في هذا الوقت من كل عام وتحديدًا في 25 تشرين الثاني، تنطلق الأنشطة النّسويّة والحقوقيّة حول العالم، احتفالًا باليوم العالميّ للقضاء على العنف ضدّ المرأة، وتخليدًا لذكرى الأخوات ميرابال، الناشطات السّياسيات والنّسويات اللواتي قُتلن في جمهوريّة الدومينيكان عام 1960، وغيرهن من النساء عبر التّاريخ القديم والمُعاصر، اللواتي قاسين ما قاسينّه من ضروب التّمييز والعنف بكافة أشكاله فقط لكونهن نساءً، فيما لا يزال الشطر الأكبر منهن حتّى اللّحظة، معرضٌ لذلك.
ولما كان لبنان في مصاف الدول التّي حاولت تكريس العدالة الاجتماعيّة والمساواة بين الجنسيين ووقف أعمال العنف المُمنهج ضدّ النوع الاجتماعيّ (gender – based violence)، بوصفه وسيلة قمعيّة ورجعيّة، وبل كان في طليعة دول الشرق الأوسط التّي عملت على احتضان هذه المبادئ، بالتزاماته القانونيّة الدوليّة وتشريعاته الدستوريّة، فإنّه حاليًّا بدأ يخطو خطواته الأولى لمواكبة التّطورات الحقوقيّة التّي طرأت على هذا المجال، بعد سنواتٍ من تخلفه عنها.
فبحضور العشرات من النّسوة من شتّى الخلفيات والمشارب، وعددٍ لا يُستهان به من الوجوه الرسميّة والنقابيّة والنّسويّة والجامعيّة والشبابيّة، أطلقت منظمة "أبعاد" الحقوقيّة، مساء اليوم الخميس 23 تشرين الثاني، وبالتّزامن مع التحضيرات لليوم العالميّ للقضاء على العنف ضدّ المرأة، ومن قاعة فندق فينيسيا – الواجهة البحريّة لبيروت، وثيقة "الإجراءات التّشغيليّة الوطنيّة الموحّدة لحالات العنف القائم على النّوع الاجتماعيّ" برعاية وزارة الشؤون الاجتماعيّة، وعددٍ من المنظمات والجمعيات الدوليّة. التّي تُعد الأولى من نوعها في العالم العربيّ ودول الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا.
حفل إطلاق الوثيقة
أما حفل الذي نظمته "أبعاد" رعته وزارة الشؤون الاجتماعيّة بشخص وزيرها هكتور الحجّار وبدعمٍ من لجنة الإنقاذ الدوليّة، والبنك الدوليّ – الصندوق الائتمانيّ المُخصص للبنان، ووزارة الخارجيّة الهولنديّة، فقد استهل بدقيقة صمت، وقف فيها الحضور لراحة نفس ضحايا الاعتداءات الإسرائيليّة التّي طالت بالجزء الأكبر منها نساء وأطفال غزّة، ومن ثم بكلمة لكل من الداعمين (آنفي الذكر) ورعاة الحفل ومؤسٍّسة المنظمة غيدا العناني، ومن بعدها تمّ عرض فيديو قصير بعنوان "دايمًا وقتها" يتحدث عن "ثقافة" العنف الأسريّ المُتفشية في لبنان والجراح النفسيّة الغائرة التّي يُخلفها في نفوس ضحاياه.
ومن ثمّ تم تقديم موجز لوثيقة "الإجراءات التشغيليّة الموّحدة"، والتحدث عن أسبابها الموجبة وغاياتها ومسارات تطويرها والمحاور التّي تتناسل عنها والخطوات المتبعة لإقرارها وإطلاقها، تبع الشرح الموجز حلقة نقاش تقنيّة مُركزّة حول أدوار القطاعات المعنيّة بالوثيقة والخطوات المتبعة لإقرارها وإطلاقها، بين كل من القاضية نازيك الخطيب (القضاء والعدل)، المعنيّة بالشأن الصحيّ باميلا زغيب، الدكتور ربيع شماعي عن محور الصحّة النفسيّة، وعن الشؤون الاجتماعيّة ميراي العلم، وعن المجتمع المدني الأهلي زينب مرتضى، وعن مكتب حماية الأحداث أميرة سُكر. واختتم الحفل بعرض فيلم توعويّ "لا عرض ولا عار".
وثيقة "الإجراءات الموحّدة وطنيًّا"
وقد لفت المنظمون لكون "الإجراءات التّشغيليّة الوطنيّة الموحدّة" هي قفزة نوعيّة متميزة على الصعيدين الإقليميّ والدوليّ، في وضع معايير وآليات قياسيّة لضمان حقوق الناجين/الناجيات من العنف القائم على الدّور الاجتماعيّ وللتعامل مع كل منهم/ن بمهنيّة واحترام، وتوفير الحمايّة والاحترام والخدمات الصحيّة والنفسيّة – الاجتماعيّة اللائقة، والتّأهيليّة والقانونيّة المناسبة، لحاجاتهم/ن على كامل الأراضي اللبنانيّة ومن دون أي تمييز وذلك في جميع الأوقات، وليس وحسب أثناء حالات الطوارئ أو الاستجابة الإنسانيّة.
وللتّوغل أكثر في الإجراءات التّي تمّ الاتفاق عليها، طرحت أبعاد الوثيقة المعدة من قبل الدكتور جان كورس، وهي نتاج عمل ثلاث سنوات، حسب ما أشارت مديرة المنظمة غيدا العناني، وتهدف بصورة أساسيّة لخلق أرضيّة مشتركة لكل القطاعات المعنيّة بالتّدخل والحمايّة والرعايّة والتّوعيّة، وتوفير الوسائل والأدوات الملموسة التّي من شأنها تنظيم التّدخلات المختلفة والمشتركة بين كافة القطاعات الرسميّة المعنيّة (العدل-الصحة-الداخلية-الشؤون)، والمنظمات الأهليّة المعنيّة. كما وصممت هذه الوثيقة لتمكين الجهات الفاعلة في المجال الإنسانيّ الحمائي من تنفيذ التدابير اللازمة، والتّي تشمل على الأقلّ الالتزام بأدنى معايير الوقاية والاستجابة للحالات العنف المختلفة بكافة مراحله، كما في مراحل الأزمات وكذلك في مراحل الاستقرار الأكثر ديمومة.
أما دليل الإجراءات فضمّ مجموعة واسعة من المبادئ والاستراتيجيات والتّدابير والتّعليمات الإرشاديّة الموجهة لكل من المسؤولين، ولمروحة واسعة من المستفيدين، وتحديدًا الفئات الهشة، والمُعرضة والتّي تعرضت لعنف مبني على النّوع الاجتماعيّ GBV، أكان الاعتداءات الجسديّة والجنسيّة والنفسيّة – الاجتماعيّة. وقد اشتمل الدليل على التّعريف بمفهوم النّوع والدّور الاجتماعيّ والأفكار الخاطئة المرتبطة به، وأنواع العنف القائم ضدّه وتفسيرها وتحديدها، والآثار الناجمة عنه، والعوامل المتفرقة التّي قد تؤدي إلى ارتفاع نسبة حدوثه. فضلاً عن لائحة القوانين الوطنيّة والاتّفاقيات الدّوليّة.
ومن ثم تمّ وضع معايير العمل والجودة، التّي تتفرق إلى ثلاثة محاور:
- المبادئ التّوجيهيّة لإدارة حالات العنف القائم على الدّور الاجتماعيّ
- ضمان حقوق النّاجين/ النّاجيات
- معايير إرشاديّة لضمان جودة خدمات الحماية والدّعم والرعايّة
ناهيك بخطوات العمل والنّظم التّي من المُزمع بداية العمل بها.
وأما أهميّة الخطوة هذه، فتتجلى في مسار العمل الدؤوب لتكريس النضال النسائي بوصفه نضالاً مُحقًّا، وخصوصًا في السّياق الرسميّ له. ودفع لبنان نحو صفوف الدول التّي تعمل وبصورة عملانيّة وحقيقة وعادلة وليس ظاهرياً وحسب، في سبيل جعل المرأة عنصرًا أساسيًّا في المجتمع والإدارة والعمل والمواطنة، ومن غير التّعاطي معها كحالةٍ استثنائيّة أو التّعاطي مع العنف الذي يطالها وكأنه نادر، وإعادة تأهيل القوانين التّي لم يتم تحديثها منذ زمنٍ بعيد، وتغيير النظرة الاجتماعيّة، التّي جعلت النساء طويلًا مواطنات من درجة ثانيّة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها