، تواجه بلدية المدينة مشكلة عدم القدرة على فتح مراكز إيواء جديدة بعدما استنفدت جميع الأبنية المدرسية الرسمية، ومعها بعض المؤسسات الاجتماعية والرعائية والدينية. فتقدم الى الواجهة من جديد مشهد العديد من العائلات النازحة تفترش ارصفة طرقات وساحات وباحات مرافق رسمية، ومن ضمنهم بطبيعة الحالة عائلات سورية. وقد واصل القسم الأكبر من النازحين السوريين طريقهم الى الحدود الشرقية وعبروا عائدين الى بلادهم. ونزح بعضهم الى مناطق يتواجد فيها أقارب لهم، فيما تبقى عدد قليل نسبياً معظمهم من عمال البساتين نزحوا مع عائلاتهم من منطقة النبطية، ويفترشون منذ أيام أرض مرآب للسيارات في محيط ساحة النجمة وسط مدينة صيدا، ينتظرون ما ستقرره مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بشأنهم. والسبب أن محافظة الجنوب وبلدية صيدا تعتبران أن تأمين أماكن إيواء لهؤلاء النازحين هو من صلاحية المفوضية وأن الأولوية بالنسبة لهما هم النازحون اللبنانيون. وعلمت "المدن" أن كلاً من المحافظة والبلدية رفضا منذ بدء موجات النزوح طلباً من المفوضية بإقامة مخيم مؤقت للنازحين السوريين في مدينة رفيق الحريري الرياضية – ملعب صيدا البلدي، كي لا يتحول المؤقت الى دائم بحسب ما تم تداوله حينها. وبانتظار تحديد مصير هذه العائلات السورية المتبقية في مرآب للسيارات في صيدا، تقوم منظمات دولية وجمعيات إنسانية ممولة منها بتأمين ما أمكن من طعام ومياه وفرش وأغطية لهم.
الفلسطينيون و"الأونروا" والفصائل
حتى الآن لا يزال النزوح الفلسطيني في لبنان تحت مظلة الرعاية المشتركة الدولية (الأونروا) – الفلسطينية (السفارة والفصائل) واللبنانية (لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني)، حيث يتوزع قسم كبير من النازحين الفلسطينيين على عدة مراكز في مخيمي البداوي ونهر البادر في الشمال (أكثر من 4000 نازح) وعلى 3 مراكز في صيدا ومركز واحد في سبلين (إقليم الخروب) يضم نحو 1300 نازح.
في صيدا تتشارك الأونروا المسؤولية مع بلدية المدينة التي تتولى الإشراف على نازحين فلسطينيين في مراكز إيواء في المدينة. فيما تشرف الأونروا على نازحين فلسطينيين وفلسطينيين سوريين ولبنانيين في مؤسسات تربوية وصحية وخدماتية حولتها الوكالة الى مراكز إيواء في صيدا وسبلين.
يتوزع النازحون الفلسطينيون على مركزي إيواء تابعين للأونروا في مدينة صيدا ويضمان 450 نازحاً. ومركز ثالث في محيط صيدا (طريق المية ومية) هو مركز مدرسة دير القاسي الذي يضم 330 نازحاً، الذي كانت الأونروا قررت إخلاءه وازالت شعار الأمم المتحدة عنه.
وصدر بيان عن "الأونروا" أشار الى أن مفوضها العام فيليب لازاريني أصدر قراراً بإغلاق هذا المركز. وبررت الوكالة هذا القرار بأنها كانت " قد أعلنت أن أي انتهاك لجهودها للالتزام بالمبادئ الإنسانية في مراكز الايواء لا يمكن التسامح معه". وقالت" وعلى الرغم من جهودنا للمحافظة على بيئة تحترم المبادئ الإنسانية، إلا أن هذه المبادئ لم يتم الالتزام بها في مركز الايواء في مدرسة دير القاسي، مما أدى إلى اتخاذ هذا القرار".
وأضاف بيان الأونروا: " نحن نتفهم أن هذا القرار قد يسبب القلق والارباك في أوساط المجتمع المحلي. ومع ذلك، فإن الالتزام بالمبادئ الإنسانية أمر بالغ الأهمية للحفاظ على سلامة النازحين وموظفينا، ويظل هذا على رأس أولوياتنا. لقد عرضنا تقديم النقل إلى مراكز ايواء بديلة للنازحين المتأثرين بهذا القرار وسنستمر في تقديم الدعم لنازحينا خلال هذه الأوقات الصعبة".
وبعد هذا القرار وما اثاره من ضجة وبلبلة في صفوف نازحي المركز، أخذت اللجان الشعبية لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية على عاتقها تسلمه وإدارته فبقي النازحون فيه لكن دون اشراف الأونروا أو تحملها لأي مسؤولية عنه.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها